المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات الطفولة المبكرة    الجبهة الوطنية يطالب بإعادة النظر فى القيمة الإيجارية    تفاصيل احتفال دمياط بعيدها القومى فى ذكرى انتصارات الأجداد عام 1250م    رئيس وزراء باكستان يدين الهجمات الهندية ويتهمها بانتهاك القانون الدولي    نائب روسي: الاتحاد الأوروبي أصبح خليفة للرايخ الثالث    هدايا تذكارية وجولة بمتحف النادي.. الزمالك يودع جوزيه بيسيرو    بطل الجودو عبد الله فهمي: تحديت الإصابة وحققت الذهب والانتصار طعمه مختلف    «أجواء حارة والعظمى بالقاهرة 34».. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا الخميس    الجمعة.. تترات درامية ومشاهد استعراضية لمواهب القدرات الخاصة بدار الأوبرا    بوسي شلبي ترد على بيان ورثة محمود عبد العزيز: علاقتنا كانت زواجًا شرعيًا وقانونيًا    عمرو الورداني يقدّم روشتة نبوية لتوسعة الخُلق والتخلص من العصبية    الجمعة.. قافلة طبية مجانية بقرية صلاح الدين في البحيرة    انطلاق مباراة بي إس جي ضد أرسنال في دوري أبطال أوروبا    بإطلالة طبيعية.. مي كساب تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    حريق هائل في كسارة بلاستيك بالغربية - صور    الآلاف يشيعون جثمان الطفل ضحية الطلق الناري من زملائه في كفر الشيخ    محافظ المنيا يوجه بتسريع وتيرة العمل في ملف التصالح وتقنين أراضي الدولة    البغدادي تستعرض مع وفد جمهورية تشيلي استراتيجية تمكين المرأة    بمشاركة حمدي فتحي.. الوكرة يسقط أمام أم صلال بكأس أمير قطر    بطل قصة حياتي.. روجينا تتغزل في زوجها أشرف زكي بحفل زفاف رنا رئيس    غدًا.. قصر ثقافة روض الفرج يشهد انطلاق الأسبوع ال38 لأطفال المحافظات الحدودية بمشروع «أهل مصر»    الفوضى تسبب لهم التوتر| 4 أبراج فلكية لديها شغف بالنظافة والترتيب    غموض موقف مدافع مانشستر يونايتد من لقاء بلباو    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    وزير الخارجية الألماني الجديد: على كل من في موسكو أن يعمل حسابا لنا    أول يوليو.. بدء التشغيل الفعلي لمنظومة التأمين الصحى الشامل بأسوان    أفضل من القهوة والشاي- 4 مشروبات صباحية تنقص الوزن    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    أوس أوس يطلب من جمهوره الدعاء لوالدته: «ادعوا لها تقوم بالسلامة»    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    «احنا رموز النادي بنتشتم».. نجم الزمالك السابق يكشف سر دعم شوبير ل أيمن الرمادي    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    هل يجوز أن أصلي الفريضة خلف شخص يصلي السنة؟.. المفتي السابق يوضح    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    بدء اجتماع "محلية النواب" لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    النائب سامي سوس: حريصون على تحقيق توازن عادل بين الملاك والمستأجرين بالإيجار القديم.. ولن نسمح بطرد أي مواطن    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    أحمد سليمان: ما حدث في أزمة القمة أساء لسمعة الكرة المصرية    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معتمر فى فضاء جدة !
يوميات الأخبار
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 11 - 2024

فلا تدرك أهى فطرة هناك أم روح سرت فيهم وفى أرضهم من جوار الحبيب وتمدد جسده الطاهر بين ظهرانيهم.
منتصف ليل الخميس يعلن أننا - مربوطين بأحزمة الأمان فى طائرة ليست مصرية - نشق الفضاء صوب مدينة جدة لتأدية مناسك العمرة. السفر ليلًا مزيج من متعة متابعة الأرض تتلألأ أضواؤها تعلن عن تواصل الحياة ليلًا ونهارًا، وبعض من الخوف كلما ارتقت الطائرة إلى أعلى مبتعدة شيئًا فشيئًا وتاركةً معالم أضواء الأرض بمدنها وأحيائها المضيئة تتلخص فى مشهد جمرات متقدة مستعرة فى قمة توهجها تومض بلا دخان.
