في ظل التطور السريع للذكاء الإصطناعي، بدأت تبرز تقنيات جديدة تعيد تشكيل عالم الفن والموسيقى، ومن بين هذه الابتكارات المثيرة للجدل فكرة بيع المطربين لبصمة صوتهم ليتم إستخدامها بعد وفاتهم, ويرى بعض الفنانين في هذا الإجراء فرصة لضمان إستمرارهم الفني إلى الأبد، وإرثا يترك لأبنائهم.. ومن ناحية أخرى، يعبر النقاد عن مخاوفهم تجاه هذا الاتجاه، محذرين من أن هذه الخطوة قد تفرغ الفن من عاطفته الحقيقية، وتفتح الباب أمام استغلال أصوات الفنانين بطرق قد تكون بعيدة عن روحهم وقيمهم الأصلية.. أثارت تصريحات الفنان حميد الشاعري حالة من الجدل بعد إعلانه عن تعاقده مع إحدى الشركات في مجال الذكاء الإصطناعي "AI"، لاستخدام بصمة صوته بعد وفاته، والتي قال عنها خلال حواره في بودكاست "حوارات مع عباس" من تقديم عباس أبو الحسن: "الذكاء الإصطناعي عظيم, وبعت حق بصمة صوتي كورث لأولادي لاستخدامها بعد وفاتي", وكشف حميد عن مفاجأة أخرى، حيث أعلن أن المطرب محمد حماقي باع بصمة صوته أيضا، والذي قرر أن يستنسخ صوته، إذ تعاقد مع إحدى الشركات العاملة في مجال الذكاء الإصطناعي لاستخدام صوته بعد وفاته لإنتاج أغنيات جديدة. اقرأ أيضا: كيف ساعد الذكاء الاصطناعي في سطوع دراما رمضان 2024 لكن النقاد وصناع الموسيقى كان لديهم رأي مختلف في هذا السياق, حيث رفض الموسيقار صلاح الشرنوبي فكرة بيع المطربين بصمة أصواتهم لشركات الذكاء الإصطناعي لاستخدامها بعد وفاتهم, وأكد أنه يعارض بشدة أي شكل من أشكال التقمص، سواء بإستخدام الذكاء الإصطناعي أو غيره, ويقول: "الطريقة الأنسب لإعادة إحياء أصوات الفنانين الراحلين تأتي عبر تقنية (هولوجرام)، التي تقدم الصوت والشكل بصورة قريبة من الواقع دون تلاعب, فالرموز الفنية تشكل ثروة ثقافية وذخيرة فنية للوطن العربي ويجب الحفاظ عليها، والتدخل في الصوت أو الصورة غير مستحب وغير مقبول, فما القيمة والجدوى الفنية التي ستعود على الفنان الذي يبيع حق استخدام صوته بعد وفاته، فالفنان الذي يمتلك تاريخ كبير، فإن أعماله ستظل خالدة حتى بعد رحيله دون الحاجة إلى أي تلاعب فيها, وأرى أن الإرث الفني للفنان يجب أن يحترم كما هو، دون تدخل تقني قد يشوه أصالته". ويتابع: "استخدام الذكاء الإصطناعي في محاكاة أصوات الفنانين الراحلين لن يكون له تأثير قوي، لأن الأعمال التي تظل ناجحة وخالدة في ذاكرة الجمهور هي تلك التي تحمل روح الفنان الحقيقية, حتى إذا كان هناك شاعر أو ملحن راحل، فإن إعادة تحريك أعمالهم بعد رحيلهم نادرا ما تنجح، لأن الروح الحقيقية للفنان تكون موجودة في العمل الأصلي ومحاولات محاكاة الأصوات بالذكاء الإصطناعي تفتقر إلى الإحساس والمشاعر الإنسانية التي تشكل أساس نجاح المطربينوأعرب الشرنوبي عن استنكاره التام لتصريحات الشاعري وحماقي، وكذلك التجارب السابقة لعمرو مصطفى في مجال الذكاء الإصطناعي، مؤكدا أنه يرى هذه المحاولات غير مفيدة ولا تخدم الفن بشكل حقيقي. ويضيف الشرنوبي: "في عصر التكنولوجيا والتقنيات الجديدة، أرى ضرورة تحديث قوانين حماية الملكية الفكرية بما يتواءم مع التقنيات الحديثة لحماية المطربين, وللآسف القانون الحالي يعاني من عوار، بما في ذلك مادة ملغاة تعيق جمعية المؤلفين والملحنين عن حماية حقوق المصنفات، فهناك الكثير من القوانين