عادت تماثيل أسود قصر النيل الشهيرة لتتصدر حديث المصريين خلال الساعات الماضية، إثر تباين الآراء حول الطريقة التي تمت بها أعمال صيانتها. هذه التماثيل البرونزية العريقة، التي تزين كوبري قصر النيل منذ أواخر القرن التاسع عشر، كانت شاهدة على تغيرات القاهرة عبر الزمن. لكن، صيانة هذه التماثيل، التي شملت طلاءها بطرق وُصفت بغير الاحترافية، أثارت انتقادات واسعة من قِبل المهتمين بالتراث والفنانين التشكيليين الذين رأوا أن الطلاء الجديد يشكل طمسا لجماليتها الأصلية وتاريخها العريق. ◄ رمز العاصمة المصرية تعتبر أسود قصر النيل من أهم الرموز التراثية التي تعبر عن عمق التاريخ المصري، وتمثل أحد المعالم الأيقونية لمدينة القاهرة. تعود قصة هذه التماثيل إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث أمر الخديوي إسماعيل بتشييد كوبري قصر النيل ليكون أول جسر يمر فوق النيل في مصر، وربما كان بذلك يهدف إلى دمج لمسات الحضارة الحديثة مع الجمال الفني القديم. لتزيين الكوبري، قام الفرنسي الشهير هنري جاكمار بنحت تماثيل الأسود الأربعة، التي وُضعت على مدخلي الجسر لتستقبل المارة بأناقتها. ◄ صيانة مثيرة للجدل أثارت أعمال الصيانة التي أجريت على تماثيل أسود قصر النيل حفيظة العديد من المهتمين بالتراث، حيث تم طلاء التماثيل بطريقة وُصفت بأنها "غير مهنية". استخدمت "الرولة" في عملية الطلاء، وهو ما اعتبرته نقابة الفنانين التشكيليين خطأً كبيراً. وقد أصدرت النقابة بياناً عبرت فيه عن مخاوفها من أن هذه الطريقة تضر بالقيمة الفنية للتماثيل، مشيرة إلى أن صيانة التماثيل البرونزية تتطلب تقنيات خاصة لا تؤثر على خامة البرونز الأصلية. ◄ رد الجهات المسؤولة استجابة لهذه الانتقادات، أكد رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، جمال مصطفى، أن عمليات التنظيف تتم بحرص شديد ووفق تقنيات دقيقة تشمل استخدام صابون معالج يتناسب مع مادة البرونز. كما تمت دعوة نقيب الفنانين التشكيليين، طارق الكومي، لعقد اجتماع لمناقشة المواد المستخدمة وتفادي أية تأثيرات سلبية على التماثيل. اقرأ أيضا| «الصيانة بأسلوب علمي».. الأثار تكشف تفاصيل جديدة في أزمة طلاء أسدين قصر النيل تتطلب أعمال الصيانة الدقيقة على التماثيل التاريخية اتباع قواعد علمية للحفاظ على المظهر الخارجي دون الإضرار بالخامات. وأكدت نقابة الفنانين التشكيليين على ضرورة الابتعاد عن استخدام المواد الملمعة والدهانات العشوائية، إذ أن ذلك يؤدي إلى طمس الباتينا الطبيعية للتماثيل، وهي الطبقة التي تعطيها رونقها التاريخي. يُعد الترميم الخاطئ بمثابة "إفساد بصري وتقني"، خاصة أن أسود قصر النيل لا تندرج ضمن الآثار المسجلة، بل تُعتبر تراثاً تاريخياً. ◄ رمزية أسود قصر النيل عبر الزمن على مدى العقود الماضية، أصبحت تماثيل أسود قصر النيل رمزاً لا يُمحى للعاصمة المصرية، وحافظت على وجودها في ذاكرة المصريين كجزء من جماليات مدينة القاهرة. تقع تماثيل الأسود على مدخلي الجسر التاريخي، مما يجعلها شاهدة على عبور مئات الآلاف من المواطنين والسائحين يومياً. تعتبر الأسود رموزاً للقوة والاستمرارية، وتُعد إحدى المعالم الأساسية التي يقصدها الزائرون للتمتع بجمالها والتقاط الصور معها. تم بناء كوبري قصر النيل خلال عهد الخديوي إسماعيل في عام 1871، وكان يمثل بداية حقبة جديدة في البنية التحتية المصرية، فقد كان أول جسر يعبر النيل ليربط ضفتيه في القاهرة. وقامت شركة فرنسية بتشييد الجسر باستخدام أفضل التقنيات حينها، مما ساهم في تعزيز الترابط بين مناطق القاهرة القديمة والحديثة. ◄ جدل على وسائل التواصل عبّر العديد من المواطنين عن استيائهم من الطريقة التي تم بها طلاء التماثيل، حيث وصف البعض العملية بأنها "تشويه" لتراثهم وتاريخهم. كما أطلق البعض على وسائل التواصل الاجتماعي حملات تطالب بإعادة التماثيل إلى مظهرها الأصلي واستعادة اللون البرونزي الأصلي. وانتقد آخرون استخدام مواد وطرق غير مناسبة للترميم، معبرين عن أملهم في تحسين أداء الجهات المعنية تجاه التراث الوطني. ◄ العودة إلى الأصل يمثل الجدل حول أسود قصر النيل فرصة للتفكير بعمق حول أهمية الحفاظ على التراث بطرق تحترم قيمته الفنية والتاريخية. وتضافرت جهود نقابة الفنانين التشكيليين مع وزارة السياحة والآثار، لإيجاد حلول مناسبة تتماشى مع القواعد العلمية والفنية لضمان إعادة التماثيل إلى رونقها الطبيعي. إن الترميم الدقيق والاهتمام بالتراث لا يُعد رفاهية، بل ضرورة ملحة لحماية تاريخنا المشترك، وضمان أن تبقى تماثيل أسود قصر النيل شاهدة على عظمة الماضي ومستقبلاً مشرقاً.