تتسارع التطورات فى الحرب الجارية فى قطاع غزة منذ ما يقرب من عام بشكل يجعل من الصعب اللحاق بها، ليقتصر الأمر على محاولة الفهم والتفسير دون القدرة الكاملة على التنبؤ بمجريات الأمور. ومؤخرًا، تبنت كتائب القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس بالاشتراك مع سرايا القدس، الجناح العسكرى لحركة الجهاد الإسلامى فى بيان عبر منصة تليجرام، تنفيذ عملية تفجيرية فى تل أبيب. اقرأ أيضًا | آخر توابع التوتر في المنطقة.. تأجيل انسحاب القوات الأمريكية من العراق ووفقاً للشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلى الشاباك فإن «انفجار تل أبيب نجم عن عملية نفذت بعبوة شديدة الانفجار وأسفرت عن مقتل منفذها وإصابة إسرائيلى بجراح». وجاء فى بيان القسام وسرايا القدس أن «العمليات الاستشهادية فى داخل إسرائيل ستعود للواجهة طالما تواصلت المجازر وعمليات تهجير المدنيين واستمرار سياسة الاغتيالات». وفى الواقع، تثير هذه العمليات تساؤلات عديدة فى مقدمتها ما إذا كان الزعيم الجديد لحركة حماس يحيى السنوار قرر توسيع رقعة المعركة مع إسرائيل.. فهل رأى أن الرشقات الصاروخية التى ترسلها كتائب المقاومة على أراضى الاحتلال لا تحدث الأضرار البشرية أو السياسية الكافية للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو؟ وهل جاءت الخطوة التى أعقبها التهديد بتواصل هذه العمليات على أرض إسرائيل كبصمة طبيعية لتولى قائد عسكرى زعامة الحركة سياسيًا؟ وبمعنى آخر هل سيكون المكون العسكرى للحركة هو الأعلى صوتًا من المكون السياسى فى الفترة المقبلة؟.. كما تثير التطورات أسئلة تتعلق بالبدائل التى باتت متاحة لحركة حماس الآن وفى المستقبل.. ولا يجب إغفال السياقين السياسى والإقليمى من النظر الى التطورات.. إذ جاءت الخطوة بعد اغتيال زعيم الحركة إسماعيل هنية فى طهران فى 31 يوليو الماضى دون أن يتم الثأر له حتى الآن.. حيث تَعِد طهران ب«إرجاء ردها على اغتيال هنية على أراضيها» اذا ما تم التوصل لصفقة توقف الحرب. وجاء هذا الموقف، دون شك، محبطا للعديد من قادة ومقاتلى كتائب المقاومة الذين راهنوا على أن تصعيدا بين إسرائيل وايران قد يخف الضغط على غزة أو يجبر اسرائيل فى النهاية على وقف الحرب. لكن الأهم من كل ما سبق هو الرسالة التى أرسلتها حماس لإسرائيل بعملية تل أبيب تلك.. كيف فهمها الإسرائيليون؟ وهل أحدثت الأثر الذى تمنته فصائل المقاومة أم لا؟ ووفقا لتحليل نشره مركز القدس للشئون العامة الاسرائيلي، فإن هذه العمليات التى سادت وقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية (من سبتمبر 2000 وحتى فبراير 2005) ليست الاستراتيجية المعتادة من فصائل المقاومة. فهذه الفصائل جرى تدريبها جيدا فى الخارج بحيث باتت تفضل بدلا من ذلك المواجهة عبر حمل السلاح. ويقترح التحليل ان السنوار أراد فتح جبهة جديدة فى المعركة ليضيف بصمته الشخصية مدفوعا بضغوط ميدانية وعسكرية شديدة من الجيش الاسرائيلى فى غزة. كما يريد السنوار، وفقا للتحليل الاسرائيلي، رفع معنويات أهالى غزة المنكوبين فى الحرب. لكن أكثر ما يثير القلق فى اسرائيل أن يعطى بيان المقاومة المشار إليه زخما وتشجيعا لمنفذى العمليات الأخرى التى تستخدم فيها العبوات الناسفة بشكل متكرر فى أنحاء مثل مستوطنات الضفة ومناطق الجليل الأعلى والجولان، والمناطق الحدودية المحتلة عموما. هذه العمليات تلقى فيها العبوات الناسفة أو تتم زراعتها على جانبى الطرق لتصيب عناصر جيش الاحتلال وسياراته. ومن ثم، فإعلان فصائل المقاومة رسميا تبنيها لعملية تل أبيب، يعنى مباركتها وتشجيعها لكل من يريد الثأر للفلسطينيين من أفراد وجماعات.. وبالنسبة للاسرائيليين، فهو يعنى عمليا فتح باب التطوع لمقاومة الاحتلال فى كل مكان دون ان ينتسب المقاوم لحركة وفصيل بعينه. وفى الحرب الجارية سريعا، لا يبدو عنصر الزمن متاحا لاختبار نجاح نهج معين أو استراتيجية معينة، لكن مرور الوقت يتيح بالفعل ترتيبات ميدانية وسياسية وعسكرية قد لا تنفع معها العمليات الانتحارية.