تداول المهتمون بالتراث مؤخرًا صورًا تشير لبعض الأعمال داخل منزل زينب خاتون بالقاهرة. الصور التى جرى تداولها على نطاق واسع أثارت قلق المتابعين واعتبرها البعض«عمليات تشويه»، خصوصًا مع ظهور بعض بنود المشروع، وأبرزها إضافة قبة معدنية مستجدة للمنزل بارتفاع حوالى 14 مترًا فوق منسوب سطح المنزل! الهجوم الأخير دفع الموقع الرسمى لشركة المقاولون العرب (الشركة المنفذة) لحذف تفاصيل المشروع من على صفحتها الرسمية قبل أن يتم إعادته مرة أخرى. ووفقًا لموقع الشركة فأعمال التطوير تشمل «إعادة التوظيف، وتحويل المبنى الأثرى لقاعات متعددة الأغراض، مع إضافة بعض الأسقف المستجدة لإنشاء منطقة لخدمات المنزل، كما سيتم تركيب مصعدين أحدهما للزوار والثانى للخدمات، بالإضافة إلى القبة المعدنية «الشخشيخة»، وتركيب تكييف مركزى لجميع فراغات المبنى، وأعمال كهربائية تضم شبكات إنذار حريق - مراقبة - معلومات وشبكات صوتيات بالإضافة إلى أعمال الإضاءة الداخلية والخارجية، وأعمال شبكة مكافحة حريق تشمل خزانات حريق بسعة 120 م3 وطلبمات حريق. بجانب إنشاء سور خرسانى حول حرم المنزل جهة الجامع الأزهر، وإنشاء غرفة محول كهربائى». وزارة الآثار بدورها لم تصدر بيانًا رسميًا حول الواقعة واكتفت بالصمت كعادتها، ولم تطرح رؤيتها للمشروع. فى هذا التحقيق يطرح متخصصون آراءهم فى تطوير البيت ويحددون ضماناتٍ يجب تقديمها، أثناء التنفيذ، حتى لا تحدث الكارثة. محمود عبد الباسط مدير عام الإدارة العامة للقاهرة التاريخية قال فى تصريح مقتضب ل«أخبار الأدب» إن مشروع التطوير سيراعى القيمة الأثرية والتراثية للمنزل. يقول: لا توجد عناصر معمارية أو أسقف مستجدة تمت إضافتها. كما أن مراعاة حالة المنزل، وأصالته، وسلامة كل تفاصيله الأثرية، سواء كتابات أو زخارف حجرية، لها أولوية مطلقة، فالمشروع تم وفق معايير الخبراء المصريين؛ لذلك فبناء الخبر على صورةٍ دون تحقق، أمر يستهلك وقت المهتمين بالتراث، ويدفع لتعليقات مليئة بالنقد والتحامل بشكل يجافى الواقع والحقيقة. إجابة محمود عبد الباسط المقتضبة دفعتنا للحديث مع مصدر مطلع آخر داخل وزارة الآثار، قال إن المشروع من المفترض أن يرى النور خلال الشهر المقبل. وأضاف: «الصور التى جرى تداولها والخاصة بالقبة غير حقيقية، وقد رفضنا المقترح، ما حدث أن مقاول المشروع قدم مقترحًا للوزارة وتم رفضه. والصور التى عُرِضت لا أساس لها من الصحة. أما الأسقف المستجدة فعبارة عن مظلات لحماية المنزل من الشمس ومياه الأمطار وإعادة استخدام الأثر سواء كمطاعم أو كافيهات لن يضر بالطبيعة الأثرية للمبنى، ولا يوجد أى تعدٍ على الأثر نفسه، أما بالنسبة لوجود تكييفات داخل المبنى الأثرى فهو أمر طبيعى، خصوصًا مع درجات الحرارة العالية التى تشهدها البلاد، نحن يهمنا ترميم المنزل فى المقام الأول، ثم إعادة تأهيله واستخدامه. وهذه القرارات تمت الموافقة عليها من جانب اللجنة الدائمة، التى تضم فى عضويتها المتخصصين». وعن السور الخرسانى المحيط بالأثر أوضح المصدر أن المقترح رُفِض هو الآخر، والهدف منه كان حماية المنزل، لكن لم تجد الآثار جدوى من تنفيذه. وعملية