انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مثيرة للقلق، واحد منها لفتيات داخل الفصول المدرسية يقمن بسب بعضهن البعض أثناء وجود المُعلم، وفيديو آخر لمعلمين بمدرسة أحمد عرابي في الزقازيق يهربون من على سور المدرسة، وبعد إثبات الواقعة تم تحويلهم للشئون القانونية ومعاقبتهم، وغير ذلك من الوقائع التي تفتح الباب أمام تناول كل ما يتعلق بجوانب التربية في المدارس. ◄ خبراء التربية: مطلوب حوار مجتمعى لإعادة التربية إلى منظومة التعليم ◄ بعد «ضمير أبلة حكمت» أين دور الدراما فى القضايا التربوية؟ الدكتور رضا مسعد الخبير التربوى والتعليمى يرى أن المشكلة وراء انهيار منظومة التعليم ككل هو المعلم الذى انشغل بأعبائه الحياتية عن قيامة برسالتة الأساسية وهى تربية جيل قادر على بناء دولة، فمنذ أن اهتم المعلم بإعطاء الطالب دروسًا خصوصية انكسر أمامه، ولم يعد قادرًا على تقويم سلوكه أو توجيه تعليمات له داخل الفصل. ◄ البيئة الإجتماعية ويضيف: من أسباب انهيار العملية التربوية أيضًا ضعف كفاءة الإدارة التربوية والكوادر التعليمية وغياب البيئة التعليمية المحفزة للتربية، بالإضافة لانتشار الفيديوهات الإباحية على وسائل التواصل الاجتماعى وترك الآباء أبناءهم فريسة لمواقع الإنترنت دون رقابة، ففى السنوات الماضية كان التلفزيون وسيلة الترفية التى يعتمد عليها الكبير والصغير وكانت هناك برامج إرشادية وتعليمية تسهم فى تقويم سلوكيات الأطفال، ومع تطور شبكات الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى أصبح الأطفال والشباب منفتحين على الثقافات المختلفة دون أى رقابة، ما نتج عنه انفلات أخلاقى لا يستطيع المعلم السيطرة عليه، وما كان عليه سوى السير مع طوفان الانهيار الأخلاقى ليصبح المعلم والطالب مرآة بعضهما البعض. ويتابع الدكتور مسعد: المنظومة التعليمية اختلفت عن السنوات الماضية كثيرًا، فقد اختفى المعلم التربوى الذى يقف فى طابور الصباح على باب المدرسة ليعاقب من يتأخر عن موعد طابور الصباح ويمر على الطلاب ليتفقد نظافتهم الشخصية بداية من الأظافر والملابس والحذاء والشعر، بالإضافة إلى حصص التربية الدينية سواء كانت إسلامية أو مسيحية، والالتزام بالصلاة وعقد مسابقات القرآن الكريم وتشجيع الطلاب للاشتراك فيها من خلال منحهم جوائز مادية وتكريمهم على مستوى الإدارات، بالإضافة لتنمية الحس الموسيقى الراقى من خلال حصص الموسيقى وحصص التربية الرياضية ومشاركة المدارس فى البطولات الرياضية، فكل هذه العوامل تستطيع إخراج جيل على خلق وعلم. ويضيف: للأسف الشديد مع زيادة أعداد الطلاب فى الفصول، اكتفى المعلم بتقديم العلم فقط ولم يستطع القيام بالشق التربوي، بخلاف الاهتمام بالدروس الخصوصية وجمع المال لتحقيق الطموحات الحياتية، ومن هنا يمكن القول إن المعلم فقد دوره الأساسى وهو رسالة التربية والتعليم. ◄ مسئولان! فيما تؤكد الدكتورة مروى عبداللطيف، أستاذة الإعلام وثقافة الطفل بجامعة عين شمس، أن من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى غياب التربية عن التعليم، انشغال المعلم بتحقيق العائد المادى لتحقيق طموحاته، فأصبح بمعنى أدق «عينه مكسورة أمام الطالب»، فهو صاحب الفضل عليه يفعل ما يشاء فى حضورة ولا يستطيع المعلم الاعتراض على أفعاله، ووسط كل ذلك نسى المعلم أنه صاحب رسالة تربوية وتعليمية وأنه يجب أن يكون القدوة التى يحتذى بها فى جميع سلوكياته. وتضيف: الأسرة هى الرحم الأول لنواة التربية وهى من تركت أبناءها فريسة لأصحاب التريندات واليوتيوبرز، فأصبح الطالب يقتدى باليوتيوبر الفلانى ويبحث عن التريند