المضيفتان تتوسطان الطائرة بعد استقرارها فى الفضاء تدفعان عربة عبارة عن منضدة صغيرة بين المقاعد لتوزيع علب من الطعام الخفيف، وقد كانت الشركة موفقة غاية التوفيق فى اختيار مسمى «تصبيرة» للوجبة شديدة التواضع ومعها «زجيجة» تصغير زجاجة ماء طبيعية لا تتعدى طول أصبع اليد، محتواها من الماء لا يتعدى جرعة واحدة لا تبل ريق عطشان، ناهيك عن أن تروى ظمأ راكب حتى لو كان طفلًا!
قلت فى داخلى: ما هذا البخل، أفى طريقنا لأكرم الأكرمين يحملنا أبخل البخلاء؟!.
وما لبثت الصورة أن اتضحت وطاقم الطائرة يعلن عن وجود كافيتيريا للمأكولات والمشروبات على متن الطائرة لمن يريد، وبالطبع لا تسل عن سعر كوب شاى أو فنجان قهوة أو حتى زجاجة ماء تحصل عليها من بوفيه الفضاء!.
الارتفاع الشاهق يشعر الناظر من نافذة «الطائرة الأتوبيس» بضآلة عالم الأرض ومعه يتجسد الشعور بشدة ضآلة الطائرة بمن فيها وأنها كمثل ورقة تتقاذفها نسمات هواء تلين حينًا فى سهول الفضاء فترفق بها، وتعصف حينًا فى مطباته فتثير رعب من فيها.
ويعلن طاقم الطائرة عن حلول ميقات الإحرام وقد كنا ارتدينا بالفعل ملابسه قبيل ركوب الطائرة من القاهرة العامرة.
الجمعة:
لو صبر الحاج
استقبلتنا تباشير صباح الجمعة فى جدة بعد ثلاث عشرة ساعة من وداع المنزل بالقاهرة وصولًا لباب فندق الإقامة. وبعد قسط من الراحة لم يتعد ساعاتٍ ثلاثًا ولقيمات مما تيسر كانت العمرة بالطواف والسعى، وتساؤل يتكرر كلما ذهبنا إلى المسعى وسعينا: كيف كانت أمنا المصرية «هاجر» قادرة على هذا السعى جيئة وذهابًا فى هذا القفر الموحش وقتها والعزلة بلا أناس ولا عمران ولا طريق ممهدة ولا بعض من ظل، كيف فعلتها وكيف نصاب بالإرهاق والإعياء ونحن بين عشرات الآلاف ونسعى فوق أرض ممهدة ببلاط مريح للقدم وتحت تكييف جبار وسط إضاءة مبهرة؟ ويبقى هذا النسك حتى قيام الساعة دليلًا على الإرادة واليقين وصدق الإيمان بأن الله لا يضيّع عبدًا صادقًا له ولو كان وحيدًا فى متاهة.
وبعد الفراغ من العمرة كان وقت التحلل من الإحرام، وفى مواجهة الفندق كان صالون حلاقة للرجال وجهتى للتحلل من الإحرام وتركت نفسى للشاب الثلاثينى الذى لم أستغرب ملامحه، لا عن سابق معرفة إنما عن حنين ملامح وأواصر قربى فى الوطن. نعم هو مصرى إذن يحمل مقصه، لم يخطئ حدسى من ابتسامة تكسو وجهه وبشر يغطى ملامحه وحلاوة روح تضفر كلماته وأنا أوصيه بحلاقة تناسب سنى وعمرتى، فإذا به يعاجلنى بلكنة دقهلاوية لا تخطئها الأذن: حبيبى يا حاج، لو صبر الحاج على الحلاق..!
أنت دقهلاوى بقى يا أسطى..
من شاوة يا حاج..
غريب أمر هذه الملامح وتقاسيمها وما يخرج من أفواه أصحابها مهما تباينت جغرافيتهم، فلابد لك أن تميزهم بين شتى الجنسيات فى تجمع كل العرب من شتى البلاد العربية.
الشاب خالد الدقهلاوى هو ذاته النسخة الأولى التى من صورها المتطابقة أحمد ابن التل الكبير وبلال ابن مدينة نصر وعلى ابن شربين ومصطفى ابن عين شمس ومحمود ابن قنا والأسمر المجهول الذى لم أعرف اسمه وهو يتوقف فى شوط من السعى ليشرب ماء زمزم ويسقى كل ساعٍ من المعتمرين، لا يتبرم ولا يتأفف بل يبقى مكانه لمساعدة من ينشد جرعات من الماء الذى روى عطش السيدة هاجر بعدما تفجر من تحت قدميها مكافأة من الله لصبرها وإيمانها.
