المسألة ليست عبثا، والفوضى لن تكون طريقا للخير أبدا، والتفكير هو التاج الذى تشرفت به عامة الإنسانية، والجدل العقيم سبيل الشر فى كل عصر، والمغرضون يؤثرون الوصول إلى أطماعهم على أكتاف السذج، ومن لا عقل لهم، وما أشبه الليلة بالبارحة، فخلاصة حكمة الأمس التى ظننا أنها ولت ،ولن تعود لأنها مرهونة بعصورها ،تطل برأسها اليوم، وكأنها إجابة عن أسئلة الحاضر الغامضة ،وتلك العصارة ،أو النخبة الصافية تمثلت فى القناعات النهائية لعقل عملاق حائر ظل يطوف فى الآفاق، ويغترب فى فلوات المعضلات الفلسفية، ومتاهات الأسئلة المصيرية الكبرى، وأعنى بتلك الشخصية الفريدة فى كل العصور «أبو حامد الغزالى».. المفكر الفقيه الحكيم الذى قضى عمره يجوب فى دهاليز الكلمة بحثا عن الحقيقة، لذا جاءت تجربته فذة ثرية تقدم إجابات لعصور مقبلة، وخاصة أمام محنة الخوارج التى شقيت بها أوطاننا، ولاتزال تدفع الأثمان باهظة فى مواجهة فكر الخوارج المريض، وترهات أحفادهم المجرمين من جماعات الإرهاب المدمرة التى تتوسل بالدين، وتقدمه فى نسخة شوهاء، مبتسرة، مغلوطة، وباسمه تحطم البلدان وتقوض الأمم، وتعرقل المسير، وتحرق الأخضر واليابس، ولعل كل ذلك كان يتردد فى ذهن الأديبة المرموقة د.ريم بسيونى، وهى تفكر فى شخصية «الغزالى» كمحور لروايتها، ومنطلقا لأحداث حلقات مشروعها الطموح فى أفق الروايات التاريخية، ولأن هذا المفكر الفذ حاضر دائما بطرحه السابق لعصره، حسمت «ريم» أمرها، وخاضت معركتها فى استعادة «الغزالى» عبر نسيج روائى تشابكت فيه خيوط الحقيقة، والخيال، والاكتشافات المستخلصة من وثائق ظهرت مؤخرا كانت غائبة، وكل تلك الأمشاج أثمرت روايتها «الغواص» الصادرة عن دار نهضة مصر للنشر، وقد حاولت «ريم» من خلالها استدعاء ذلك المفكر الحر المقدام الذى لم ترهبه سطوة الخوارج فى عهده ممن سموا بالباطنية، وفى مقدمتها طائفة الحشاشين التى أسست لعصر من الرعب، والظلام يريد البعض الآن أن يسود عالمنا من جديد.