فى صراع المبدعين مع الذكاء الاصطناعي، يبدو الخوف من سيطرة التكنولوجيا على صناعة الأفلام والترفيه لا داعى له، رغم محاولات الكيانات الإنتاجية للإسراع بإحلال الذكاء الاصطناعى محل الإبداع البشري. ومع كل محاولة جديدة وفيلم جديد نتأكد من فشل هذا «الذكاء» وتأثيره السلبى على صناعة السينما. الفيلم الأمريكى «Here» أو«هنا» لروبرت زيميكس الذى عرضه مهرجان القاهرة السينمائى تزامنا مع عرضه التجارى فى أمريكا وخارجها، أكبر دليل على خيبة الأمل فى هذه التكنولوجيا، التى حولت الفيلم وأبطاله لمسخ قبيح وممل. وذلك بداية من المكان أو البيت الذى تقوم عليه فكرة الفيلم وصولًا إلى النجوم الذين ظلمهم المخرج الذى أصبح أسيرا للعالم الرقمى مهووسا بالخدع والمؤثرات البصرية، بعدما قدم أفلامًا رائعة أفضلها «فورست جامب» مع توم هانكس نجم هذا الفيلم «هنا». وتدور أحداث الفيلم فى مكان واحد، عبر عصور متعددة.. بيت أمريكى قديم، يثبت زيميكس الكاميرا على غرفة المعيشة به.. كاميرا واحدة وزاوية واحدة لا تتبدل، وإنما تتبدل عليها الأزمنة والأحداث والشخصيات، والإضاءة وقطع الديكور، عبر الأزمنة والأجيال المتعاقبة على المكان يحاول المخرج خلق رابطة ما بين البيت والأرض والتاريخ. وتبدو الفكرة براقة وعميقة، إلا أنك تكتشف مع مرور الوقت أنه فيلم عبثي، وليس سوى مغامرة جديدة للمخرج مع تكنولوجيا جديدة لتعديل الوجوه وإزالة علامات الشيخوخة أثناء التصوير، برنامج « Metaphysic» لتوليد تحولات فورية اعتمادا على تحليل معالم الوجه وتبديلها وفقًا للاختلافات العمرية المطلوبة. اقرأ أيضًا| صراع «البوب» و«الهيب هوب» يتصدر المشهد الموسيقى وفى البيت، نرى المالك الأول آل يونج (بول بيتاني) وروز (كيلى رايلي)، وأبناءهما الثلاثة، أكبرهم ريتشارد(توم هانكس) الذى يؤول إليه البيت بعد زواجه من مارجريت (روبن رايت)، ونتابع «فلاشات» مختلفة لحياة المقيمين حتى رحيلهم، وانتقال البيت لعائلة سوداء، كل هذا بشكل غريب ومتشابك، يقحم عليه المخرج -الملتزم والمخلص لثبات الكاميرا- لمحات من حيوات ماضية، (من عصر الديناصورات حتى يومنا هذا). ومن خلال إطارات هندسية تحتل أحيانا مساحة من المشهد الرئيسى أو تتداخل معه، تتقدم أو تتأخر زمنيا، وهى الطريقة الوحيدة فى الفيلم للانتقال عبر الزمان، إضافة لعبث الذكاء الاصطناعى فى رسم حياة العصور القديمة! مرور الشخصيات بمراحل عمرية مختلفة، عالجها برنامج الذكاء الاصطناعي، الذى عبث بوجه الممثلين.. فحول وجه توم هانكس لمراهق صغير، وفاته معالجة جسده الكبير أو صوته العجوز. وأصبحت ملامح هانكس وكل الممثلين غريبة مصطنعة كالبرنامج الذى خضعوا له.. حول المخرج المفتون بالعالم الرقمى كل الممثلين إلى كائنات مصنوعة لا تنتمى للحياة ككل تفاصيل الفيلم التى نفذها الكومبيوتر.. فرض علينا زيميكس انتماءه للعالم الرقمى وتجربة ظنها مثيرة وذكية، كان نتيجتها فشل الفيلم وسقوط كل من شارك فيه حتى «الذكاء الاصطناعي».