في تطور لافت للأنظار، بدأت كندا، الدولة المعروفة تاريخياً بسياساتها المنفتحة تجاه الهجرة، في اتخاذ خطوات ملموسة للحد من تدفق الأجانب إلى أراضيها، وهذا التحول الجذري في السياسة يأتي وسط تزايد المشاعر المناهضة للهجرة في البلاد، مما يجعل قضية الهجرة الى كندا نقطة خلاف سياسي حادة قبيل الانتخابات الفيدرالية المقبلة. ارتفاع معدلات رفض تأشيرات الزيارة وفقاً لصحيفة الجارديان البريطانية، شهدت الأشهر الأخيرة ارتفاعاً غير مسبوق في نسبة رفض طلبات تأشيرات الزيارة مقارنة بالطلبات الموافق عليها، إذ وصل الأمر إلى حد أن عدد الطلبات المرفوضة تجاوز عدد الطلبات المقبولة في أشهر يناير وفبراير ومايو ويونيو من عام 2024. هذه الإحصائيات تشير بوضوح إلى تشديد غير معلن في سياسات الهجرة الكندية. تراجع في إصدار تصاريح الدراسة والعمل لم يقتصر الأمر على تأشيرات الزيارة فحسب، بل امتد ليشمل تصاريح الدراسة والعمل أيضاً، إذ سجلت كندا انخفاضاً ملحوظاً في عدد هذه التصاريح الصادرة خلال الفترة الأخيرة. وفي يوليو 2024، بلغ عدد الأجانب الذين تم رفض دخولهم إلى كندا، بمن فيهم الطلاب والعمال والسياح، ما يقارب 6000 شخص - وهو أعلى رقم منذ يناير 2019 على الأقل. تغير في المزاج العام تجاه الهجرة يبدو أن هذا التحول في السياسة يعكس تغيراً أوسع في الرأي العام تجاه الهجرة الى كندا، فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تحولاً حاداً في نظرة الكنديين للهجرة، وسط أزمة متصاعدة في تكاليف المعيشة. وقد لاحظ محامو الهجرة زيادة في حالات الرفض، بل وتصاعداً في العداء تجاه موكليهم من المهاجرين. تصريحات رسمية تعكس التوجه الجديد في إشارة واضحة إلى هذا التحول، صرح وزير الهجرة الكندي، مارك ميلر، بأن وزارته ستعيد تقييم عدد الأشخاص المتقدمين للإقامة الدائمة. وأكد ميلر في حديثه لشبكة CTV الإخبارية الكندية على ضرورة اتخاذ "تغييرات حقيقية وكبيرة" في سياسات الهجرة اللى كندا، وليس مجرد "تغييرات تجميلية للتعامل مع الرأي العام". تقليص برنامج العمال الأجانب المؤقتين في خطوة أخرى تعكس هذا التوجه الجديد، أعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، عن خطط لتقليص برنامج العمال الأجانب المؤقتين، إذ أن هذا البرنامج، الذي شهد توسعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، تعرض لانتقادات حادة من قبل مقرر خاص للأمم المتحدة، الذي وصفه بأنه "أرض خصبة لأشكال معاصرة من العبودية". وفقاً لإحصائيات وزارة التوظيف والتنمية الاجتماعية الكندية، ارتفع عدد العمال الأجانب المؤقتين المعتمدين للعمل في كندا من 108,988 في عام 2018 إلى 239,646 في عام 2023 - أي أكثر من الضعف. وقد شمل هذا التوسع قطاعات جديدة مثل الوظائف منخفضة الأجر في قطاع الرعاية الصحية، حيث زاد عدد العاملين بنسبة تفوق 15,000% منذ عام 2018. قيود جديدة على توظيف العمال الأجانب أعلن ترودو عن فرض قيود جديدة على توظيف العمال الأجانب المؤقتين، فلن يُسمح لأصحاب العمل في القطاعات التي يبلغ فيها معدل البطالة 6% أو أكثر بتوظيف عمال أجانب مؤقتين في وظائف منخفضة الأجر، مع استثناء "قطاعات الأمن الغذائي" مثل الزراعة وتجهيز الأغذية والأسماك، كما تم منح استثناءات لقطاعي البناء والرعاية الصحية. إعادة النظر في أعداد المقيمين الدائمين في تحول دراماتيكي عن سياسات السنوات الماضية، ألمح ترودو إلى إمكانية خفض عدد المقيمين الدائمين الذين تقبلهم كندا سنوياً. وقال في تصريحات صحفية: "كندا لا تزال مكاناً إيجابياً في دعمها للهجرة، ولكنها أيضاً مسؤولة في طريقة دمجها وضمان وجود مسارات للنجاح لكل من يأتي إلى كندا." الهجرة كقضية انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية، أصبحت الهجرة الى كندا قضية محورية في الجدل السياسي الكندي. فقد اتهم حزب المحافظين، الذي يتصدر استطلاعات الرأي، حكومة ترودو بالسماح بدخول عدد كبير جداً من الأشخاص بسرعة كبيرة جداً. من جانبه، دافع ترودو عن ضرورة الهجرة المرتفعة كجزء حيوي من استراتيجية النمو الاقتصادي لكندا. ومع ذلك، اعترف هو ووزير الهجرة بأن حجم الهجرة، إلى جانب نقص الاستثمار الفيدرالي والإقليمي في البنية التحتية، قد ساهم في تفاقم الأزمة الحالية. خطط المعارضة للهجرة زعيم حزب المحافظين، بيير بوليفر، الذي يتمتع حزبه بتقدم كبير في استطلاعات الرأي، انتقد بشدة سياسات الحكومة الليبرالية في مجال الهجرة. ووصف بوليفر الحكومة بأنها "راديكالية وخارجة عن السيطرة" وأنها "دمرت نظام الهجرة لدينا". وتعهد، في حال فوزه في الانتخابات، بربط معدل نمو سكان كندا بمستوى أقل من عدد المنازل التي يتم بناؤها.