بعد 11 يوما فقط من القتال غير المتكافئ، أعلنت فصائل المعارضة فى سوريا إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بعد نحو ربع قرن من الحكم المتجذر الذى ورثه عن والده الرئيس حافظ الأسد. والأحد الماضي، أعلنت الفصائل المعارضة دخول قواتها دمشق منهية حقبة حكم حزب البعث الذى شكل ملامح البلاد وحدد تحالفاتها خلال العقود السابقة. ◄ ما حدث يمثل تغييراً فى الوضع الإقليمى بالشرق الأوسط ◄ باحث: أمريكا عدلت عن استهداف الجولان فى 2018 واعتبرته «رأس كيان ناشئ» ما حدث من تطورات يثير أسلئة عديدة تتعلق بالحقبة السياسية الماضية للبلاد وكذلك حاضرها، ثم مستقبلها، فقد خضعت سوريا لحكم حزب البعث منذ عام 1963. وتأسس حزب البعث فى 17 أبريل 1947 على يد سوريين تلقيا تعليمهما فى باريس، وهما ميشيل عفلق، المسيحى الأرثوذكسي، وصلاح البيطار، المسلم السني. وفى عام 1953، اندمج الحزب مع الحزب العربى الاشتراكي، ما أكسبه شعبية بين المثقفين والفلاحين والأقليات الدينية. واتسع حضور حزب البعث العربى الاشتراكى إلى دول عربية عدة أبرزها العراق. وفى الثامن من مارس 1963، وصل البعث إلى الحكم فى سوريا إثر انقلاب عسكرى وفرض حالة الطوارئ. وفى 16 نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذى كان يشغل منصب وزير الدفاع، انقلاباً عسكرياً عُرف ب«الحركة التصحيحية» أطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي، ووضع حدا لسلسلة من التجاذبات الداخلية فى الحزب وعلى السلطة. وفى 12 مارس 1971، انتخب حافظ الأسد رئيساً للجمهورية السورية فى اقتراع من دون أى منافس، ليصبح أول رئيس ينتمى إلى الأقلية العلوية التى تشكل عشرة فى المئة من تعداد السكان. وفى فبراير 1982، تصدى النظام السورى لانتفاضة مسلحة قادها تنظيم الإخوان المسلمون فى مدينة حماة وأدى القمع الدامى إلى مقتل الآلاف، تقدر أعدادهم بين 10 آلاف و40 ألف شخص. وفى نوفمبر 1983، تعرّض حافظ الأسد لأزمة قلبية نقل على إثرها الى مستشفى بدمشق. وبينما كان يقبع فى غيبوبة، حاول شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل. واستعاد حافظ عافيته وسلطته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. وتوفى حافظ الأسد فى 10 يونيو 2000 عن عمر ناهز 69 عاماً. بعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، حيث أدى اليمين الدستورية فى 17 يوليو 2000، أمام مجلس الشعب، وانتخب رئيساً بنسبة تصويت بلغت 97,29 فى المائة فى انتخابات كان المرشّح الوحيد فيها ونُظمت بعد شهر من وفاة والده حافظ الأسد. واستبق مجلس الشعب انتخاب الأسد الابن بإدخاله فى العاشر من يونيو، يوم وفاة الأسد الأب، تعديلاً على مادة فى الدستور، خفّض بموجبه من 40 إلى 34 عاماً الحد الأدنى لسنّ الترشّح للرئاسة، فى قرار فُصّل على قياس الأسد الابن المولود عام 1965. فى 16 أكتوبر 2005، أطلقت المعارضة السورية التى كانت منقسمة فى السابق، «إعلان دمشق» الذى تضمّن دعوة إلى إحداث «تغيير ديمقراطي» و«جذري» وتنديداً ب«نظام تسلّطى شمولى فئوي». ورداً على ذلك، ضيّقت دمشق الخناق على الناشطين والمثقّفين وضاعفت الاستدعاءات الأمنية وحظر السفر ومنع التجمّعات. وأطلقت فى أواخر 2007 حملة توقيفات طالت معارضين علمانيين على خلفية مطالبتهم