ليقلده، واختلت جميع المعايير فى غياب تام للأم والأب وانشغالهما بالعمل الإضافى لتحقيق أعلى رفاهية للأبناء، بل إن هناك ما هو أخطر، فبعض الآباء يشجعون أبناءهم على القيام بعمل فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى لكسب الأموال سريعًا دون عناء أو تفكير فيما يقدمونه من محتوى، ومن هنا أصبح المال متصدرًا قائمة أولويات الأسرة والطالب والمعلم، وجاءت التربية فى ذيل القائمة، والحقيقة أننا أصبحنا أمام غزو واختراق لأهم سلاح يمكن أن يدمر الدول وهو التربية والعلم، والمشكلة أن الحرب بدأت منذ فترة طويلة وتسلل أثرها إلى البيوت والحوارى والأزقة، وبدأ الكثيرون فى التعامل مع مستجدات العصر هذه تحت زعم أننا نعيش فى العالم الذى تحول إلى «قرية صغيرة» ولكن العالم لم يكن أبدًا قرية صغيرة، بل إن أصحاب هذه النظرية هم من يرغبون فى تدمير عقولنا وهتك خصوصيتنا واختراق بيوتنا ونسف القيم والمعتقدات والأخلاق التى يتسم بها مجتمعنا. ◄ مجموعة حلول فيما يقترح الدكتور حسن شحاتة الخبير التعليمى والتربوي، مجموعة من الحلول لعودة التربية إلى مدارسنا، وعودة المعلم ليكون قدوة حسنة كما كان فى السابق حيث دعا المسئولين إلى فتح حوار مجتمعى يناقش من خلاله الوضع المتردى الذى وصلت إليه المنظومة التعليمية خاصة فى مرحلة التأسيس، على أن يشارك فى هذا الحوار الأزهر الشريف وخبراء كليات التربية ووزارة التربية والتعليم والمعلمون، وبعد خروج مسوّدة المقترحات يتم عرضها على اجتماعات أولياء الأمور فى المدارس حتى تشترك المدرسة والأسرة فى تنفيذها، مع ضرورة أن يسمح ولى الأمر للمعلم بالقيام بدورة التربوى فى نطاق التعليمات التى تضعها الإدارات المدرسية التابعة لها، ودون الإضرار نفسيًا أو بدنيًا بالطالب، لبناء جيل على قيم أخلاقية وعلمية ويخرج منهم العالم والأديب وقيادات تستطيع أن تقود مسيرة بلدنا فى المستقبل. وتابع: أدعو أيضًا المجلس الأعلى للإعلام إلى عمل برامج تلفزيونية كما كانت تقدم فى قنوات ماسبيرو من قبل بشرط أن تكون بها عوامل جاذبة للطفل، وأن تكون هذه البرامج لترشيد سلوكيات النشء وأن تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، كما أدعو كتاب الأعمال الدرامية إلى العودة لكتابة القصص الهادفة التى تبنى الأجيال وتؤثر فى المجتمع أمثال مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، و»حضرة المتهم أبي»، ونحتاج إلى تضافر كل الجهات لبناء جيل قادر على مواجهة التحديات الخارجية التى ترغب فى تدمير أهم ثروات البلاد وهم أبناؤها وتبدأ باستهداف من التربية والتعليم. ◄ إعداد المدرسين وتتفق معه فى الرأي، الدكتورة مايسة فاضل خبيرة التربية والتعليم، قائلة: يجب النظر فى سياسيات قبول الطلاب فى كليات التربية بالجامعات، إذ يُشترط أن يتم عمل امتحان قدرات لطلاب كليات التربية لمعرفة هل يستطيع هذا الطالب أن يكون نواة لقدوة معلم يتم تنميتها عندما يلتحق بالكلية، وذلك من خلال توافر عدة شروط يقوم بوضعها أساتذة كليات التربية وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة، كما يجب مراجعة القيادات والكفاءات القائمة على منظومة الإدارة التعليمية بكل مديرية ومحافظة. وتدعو فاضل، إلى ضرورة عمل برامج إرشادية للفتيات المقبلات على الزواج عن كيفية بناء طفل ينفع نفسه ومجتمعه، وتعد الأسرة النواة الأساسية التى يخرج من رحمها طفل قادر على استقبال التعليمات والسلوكيات التربوية السليمة، لذا يمكن أن يتولى الأزهر الشريف ووزارة التضامن الاجتماعى محتوى هذا البرنامج، مع ضرورة عمل حملات إعلانية لتقويم سلوكيات الأطفال.