بعد الاغتيال ضلت إسرائيل الطريق إلى الرهائن ولم تعد تعرف أماكن إخفائهم ولا مع من تتحدث. فى الميثولوجيا الإغريقية يستخدم تعبير «صندوق باندورا» للدلالة على مصدر لمشاكل كبيرة وغير متوقعة، أو على «هدية تبدو ذات قيمة ولكنها فى الواقع لعنة». هكذا يبدو استهداف الاحتلال للشهيد يحيى السنوار. لقد ظنت إسرائيل أن اغتيال زعيم حماس والتخلص من السنوار يضمن فرصة ذهبية لاستئناف المفاوضات بشأن صفقة الرهائن المتوقفة منذ أغسطس الماضى باعتبار أنه كان العقبة الكؤود أمام إتمام هذه الصفقة. إلا أن واقع الحال يبين أن اغتيال السنوار لم يساعد فى تقدم المفاوضات، على العكس ظهرت لاغتياله تداعيات وبرزت بعده عدة عقبات من شأنها عرقلة الصفقة. لقد اكتشف الاحتلال أنه باغتيال السنوار قد فتح لنفسه صندوق باندورا على اتساعه، وكان مشهد اللحظات الأخيرة من حياته وهو يقاوم حتى النفس الأخير مرعبًا للإسرائيليين لدرجة أنهم حظروا إعادة بث فيديو اللحظات الأخيرة حتى لا تترسخ فى الذاكرة العالمية صورة المقاوم البطل ويحصد تعاطفًا قد يقلب الموازين. وجاءت الاستقالة المفاجئة للواء (احتياط) نيتسان ألون، الممثل الرئيسى للجيش الإسرائيلى فى المفاوضات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بسبب الجمود فى المفاوضات كواحدة من أهم تجليات عقبات ما بعد السنوار. كما أنه بعد الاغتيال ضلت إسرائيل الطريق إلى الرهائن ولم تعد تعرف أماكن إخفائهم ولا مع من تتحدث. وبحسب تقديرات الأجهزة الأمنية، فإن عدة جهات تحتجز الرهائن الإسرائيليين فى قطاع غزة. معظمهم محتجزون لدى منظمة حماس، وبعضهم لدى منظمة الجهاد الإسلامى، والبعض الآخر لدى منظمات صغيرة أو عشائر وعائلات إجرامية فى قطاع غزة. وتزعم مصادر فى قطاع غزة أنه خلال جزء من الوقت خلال الحرب، أحاط السنوار وعدد من كبار أعضاء الجناح العسكرى لحماس أنفسهم بمجموعة صغيرة من الرهائن الإسرائيليين كدرع بشرية لتأمين صفقة تبادل الأسرى فى نهاية المطاف مع إسرائيل. لكن بعد أن قتلت هذه الأخيرة فى الأنفاق أحمد الغندور قائد الفرقة الشمالية لحماس، وإيمان نوفل قائد الفرقة الوسطى اللذين قتل معهما الرهينتين الإسرائيليين، تقرر تفريق الرهائن الإسرائيليين وضمهم للقادة الميدانيين على مستوى أدنى من قادة الكتائب، وكان معظمهم فى الواقع قادة سرايا أو فرق فى الذراع العسكرية لحماس. وفى ظل ضبابية وضع خلافة السنوار فى الداخل، وعدم اليقين من احتمال مرونة شقيقه محمد السنوار المرشح لتولى القيادة من بعده، فضلًا عن قلة خبرته مقارنة بشقيقه الأكبر طرحت أفكار مختلفة فى الجهاز الأمنى للتغلب على هذه العقبة، فى محاولة الترويج لصفقة ومن بين الأفكار الجديدة المطروحة: منح العفو والحصانة لأى عنصر يكشف عن مكان تواجد المخطوفين، وكذلك إمكانية مغادرة قطاع غزة إلى الخارج بأمان ورشوته بمبلغ مالى كبير. كما تدرس المؤسسة الأمنية أيضاً إمكانية محاولة إجراء مفاوضات منفصلة مع بعض الجماعات التى تحتجز الرهائن مثل منظمة الجهاد الإسلامى، حركة المجاهدين أو العشائر فى قطاع غزة، وإن كانت احتمالات نجاح هذا المسعى ضعيفة. الموقف المعلن لقيادة حماس فى الخارج بعد أن أصبح خبر وفاة يحيى السنوار معروفاً هو أنها تعارض «الصفقة الصغيرة» وأنها تتمسك بالمبادئ التى وضعها يحيى السنوار للصفقة قبل وفاته، أى صفقة كاملة. وقف الحرب، والانسحاب الكامل لقوات جيش الدفاع الإسرائيلى من كامل قطاع غزة، وإطلاق سراح مئات الإرهابيين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية. السؤال الأول الذى يجب معرفته قبل استئناف المفاوضات هو من هو عنوان المفاوضات وما إذا كان يسيطر بالفعل على الرهائن ويمكنه إطلاق سراحهم إذا تم التوصل إلى اتفاق.