نتناول الإفطار الذى يتكوّن من خبز ٍبلدى وفول شهى بالسّمنة البلدى وطعَمية وجبنة طازجة وعسل بطحينة ثم كوب لبن ونذهب للمدرسة. البدايات منتهى النهايات؛ يقع غيطنا «العقيلي» على طريق قِفط/ القُصير وهو من أقدم الطرق فى مصر إذ كان طريق الحجيج الذين يتجمَّعون من بلاد المغرب وأفريقيا فى مدينة قفط ومدينة قوص ومنها إلى ميناء عِيذاب على مقربة من القصير بالبحر الأحمر ثم يبحرون إلى ميناء ينبع بالحجاز؛ ومن يشاهد أضرحة أولياء الله على هذا الطريق يعرف أنهم تُوُفّوا فى طريقهم إلى الحج أو عائدين من الحج ولعل أشهرهم الشيخ أبو الحسن الشاذلى المولود بالمغرب وتوفى فى أثناء مروره بجبل «حُميْثره» وصار مقامه مزارا مشهورا وانتشرت طريقته «الشاذلية» فى أرجاء الأرض وكذلك ترى مقام سيدى عبد الرحيم القنائى المولود فى سبتة بالمغرب والمدفون بمدينة قنا ومن عجب أن معظم أشقائنا المغاربة الذين وفدوا إلى مصر كانوا متصوفين أو مُستخرجى «اللقى» عبر بخورهم الساحر وذئبقهم النادر ولهذا قصص تروى لاحقا. متى نأكل؟ أشفقُ كثيرا على أحوال بعض شبابنا فى أوقات نومهم وأنواع أطعمتهم، فهم يسهرون طوال الليل ولا يعرفون أن «البرَكَة فى البُكور»، وإذا صحوا فلا يتناولون وجبة الإفطار وهى من أهم الوجبات الغذائية، وعندما كنت صغيرا كان أبي- «رضوان الله عليه»- يوقظنا لصلاة الفجر وبعد الصلاة يقرأ أوراده؛ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم ومنظومة الإمام الدردير رحمات الله عليه فى التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى ثم نتناول الإفطار الذى يتكوّن من خبز ٍبلدى وفول شهى بالسّمنة البلدى وطعَمية وجبنة طازجة وعسل بطحينة ثم كوب لبن ونذهب للمدرسة، وعندما نعود نتناول الغداء وننام قليلا. عفريت القيّالة نوم القيلولة مقدس فى الصعيد، قد يكون الجو الحار ظهرا عاملا رئيسا لديمومة النوم فى الظهيرة فلا تبصر أحدا يمشى فى شوارع القرية فى هذا الوقت ولو أردنا نحن الصغار أن نخرج كان الأهل يخوِّفوننا من «عفريت القَيَّالة» الذى يتمشى فى الظهيرة ويخطف الأطفال ويقتلهم فلا نجرؤ على الخروج وإنما نمكث فى بيوتنا نائمين، ونحن نتخيل عفريت القيالة الذى لا تؤثر فيه الشمس ولا حرارة الجو وإنما يتمشى بينما الناس يهجعون فى بيوتهم، كان مُخيفا لنا ولذا كان السكونُ يلف أرجاء القرية فى وقت القيلولة وكأنها خلت من البشر ، ولا يمشى بها سوى عفريت القيالة. لقد تغيرَت القرية الآن ولم يعد للخيال مكان ولا زمان، هل لدى سكان القرى حنين لما لم يعايشوه أو أنهم يحنّون للسكن بالمدينة؟ جنّيّة الدفادف تقع الدفادف فى منتصف مركز قفط وهى أرض فضاء تقارب من المائة فدان يتوسطها بقايا معبد «الإله مِين» ولأن الكهرباء وصلت إلينا متأخرة فكانت هذه المساحة تمثل الظلام الدامس والخوف القاتل لمن يجتازها ليلا فما بالك بالصغار، كنا نحرص أن نكون جماعة وليس فرادى لأن العفريت والجنيات والمساخيط بها وسنموت لا محالة لو خرجوا لنا ولذا كنا نتحاشى المرور بها ليلا وإذا مررنا فلابد أن تكون معنا علبة كبريت لأن العفاريت تخاف من النار ، هكذا قالوا لنا وهكذا تكوّن العقل الجَمْعى وقد تواترت لدينا حكايا عن تلك المرأة التى تجلس عند «الكولة» «حائط قديم عال بالمنطقة الشرقية من الدفادف» وتبكى تلك المرأة ليلا بصوت مسموع وقيل إنها قُتِلتْ هنا ظُلما ! وعندما يذهب إليها أحد يجد عيونها تحوّلتْ لهيبا من نار وتلتهمه لأنها لم تكن امرأة بل جِنيّة من قبائل الجن. البِركة المسحورة فى وسط الدفادف توجد بقايا حفرة كبيرة لبِركة فرعونية مسحورة كما قيل لنا ومن عجب أن الطيور لا تحلق فوقها بل تتحاشاها، ولو أن طائرا غِرًّا حاول الطيران فوقها فإنه يقع صريعا ! كيف، ولماذا؟ أسئلة تحتاج إلى أجوبة عند علمائنا فى الآثار الذين أعتِبُ عليهم كثيرا؛ كيف انتظروا شامبليون كى يحلّ لهم طلاسم الكتابة الهيروغليفية ولماذا لم يطوّروا محاولات فك أبجدية هذه اللغة على يد علمائنا الأوائل، هل هناك تفسير علمى لهذه البِركة التى طمست معالمها بالرمال لكنها كوَّنت مخيالا جميلا فى ذاكرة الطفل الذى كُنتُهُ. فى النهايات تتجلى البدايات الأصوات والصدى «مُهداة إلى الصديق المستشرق الألماني: اشتيفان فيلد Stefan Wild» لماذا يختفى الظل فى الليل. والشمس لا تشرق إلا فى الظلام حينها يلتقى الظلُّ بالظل، والصوتُ فى الليل عبر الصدى لاهثًا إثرهُ إنه راكض فى البحار التى أتعبتْها المراكبُ تلك التى تبتغى مرفأً، والمرافئ تسأل عن أبحرٍ، والبحارُ الجميلةُ تبحث عن موجةٍ كي تسوق المراكب نحو الوطن... الصوت الأول: إلى البيت أغدو وأحملُ ما قد تبقَّى من الروح، علَّ الرياحَ تسوقُ الغمامَ الذى قد بنيتُ على ظله ربوةً للديار. طيور» الكنارى « ترفرف فوق السحاب، لعلَّ السحابة تُنزل من غيثها قطرةً فوق بيتي وعلَّ الكنارى تعزف من لحنها غنوةً للصغار، فأركض فى داخلى نحو هذا النخيل الذى قد تطاول حتى النخاع.. فهل للرياح إذا ما غدتْ بالغمام تسوق الظلال؟ فيا طائرا ضل: هذى بلادك تنبت فى راحتيك فخذ من صدى الصوت أنشودةً للإياب، فإن بلادك - يا صاحبى - قد غدت واحةً من صدى!! مسافرون فى غدٍ عن قريتى مسافرونْ هل نستطيع مرةً تُخَبَّئين فى العيونْ الصوت الثاني من خبَّأَ هاتين العينين؟ وكيف اخْتفتا عن كلِّ عيون العسسِ الليلي وهم يسْتَرِقون السمع.. وها أنذا موْءُودٌ فى عينيك، أتمشى تحت خيامك...، أو أتجول بين الرئتين، وأبنى منتجعا للحزن، فذاك» مقام الدهشة»، الصدى: عمَّنْ تبحث؟ أبحثُ عن حلم حلمك «لن يأتي» أبحثُ عن «يأتي» تسقط «لن»