عشرة أيام حاسمة قبل انتخابات أمريكا التى يترقب العالم كله نتائجها، تقارب المواقف بين المرشحين الرئيسيين «هاريس وترامب» يضفى على المعركة الانتخابية أجواءً محمومة ويدفع الحزبين الجمهورى والديمقراطى إلى القتال على كل صوتٍ انتخابى، خاصة فى الولايات المتأرجحة التى ستحدد اسم الفائز فى هذه الانتخابات. كل الأسلحة مشروعة فى هذه الانتخابات، ما عدا الأسلحة التى قد تنفجر فى مجتمع منقسم ومع مناخ يدعو للحذر، ومخاوف من تكرار أحداث الانتخابات السابقة التى وصلت ذروتها باقتحام الكونجرس من أنصار ترامب، شبح العنف هذا العام يهدد بالأخطر، بعد محاولتين فاشلتين لاغتيال ترامب، تقبض الشرطة قبل يومين على مشتبه به بإطلاق الرصاص على أحد مقرات المرشحة، هاريس، فتجد فى سيارته سلاحًا وقنابل، ثم تفتش منزله فإذا به ترسانة أسلحة بها أكثر من 200 قطعة سلاح وكميات هائلة من القنابل والذخيرة والمتفجرات لتزداد المخاوف من عنفٍ ينفجر قبل أو بعد الانتخابات! سلاح آخر أصبح واضحًا أنه يهدد النظام السياسى بأكمله ويطرح التساؤلات عن «ديمقراطية» أمريكا، وهو سلاح المال السياسى الذى ضرب أرقامًا قياسية فى هذه الانتخابات ووصلت بعض ممارساته إلى حد تجاوز الحدود كما فعل الملياردير «ماسك» الذى انحاز كليةً إلى جانب «ترامب» وفتح له منصة «إكس» بكل إمكانياتها وتبرع لحملة الانتخابات بأكثر من 75 مليون دولار، ثم خَصَّص مليون دولار يوميًا لمن يتم اختياره «عشوائياً» من بين الأنصار الجُدد لترامب فى الولايات الحاسمة !!.. وهو ما أثار الشُبهات حول قانونية ما يفعله «ماسك» وحول تأثير المال السياسى على القرار فى دولة بحجم أمريكا.. والأمر هنا لا يقتصر على انتخابات الرئاسة، فقد تكون تحت الرقابة المشددة، لكنه يمتد إلى انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ والنواب وحكام الولايات وغيرهم من المناصب المهمة، وقد رأينا فى هذه الانتخابات كيف تم استخدام المال السياسى من اللوبى الصهيونى لإسقاط العديد من النواب المؤيدين للحق الفلسطينى فى الانتخابات التمهيدية داخل أحزابهم! ملف المال السياسى انفتح ولن يُغلق بسهولة، «ماسك» لا يلعب وحده، فهناك مَن يدفعون أكثر، ولكنه، فى هذه الانتخابات، يلعب على المكشوف ومعه ترامب الذى وعد بأن يجعله مسئولًا عن إعادة تنظيم الجهاز الحكومى وربما تفكيكه بقدر المستطاع لصالح الشركات الكبرى، وتلك قضية لن تمر بسهولة حتى فى أمريكا نفسها!!. وحتى مع «رئيس مُحتمل» لا يعرف إلا منطق «الصفقات» ولا يحب مؤسسات الدولة التى تراقب، وتحاسب، وتحاكم، وتطلب إقرارات الضرائب، وترفض استخدام أموال الحملات الانتخابية فى أنشطة غير مشروعة كما فعل ترامب نفسه فى قضايا تنتظر صدور الأحكام بعد أن ثبتت الإدانة! وسط كل ذلك، وقف ترامب مزهوًا يفتخر بأن مجرم الحرب نتنياهو يتحدث معه هاتفيًا فى اتصال شبه يومي!! ولا مفاجآت فى الأمر، فمجرم الحرب يراهن على نجاح ترامب، ويبدو أن ترامب فى حاجة للمزيد من دعم اللوبى الصهيونى، رغم إن الصوت العربى والإسلامى قد يكون حاسمًا فى نتائج ولايات مثل ميتشجان. قد تحدد نتائجها الفائز فى هذه الانتخابات!! وطبيعى أن يراهن نتنياهو على ترامب.. ليس فقط بسبب ما قدمه لإسرائيل فى ولايته الأولى حين نقل السفارة الامريكية للقدس، وبدأ مخطط تصفية القضية الفلسطينية مع «صفقة القرن» و»السلام الإبراهيمي» ولكن ما يعد به الآن، ترامب أخطر.. يرى مساحة إسرائيل صغيرة على الخريطة ويريد توسيعها!! ويرى أن الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل تمهد له الطريق إلى التطبيع المجانى مع 12 إلى 15 دولة عربية وإسلامية !!. ومع ذلك يبقى الأمر الأساسى هو أن هذه الانتخابات الأمريكية تشهد للمرة الأولى، أن علاقة أمريكا بإسرائيل قد أصبحت محل تساؤل!! وأن أجيالاً جديدة أصبحت قادرة على إدانة النازية الصهيونية وجرائمها، وأن ترفع أعلام فلسطين فى أكبر جامعات أمريكا والعالم، وأن تدين دعم بلادها للعدوان الهمجى الذى تشنه إسرائيل فى فلسطين ولبنان، وأن تطالب المرشحة «هاريس» بموقف أكثر حسمًا فى مواجهة ذلك، والمهم أن العلاقة مع الكيان الصهيونى لم تعد خارج النقاش، ولم يعد الانحياز لها قضية مسلمًا بها، ويتبقى هنا فارق أساسى، قد يكون حاسمًا فى 5 نوفمبر، وهو أن فى الحزب الديمقراطى جناحًا مهمًا يطالب «هاريس» بموقف أفضل من أجل فلسطين، وفى الحزب الجمهورى لا يوجد إلا مَن يريد انحيازًا أكثر من انحياز ترامب لصفقاته المشبوهة وتطبيعه المجانى وسلامه الإبراهيمي!