بتعزيز الديمقراطية. وفى 15 مارس 2011، انطلقت تظاهرات سلميّة مناوئة للنظام فى إطار ما سُمّى حينها «الربيع العربي». وسعى النظام إلى سحق التمرّد فخاض حرباً ضد مقاتلين معارضين اعتبر تحركهم «إرهاباً مدعوماً من الخارج». وبدأ عام 2012 استخدام الأسلحة الثقيلة ولا سيّما المروحيات والطائرات. واتّهم الغرب مراراً النظام السورى باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهو ما نفته دمشق على الدوام. وفى عام 2013، أقر حزب الله الشيعى اللبنانى بانخراطه فى القتال إلى جانب قوات النظام، وأرسل الآلاف من عناصره إلى سوريا. وأصبحت إيران الحليف الإقليمى الأكبر للنظام. وفى 30 سبتمبر 2015، وبعدما تراجعت قوات النظام على جبهات كثيرة، بدأت روسيا تدخلها العسكرى فى النزاع، بعدما كانت داعماً رئيسياً لدمشق فى مجلس الأمن الدولى منذ اندلاع النزاع. وكان تدخل روسيا نقطة تحوّل فى النزاع، وتمكن النظام بفضله من استعادة زمام المبادرة وتحقيق انتصارات استراتيجية فى مواجهة الفصائل المعارضة والجهاديين. وأقرت تهدئة فى مارس 2020 بعد اتفاق روسي-تركى إلا أن الجماعات المتطرفة واصلت قصفها وتحركاتها المتقطعة. وفى 26 مايو 2021، أعيد انتخاب بشار الأسد رئيسا لولاية رابعة مع 95,1% من الأصوات. ◄ اقرأ أيضًا | واشنطن بوست: الأسد رفض إبرام صفقة مع الولاياتالمتحدة قبل سقوط حكمه ◄ ماذا يحدث؟ انقلبت الأمور رأسا على عقب فى 27 نوفمبر الماضي، عندما بدأت قوات فصائل المعارضة المسلحة مسيرة نحو دمشق، سيطرت خلالها على البلدات الرئيسية حتى العاصمة وأعلنت ليل 7-8 ديسمبر 2024، بقيادة هيئة تحرير الشام، دخول قواتها دمشق و«هروب» الرئيس السورى بعد 24 سنة أمضاها فى الحكم. أما هيئة تحرير الشام، فقد ظهرت فى سوريا قبل 10 أعوام تقريباً. ولا يخفى الصراع بينها وبين تنظيم القاعدة فى سوريا. فبعد أن أعلن زعيمها أبو محمد الجولانى أواخر يوليو 2016، فك الارتباط بين جبهة النصرة (نواة هيئة تحرير الشام)، وتنظيم القاعدة بإمارة أيمن الظواهري، قال أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، فى أبريل 2017، إن «فك الارتباط تم دون مشاورة قيادة القاعدة العليا، وهو بمثابة خيانة تهدف لتحويل الحركة الجهادية من كيان عالمى إلى حركة وطنية لإرضاء الدول الداعمة». وفى غضون الأشهر الأولى من فك الارتباط بين القاعدة والنصرة، قُتل 2 من أبرز قيادات القاعدة التى كانت على صلة مباشرة بأبى محمد الجولاني، وهما: أبو الفرج المصري، الذى كان بمثابة عين الظواهرى على الجولانى والذى شغل منصب نائب أمير جبهة فتح الشام التى أُعلنت بعد حل جبهة النصرة وتحولت، لاحقًا لهيئة تحرير الشام، وأبو الخير المصرى الرجل الثانى فى القاعدة ونائب أيمن الظواهرى الأول والذى أُرسل إلى سوريا ليشرف على الحركات الجهادية المرتبطة بالتنظيم. وكل من الرجلين قتل فى غارات أمريكية محددة الأهداف. وبعد مقتل القياديين الجهاديين البارزين، انتشرت الروايات حول التنسيق غير المعلن بين هيئة تحرير الشام والتحالف الدولى للتخلص من قيادات القاعدة فى سوريا. ونشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دراسة بعنوان: «عصر الجهادية السياسية.. نموذج هيئة تحرير الشام» للباحث أرون زيلين، المتخصص فى شؤون الجماعات الإرهابية، تناولت