سببت واقعة طلاء «أسود قصر النيل» جدلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعى. حالة الجدل الأخيرة دفعت نقابة الفنانين التشكيليين لإصدار بيان صحفى تؤكد فيه تخوفها من أعمال الصيانة التى جرت على التمثالين. واتهمت النقابة وزارة الآثار بطلاء ودهان التماثيل البرونزية باستخدام «الرولة»، وهو ما اعتبرته خطأ كبيرًا يخالف القواعد العلمية والفنية لأعمال الصيانة. وأشارت النقابة إلى أنه نتيجة لهذه الأخطاء فقد فقدت التماثيل البرونزية قيمتها خصوصًا بعد طمس طبقة (الباتينا)؛ أى اللون الأصلى لخامة البرونز. واعتبرت النقابة فى بيانها أن صيانة التماثيل التاريخية تتطلب أعمالًا أكثر دقة، إذ أن استخدام «الورنيش» والمواد المُلمعة فى عملية التنظيف قد أفسد العمل على المستوى البصرى والتقنى. وبيان نقابة التشكيليين دفع وزارة الآثارأيضًا للرد من خلال بيان رسمى قالت فيه إن تماثيل قصر النيل ليست مسجلة فى عداد الآثار (أعلنت الوزارة فى عام 2016 تسجيل التمثالين بقرار من اللجنة الدائمة) واعتبرت الوزارة أيضًا أن ما تم تداوله عارٍ تمامًا من الصحة، وأن أعمال التنظيف والصيانة التى يقوم المجلس الأعلى للآثار تأتى فى إطار التعاون مع محافظة القاهرة ورغبتها فى الاستعانة بالخبرات الموجودة بالمجلس فى مجال الترميم لتنظيف وصيانة التماثيل الموجودة بالميادين والحدائق العامة بالمحافظة، بهدف إظهار الميادين بالشكل اللائق وإضفاء الشكل الحضارى والجمالى عليها. وأضاف البيان أن أعمال تنظيف التماثيل اقتصرت على إزالة الأتربة والاتساخات الملتصقة وغازات التلوث الجوى، بالإضافة لوضع طبقة عزل شفافة لحماية التماثيل من العوامل الجوية مثل أشعة الشمس، والأتربة والهواء ومياه الأمطار، كما نفت الوزارة استعمالها الورنيش أو أى مواد ملونة أو ملمعة قد تؤدى لتغيير لون التماثيل. وعن الواقعة الأخيرة تحدث الدكتور محمد غنيم أستاذ ترميم وصيانة الآثار بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا ل«أخبار الأدب» قائلاً: «عادة ما تتعرض تماثيل الميادين العامة داخل المدن الكبرى لحالات تلوث عالية تختلف عن تلك الموجودة داخل المدن الصغيرة. لكن بالنسبة لحالة تمثالى قصر النيل فهى تتعرض لملوثات عديدة فضلًا عن تأثير بخار الماء الناتج عن نهر النيل، وبالتالى وجودهما داخل بيئة رطبة يؤثر عليهما بشكل كبير. كما أن هذه الملوثات تتفاعل فى وجود الرطوبة، وتؤثر بشكل خطير على سطح الأثر المعدنى، وبالتالى فهى عرضة لتكوين مُركبات الصدأ على أسطح التماثيل، والتى تتفاوت ألوانها بين اللون الأخضر والبنى بدرجاتهما». وأضاف: «وجود التماثيل داخل بيئة مفتوحة يدفع الناس للكتابة عليها وتشويهها بشكل متعمد، بالإضافة إلى تراكم الغبار والاتساخات بصورة مستمرة. وجميع هذه الأمور تؤدى فى النهاية لتلف هذه النوعية من التماثيل». وعن حلول التعامل مع التماثيل يقول: «هناك آلية معروفة لمعالجة التماثيل بشكل صحيح خاصة المعدنية منها. وهى خطوات تبدأ بتنظيف وإزالة الاتساخات والأتربة باستخدام التنظيف الميكانيكى واليدوى. وإذا لم تفلح المحاولات يتم اللجوء للأساليب الكيميائية البسيطة ذات المركزات القلوية الضعيفة، وإن لم تفلح أيضًا المحاولة ففى هذه الحالة نلجأ للمحاليل والأحماض العضوية المسموح باستخدامها عند التعامل مع الآثار. وعقب هذه المرحلة نلجأ لمرحلة أخيرة وهى مرحلة «الطلاء الواقى» والهدف منها توفير الحماية المستقبلية للتماثيل، إذ يتم استخدام بعض المواد الكميائية المعروفة، والشفافة، ولا بد هنا من توافر العديد من الشروط. وهذه الشروط هى ما سبَّبت الجدل الذى حدث مؤخرًا بشأن التماثيل. وكمتخصص ومن خلال متابعة الصور المتداولة أرى أن هناك لمعة غير عادية فى التعامل مع التماثيل. لأنه من ضمن شروط الطلاء الواقى أن يكون شفافًا غير معتم؛ أى من الضرورى ألا يضفى تغييرًا على الألوان الأصلية الموجودة على سطح التمثال. ومن المهم أيضًا استخدام مواد جيدة لا تؤثر على طبقة الطلاء الواقى لأن استخدام مواد غير جيدة سيؤدى لتغيير لون الطبقة واللون الأصلى مع مرور الوقت». وتابع: «من الممكن إضافة طبقة أخرى وهى «مانع الصدأ» خلال عملية الطلاء الواقى وهى تهدف لحماية جسم الأثر بشكل أكبر، مع إضافة مادة شمعية على طبقة الطلاء الواقى ووظيفتها عزل وصول بخار الماء، والأمطار للسطح الأصلى للأثر. لذلك أرى من خلال تحليل للصور المتداولة أن مرممى المجلس الأعلى للآثار ربما استخدموا غطاء واقياً بدرجة تركيز عالية نسبيًا. أو بدلًا من استخدام طبقة واحدة ربما استخدموا طبقة ثانية