والبنود يجب أن تعدل، خاصة المتعلقة بالتقنيات المستحدثة، مثل الذكاء الإصطناعي والهولوجرام، لضمان توافقها مع التطورات التكنولوجية المستقبلية". الشاعر أحمد حسن راؤول يقول عن تجربة حماقي والشاعري: "الفكرة موجودة عالميا، لكن لدي تحفظات على استخدامات الذكاء الإصطناعي، لأنه لن يتمكن من الوصول إلى إحساس المطرب, وعندما نرغب كشعراء وملحنين في الاستماع إلى أغنية بصوت مطرب معين، نقوم بتحويلها إلى الذكاء الإصطناعي ونرسلها له ليستمع إليها، لكننا لن نستطيع استنساخ إحساسه.. وأعتقد أن المطربين يتجهون إلى هذه الخطوة كنوع من الاستثمار لأبنائهم، حيث تصبح أعمالهم بعد وفاتهم رأس المال الذي يستفيد منه الورثة من خلال حقوق الأداء العلني أو بيع الصوت، مما يتيح لهم تحقيق مكاسب مالية تستفيد منها الأسرة". ويضيف: "لكن هذه التجارب لن تتمكن من تحقيق النجاح المطلوب، فهناك بعض المطربين الذين لم يعد لديهم صدى في الزمن الحالي يعانون من عدم النجاح حتى في أعمالهم الجديدة, وهي طبيعة الحياة فلكل زمن لونه الموسيقي ونجومه, ومن غير المجدي مخاطبة جيل جديد بأصوات لمطربين رحلوا، وبأصوات غير حقيقية من خلال آلة, لذا، لا أتوقع أن تحقق هذه التجارب النجاح فهي مجرد استثمار من قبل مطرب ناجح حاليا يسعى لبيع صوته قبل أن يختفي اسمه". ويؤكد الناقد الموسيقي محمد دياب على خطورة هذا الموضوع، قائلا: "من المفترض أن يكون المطرب أكثر حرصا على عدم استغلال صوته بعد وفاته، لأن وقتها إرادته ستكون منتفية, ومن الممكن جدا أن يستخدم صوته بطريقة يرفضها المطرب أثناء حياته، وفي هذه الحالة لن يتمكن الورثة من الاعتراض، لوجود تنازل من المطرب نفسه, واستخدام الذكاء الإصطناعي لإعادة إنتاج صوت الفنانين قد يفقد العمل الفني جانبه الإنساني الأصيل, ورغم القدرة التقنية الكبيرة، إلا أن ال(AI) لا يمكنه محاكاة الإحساس والتعبير الفني الذي ينبع من التجربة الشخصية للفنان، وحتى الآن، لم يتمكن من الوصول إلى بصمة الصوت الحقيقية لأي مطرب, وتشير محاولات استغلال صوت أم كلثوم من خلال الذكاء الإصطناعي إلى فشل التقنية في القدرة على محاكاة الصوت الحقيقي، تلك المحاولات تم التصدي لها من قبل الورثة والشركة المنتجة، حيث لم يكن المنتج النهائي له أي صلة بصوتها الحقيقي, وينطبق الأمر ذاته على فيروز، حيث لم يتمكنوا من استنساخ صوتها الحقيقي، إذ يظل الذكاء الإصطناعي مجرد آلة تفتقر إلى المشاعر. ويتابع: "مع احترامي للأسماء المطروحة، أعتقد أنه لو عرض على السيدة فيروز أو نجاة الصغيرة أي مبالغ طائلة، فمن المستحيل أن يوافقوا، حفاظًا على تاريخهم وإرثهم الفني, وأرى أن الدافع وراء تنفيذ هذه الخطوة من قبل البعض قد يكون مرتبطًا بمرورهم بضائقة مالية مع تراجع الأضواء عليهم، أو أنهم لا يمتلكون إرثا فنيا حقيقيا يخافون عليه، مما يجعلها نوعا من الاستثمار.. ومن قال أن صوت الشاعري وغيره سيكون مطلوبا بعد 30 عاما؟, لماذا نضع هذه الفرضية في الحسبان، والمستقبل أمر غير معلوم؟, نحن نعيش في عصر إستهلاكي نمطي، حيث يبحث الجمهور عما هو متاح أمامه لتلبية رغباته دون الإلتفات إلى الماضي, وكما أشار أحد المطربين سابقا إلى أن الأغنيات تشبه (العلكة)، فعندما ينتهي طعم السكر يبصقها, وما زلنا نتبع هذا النمط، باحثين عن كل ما هو جديد".