بإسهاب التطور الحاصل فى الهيئة. وأشار زيلين إلى أن أمريكا عدلت عن استهداف الجولانى بدءاً من أغسطس 2018 فلم يعد الجولانى قائد جماعة إرهابية أو فصيل متمرد؛ بل رأس كيان ناشئ.» وأشار الكاتب أيضا إلى أن الهيئة تختلف فى وضعيتها بالنسبة للإدارة الأمريكية عن حركة حماس الفلسطينية أو حزب الله اللبنانى اللذين تدعمهما إيران، لكن تقترب من وضع حركة طالبان، فهيئة تحرير الشام لها داعم أساسى وهو حليف للولايات المتحدة وهو تركيا. وأوضح زيلين فى دراسته أنه بالنسبة لهيئة تحرير الشام، فإن الجولانى صرح بأنه يريد شيئين من الولاياتالمتحدة والغرب: أولا: «لا حاجة إليكم لتصنيف الناس كإرهابيين وإعلان مكافآت لقتلهم.. بل إنه قد يكون لدينا هدف مشترك وهو وضع حد للأزمة الإنسانية ومعاناة الناس فى المنطقة، وهو ما يضع حدا فى الوقت نفسه لموجات الهجرة الجماعية نحو تركيا أو أوروبا». وفى الأحداث الأخيرة فى سوريا، بدا واضحا أن الانهيار السريع لنظام الأسد دفع القوى الأجنبية إلى إعادة ضبط مواقفها. وقامت روسياوإيران، الحليفتان الأساسيتان للأسد، بإجلاء العسكريين والمستشارين والمعدات على عجل من القواعد الرئيسية مثل طرطوس وحميميم. وبحسب ما ورد تقوم موسكو بنقل أنظمة الأسلحة المتقدمة، مثل S-300، لمنعها من الوقوع فى أيدى المتمردين. وفى الوقت نفسه، تسحب طهران قواتها إلى العراق، بهدف الحفاظ على نفوذها المتبقى فى المنطقة. وقد اتُهمت تركيا بتنظيم تقدم المتمردين سراً. ويتماشى دعم أردوغان لجماعات المعارضة مع هدفه الأوسع المتمثل فى كبح الطموحات الكردية وتوسيع النفوذ التركى فى شمال سوريا. كما دفع الصراع إسرائيل إلى تعزيز دفاعاتها الشمالية، مع وجود مناقشات جارية بشأن احتمال إنشاء منطقة عازلة على طول مرتفعات الجولان. ◄ ماذا بعد؟ وبغض النظر عما تؤول إليه التطورات، لكن الثابت أن ما حدث يمثل تغييرا فى الوضع الإقليمى بالشرق الأوسط. فبحسب تحليلات المراقبين، فإن نهاية حكم عائلة الأسد الذى دام خمسة عقود ستعيد تشكيل ميزان القوى فى المنطقة. وتشهد إيران مرة أخرى ضربة كبيرة لنفوذها. وكانت سوريا فى عهد الأسد جزءاً من العلاقة بين الإيرانيين وحزب الله، وكانت أساسية لنقل الأسلحة والذخائر إلى الجماعة. وتم إضعاف حزب الله نفسه بشدة بعد حربه مع إسرائيل التى استمرت لمدة عام، وأصبح مستقبله غير مؤكد بحسب تقديرات غربية. وقد تم استهداف فصيل آخر مدعوم من إيران، وهو الحوثيون فى اليمن، بشكل متكرر فى الغارات الجوية. وتشكل كل هذه الفصائل، بالإضافة إلى الميليشيات فى العراق ما تصفه طهران بمحور المقاومة، الذى تعرض الآن لأضرار جسيمة. وتم بالفعل الاحتفاء بهذه الصورة الجديدة فى إسرائيل حيث يُنظر إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وعلق رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو على سقوط نظام الأسد بالقول إن سقوط الأسد هو «يوم تاريخى فى الشرق الأوسط» مرحبا بانفراط «الحلقة المركزية فى محور الشر» بقيادة إيران، العدو اللدود للدولة العبرية. وفى تصريحاته ذاتها، أعلن انهيار اتفاق «فض الاشتباك» للعام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأمر الجيش ب«الاستيلاء» على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوة الأممالمتحدة.