لا شك أن بر الوالدين وطاعتهما فى المعروف من أوجب الواجبات وأعظم الحقوق بعد حق الله سبحانه وتعالى، والإسلام جعل للوالدين حقوقاً يحرم تضييعها والتفريط فيها، كما كفل للزوجة حقوقاً يجب على الزوج الوفاء بها، ومن المعروف أنه ينشأ أحياناً بين الزوجة وأهل زوجها شيء من الغيرة فيظن أهل الزوج أن الزوجة قد أخذت ابنهم منهم، وتظن الزوجة أن الزوج يميل إلى أهله ويفضلهم عليها، والزوج له دور كبير فى التوازن فى العلاقة بين زوجته وأهله، فحق الأهل على الزوج البر والصلة، والمعاملة الكريمة، والنفقة على الوالدين إذا كانا فى حاجة للمال. وحق الزوجة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن ينفق عليها وعلى أولاده وأن يوفر لها حياة هادئة بعيدة عن المنغصات، وحقها أيضاً أن يحفظ لها كرامتها وأسرارها، وألا يسمح لأحد أن يتدخل فى أمورها بما يجلب الشقاق، ولكن يخلط البعض بين بر الوالدين وحقوق الزوجة فما هى حدود بر الوالدين؟ وهل الإسلام يسمح بالتعدى على الزوجة واهانتها لأجل إرضاء الأم؟ وهل تعتبر الطاعة المطلقة للوالدين من البر أساسا؟ وقد تلقت «اللواء الاسلامى» عدة شكاوى من بعض الزوجات فى الظلم اللاتى يتعرضن له من قبل أهل الزوج. اقرأ أيضًا | هل طبقوا شعار «الإسلام هو الحل» فى بيوتهم؟! الزواج من إخوانى.. كارثة مؤكدة تقول سيدة محمد زوجى متعلق جداً بأمه ومنذ أن تزوجنا فى شقة فى بيت أهله ونحن نقيم عندها ولا نطلع شقتنا إلا على النوم واضطر لخدمة والدته واخوته الثلاثة الذكور، ودائما أمه تنتقدنى وتشكونى لزوجى إذا جلست لأستريح أو اهتممت بنفسى والآن انا حامل ولا أستطيع مواصلة الخدمة، وعندما طلبت من زوجى الالتزام بمتطلباته وخدمة بيتى فقط أصبح يتصنع معى المشاكل ويكشر طوال الوقت فى وجهى ويهجرنى بالأسابيع ويقيم فى شقة والدته واتهمنى بأننى لا أعينه على بر أهله، وأنا أصبر حتى يستمر زواجى لكن أنا تعبت وأفكر فى أن أنفصل عنه فهل أنا مخطئة؟ وهل فعل زوجى هذا يعتبر من البر؟ وترى عليه فتحى أن ام زوجها امرأة متسلطة وشديدة الدهاء قائلة حاولت كسبها وإرضائها بكل السبل ولم استطع، دائمة التدخل فى حياتنا، فهى التى تأخذ جميع القرارات بدلا من زوجى، فمثلا أصرت على اختيار اسماء قديمة لأولادى حتى مدارسهم وملابسهم وكل شىء، وأيضا لا أستطيع زيارة اهلى الا بعد موافقتها، واذا خالفها ابنها تقول إنه لن يرى ريح الجنة إذا لم ينفذ طلباتها، وغالبا تتعمد أن تكون أوامرها ضد كل رغباتى فهى تريد السيطرة الكاملة، وفوق هذا وذاك تريد قتلى معنويا بالسخرية المتكررة مني، وتشويهى أمام زوجى وقلب الحقائق دوما، وأسلوب استقطاب ابنها ليقوم بنهرى وإحراجى واهانتى وإلا لن يدخل الجنة التى تحت أقدامها على حد قولها، ولكن هل يجوز إرضاء زوجى لأمه على حساب ظلمه لى ولأولادى وإصابتنا بضرر بالغ. وهل توجد أفعال أخرى للبر بدلاً من السمع والطاعة؟ وهل تعتبر الطاعة المطلقة للوالدين من البر أساسا؟ وتحكي فاتن شكرى قائلة زوجى مسافر للخارج وأنا أقيم فى بيت أسرته ويرسل الأموال لوالده شهريا وليس لى الحق فى طلب اى شىء منها، ودائما والده يردد يكفينى انى بأكل واشرب، بل وأخذ مدخرات زوجى واشترى بها شقة مصيفية باسمه، وفى الاصل كان الهدف من سفر زوجى الادخار لشراء شقة تمليك لنا بدلا من شقتنا الإيجار الجديد التى تركتها بمجرد سفر زوجى، وعندما عاتبت زوجى قال لى الحديث النبوى أنت ومالك لأبيك وأنا أشعر انى سأظل خادمة طوال عمرى فى مقابل لقمتى دون أى حقوق فماذا افعل؟ وتشكو كريمة عوض قائلة أم زوجى تدخل منزلى أنا وزوجى دون استئذان، ومعها مفتاح لمنزلنا، بل وتأخذ اى شىء تريده سواء طعام أو ملابس لها ولبناتها وزوجى لا يعترض أبدا على ذلك مرددا إنها والدته، ويجب عليه برها، وكذلك تتدخل فى شؤون حياتنا، وتنام بالأيام عندنا، وأنا لا أستطيع أخذ راحتى بمنزلي، وعندما أتكلم مع زوجى بشأن الموضوع يغضب، ويصر على رأيه فما هى حدود بر الوالدين؟ وهل الإسلام يسمح بالتعدى على ممتلكات الزوجة لأجل إرضاء الأم؟ فى البداية يقول الدكتور عبد الفتاح العوارى العميد الأسبق لكلية اصول الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية انه لا يوجد تعارض بين بر الوالدين وحقوق الزوجة ولا يلزم الابن ان يسىء معاملة زوجته ليكون بارا بوالديه بل جعل الشرع حقوق الزوجة والانفاق عليها وعلى ابنائه ورعايتهم حقا اصيلا لهم، ولو قصر الزوج فى حقوقهم يعتبر اثما ويعاقب على ذلك، ولا يجوز للزوج الانفاق على الوالدينإذا كانا لديهما املاك أو معاش يكفيهما، ولا تلزم الزوجة بخدمة والديه ولكن إذا قامت بمساعدة أهل الزوج ارضاء لزوجها يكون ذلك من باب الفضل والاحسان، كما لا يجوز لأم الزوج أن تدخل بيت ابنها دون استئذان أو تأخذ منه اى شىء ولكن يمكنها أن تحل ضيفة كريمة دون تعدى على حقوق الزوجة. الفهم الخاطىء ويضيف الدكتور عبد الفتاح أن ما تقوله الام لولدها على سبيل التخويف والارهاب من غضب الله وضرورة ايذاء الزوجة واهانتها لنيل رضاها ودخول الجنة فليس من الدين فى شىء، والضرر وايذاء الزوجة نفسيا وبدنيا لا يرضى الله سبحانه وتعالى بل معصية وذنب عظيم مشيرا الى أن إيذاء الزوج لزوجته طاعة لوالديه من الخطأ الشديد الذى يجب أن ينتبه له الشباب، فالزوج يجب عليه أن يطيع والديه، لكن لزوجته أيضًا حقوقا لا يجب الاعتداء عليها، فإيذاؤها واهانتها حرام وتعدٍّ على حقوقها، وطاعة الوالدين وبرهما مشروطة فى الشرع بأن تكون فى غير معصية، قال تعالى: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا» ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، إذاً الإضرار بالزوجة معصية، وإهانتها إرضاء لوالديه جريمة ترتكب باسم الفهم الخاطئ لمفهوم بر الوالدين، لأن للزوجة حقوقا، ولا تضارب بين بر الوالدين وحقوق الزوجة فى الإسلام. بيت مستقل وترى الدكتورة سعاد صالح استاذ الفقه المقارن بجامعة القاهرة ان ربنا أمرنا ببر الوالدين وطاعتهما ونهى عن عقوق الوالدين، ولكن ليس كل ما يطلبه الابوين واجب التنفيذ خاصة إذا كان فيه ضرر للزوجة، واذا اطاعهما الابن وأذى زوجته يعتبر عاصيا لله وعليه اثم وذنب كبير، فالجمع بين الأبوين والزوجة فى مسكن واحد لا يجوز، وليس لأحد اجبارها على ذلك، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة . ولا مانع من العيش فى بيت مستقل، ولا يلزمه طاعة والديه فى هذا، لأن والديه لم ينظرا إلى حاله، ولم يرحما حاله، ولم يقدرا ظروفه وتضيف د سعاد صالح انه لا يلزم الأبناء أن يعطوا رواتبهم لآبائهم ، إنما يعطى من الفضل؛ وعليه ان يبدأ بنفسه ثم من يعول ويشمل ذلك زوجته وأولاده، فإذا بقى شيئًا وأعطى والده فلا بأس، أما إن كان والده فقيرًا فعليه أن ينفق عليه، أما أن يعطى والده وهو غير محتاج ويحرم اهل بيته ويضيع من يعول فهذا ذنب عظيم، ولهذا يقول: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول» لا للهجر واستنكر الشيخ محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء أن يهجر الزوج زوجته أو يعلق الزوج المعاملة الحسنة لها على خدمة الزوجة لأهله أو زيارتهم فهذا خطأ لا يجوز، لأنه ليس أمرًا مفروضًا على الزوجة، وإنما هو من قبيل الفضل والاحسان، فإن قامت به الزوجة فلها الأجر والثواب وإن لم تقم به فلا وزر عليها، مؤكدًا أنه ليس من حقه أن يشترط عليها مثل هذا الشرط. ويقول الشيخ، عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية بأنه يجب على الزوج أن يكون صاحب شخصية مستقلة ولا أحد يؤثر عليه، ولا يكون «ودنى» لأن هذا الأمر يخرب البيوت، ونصح أمين الفتوى بعدم السماع للقيل والقال، وعلى الزوج أن يتكلم مع أهله فى أمور تخصهم فقط دون التدخل فى شؤون حياته الزوجية، خاصة أن أمور الزوجة شرعا تكون تحت رعاية الزوج وليس أهله. وفى النهاية لابد أن يوازن الزوج بين بر الوالدين وحقوق الزوجة ولا يظلم احدهم ارضاء لآخر وان يعطى كل ذى حق حقه.