السبت:
قشعريرة!
ساعتان وربع قطعناها للوصول بقطار الحرمين السريع من مكة إلى المدينة المنورة، وليس من الممكن أو السهل أن توصف مشاعر الذاهب إلى هناك وهو يخطو خطواته الأولى إلى داخل الحرم، ناهيك عمن تسعده ظروفه بدخول الروضة الشريفة. كل ما أتذكره من مشاعر مادية وأنا أقطع الخطوة الأولى بمرافقة زوجتى ومرافقنا ابن العم محمود قاطن المدينة جزاه الله خيرًا كل ما أتذكره قشعريرة سرت فى جسدى وكأن ما تبقى من شعر رأسى وكل جسدى قد استقام على أخمص قدمى، أو لعله استقام على وسادة هوائية فوق الأرض لا أراها ولا ألمسها.. حتى كانت لحظات الروضة الشريفة كفقاعة حريرية حملت كل جسدى طائرًا فى سماء المشهد العظيم أتلمس مشاهده صلى الله عليه وسلم فى هذه المدينة الرائعة ذات المشاعر المختلفة تمام الاختلاف عن أى بقعة أخرى، مشاعر تلمحها على وجوه الناس هناك فى الحرم النبوى وفى أرجاء المدينة فلا تدرك أهى فطرة هناك أم روح سرت فيهم وفى أرضهم من جوار الحبيب وتمدد جسده الطاهر بين ظهرانيهم؟.
الثلاثاء:
رحلة العودة!
كانت رحلة العودة على شركة طيران خاصة أخرى لكنها هذه المرة مصرية، أصدقكم القول إنه قد ساورنى شعور مزيج بين قليل من الخوف من إمكانيات الطائرة وكثير من الراحة لأنها تتبع إدارة بشرية مصرية. وفجأة بعد ما يقارب عشر دقائق من الحركة على أرض المطار استعدادًا لأخذ الإذن بالانطلاق فى الفضاء توقفت الطائرة، ورغم القلق الذى ساد الجميع إلا أن ركابها من معتمرين وغير معتمرين كانوا جميعًا مصريين. كل هذا الجمع الذى يقارب الثلاثمائة راكب شمروا عن ساعد مصريتهم وخرجوا بأنفسهم من شعور القلق واستخدموا سلاحهم المصرى الخالص مؤكد المفعول؛ سلاح النكتة التلقائية.. كل ذلك والشقيق السعودى يستشعر الذهول من هؤلاء القوم وما فعلوه بدقائق الانتظار التى تحولت تمامًا من القلق إلى ضحكات متبادلة قلبت التكشيرة إلى ابتسامات اتسعت وصارت قهقهات وأزيز الطائرة يعلو ثانية وهى تنطلق فوق أرض المدرج ثم تعلو فى السماء، وكأن قائد الطائرة كان يراقب ما يجرى بين ركابه فراح يعلن عن قدراته ومهاراته وهو ينهب المسافات ويرتفع فى السماء بقوة ليعوض دقائق الوقوف بالمدرج وتنفرج الأسارير بعد فك أحزمة الأمان ومرور المضيفتين غير العربيتين بين الركاب بالعربة الصغيرة والوجبات الصغيرة أيضًا لكن بتنوع فى التفاصيل وبزجاجات مياه تبعتها عروض أخرى لمن يحتاج ماءً أكثر!
سبحان الله فكما يقولون «الناس على دين ملوكهم» فقد بدت المضيفتان الأوربيتان وكأنهما اكتسبتا من قائدهما المصرى روحه وابتسامته ومن زميلهما المضيف المصرى بساطته اللذيذة وتعاونه وهو معهما يحملون بعض أغراض المسافرين ليضعوها فوق مقاعدهم.
هؤلاء المصريون قمحيو البشرة ضاحكو الملامح مطلقو النكتة فى وقت الأزمات هم ملح الأرض هنا وهناك، يسعون إلى هناك حجاجًا أو معتمرين أو سائحين أو عاملين فينشرون حيثما حطّوا روحًا متفردة يأخذ منها الغير ولا يأخذون من الغير إلا جزاء ما عملته أيديهم، محتفظين هنا وهناك بصميم تكوينهم جيناتهم وبصمتهم الوراثية الفريدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.