ترميم المنزل تمت وفقًا للأصول المتعارف عليها، وقد استطاع المرممون إعادة الزخارف والنقوش القديمة الموجودة داخل أسقف المنزل وغير المكتشفة،فكان من المفترض إزالة الدهانات فقط، لكن المتخصصين نجحوا فى إعادة هذه النقوش مرة أخرى. أما بخصوص المصعد فمن الناحية الإنشائية فالمنزل قادر على حمله. والجهة المسئولة عن ترميم المنزل بجانب «الآثار» هى وزارة الإسكان؛ وبالتالى فهم متخصصون ويعرفون أن أساسات المنزل يمكنها تحمله، وبالتالى وجوده لن يؤثر على المنزل. وعن المشروع المقترح ل(المنطقة) أوضح المصدر أن الوزارة تعمل على تحويلها لمجموعة كافيتريات ومطاعم تخدمها سياحيًا. فالهدف تأهيل المنطقة، وجذب السياحة إليها، كما حدث بشارع المعز. فرض رؤية جديدة الدكتور صالح لمعى أستاذ العمارة الإسلامية والترميم وعضو هيئة الإيكوموس باليونسكو يرى أن المشكلة الرئيسية ليست فى إلغاء المشروع من عدمه بل -من وجهة نظره- فى شركات الترميم التى تعمل مع وزارة الآثار. يقول: المشكلة أن الوزارة سمحت لغير المتخصصين بالعمل داخل المواقع والمبانى الأثرية فنص الميثاق الدولى يقول: «توظيف المبنى وفقًا لما تسمح به طبيعة المبنى»؛ أى أن الأصل هو الحفاظ على المبنى، وأن تكون إعادة توظيفه متوافقة مع طبيعته المعمارية والإنشائية. لكن ما حدث فى زينب خاتون كان العكس تمامًا، إذ فرضنا عليه توظيفاً بعينه، رغبة منا فى إرضاء المستثمر الذى يريد بدوره إرضاء زواره، عبر فرض رؤية جديدة لا تتناسب مع الموقع، كتركيب تكييفات داخل المنزل الأثرى. أتذكر أننى وضعت كلًا من مدينتى الصويرة، ومكناس المغربيتين على لائحة اليونسكو للتراث العالمى. وخلال عمليات التقييم كنت أتجول داخل الشوارع والبيوت بشكل مستمر، ولم أجد استحداثاً لأية تكييفات داخل البيوت الأثرية، بل كان ما يحدث مجرد إعادة استخدام لصحن المنزل فى أنشطة خدمية، والاعتماد على الهواء الطبيعى داخله. يحكى لمعى تفاصيل ترميمه للمنزل منذ ما يقرب من40 عامًا، فقد عُهد إليه بالأمر بعد أن صدر للمنزل قرار إزالة فى عهد أحمد قدرى «تحدث إلىَّ وقتها الأستاذ عبد الرحمن عبد التواب لترميم المنزل وإنقاذه ووجدنا أكثر من نصفه مهدماً، نتيجة هبوط أرضى بالمنطقة بسبب الصرف الصحى، والبنية التحتية المتهالكة، لذلك أعدنا بناءه، وأصلحنا الشروخ الموجودة. وعندما وصلنا لأساساته وجدناها سطحية. وعرفنا وقتها أن جذوره تعود للعصر الفاطمى، وليس كما يشاع أنه يعود للعصر المملوكى. واكتشفنا أيضًا خلال أعمال الترميم «زلعة» قديمة بداخلها 7000 آلاف دينار مملوكى تعود لعصر فرج بن برقوق. لذلك من عملوا على ترميم المنزل لم يدرسوا أصلًا مشاكله الإنشائية، لأنهم إذا درسوها بشكل سليم لتأكدوا استحالة تركيب مصاعد كهربائية داخله، فهو مبنىٌ على أساسات سطحية، ونفس الأمر ينطبق على الأسقف الداخلية. هذه البيوت لن تتحمل مثل هذه التدخلات، والأعداد الكبيرة من السكان. وهى ستسقط فى نهاية الأمر فقد صُمِمت لتكون بمثابة غرف نوم واستقبال لعدد قليل جدًا من الأفراد، لذلك لا يمكن أن تضم داخلها طاولات طعام، أو تستقبل عدداً كبيراً من الناس، فجميع البيوت الشبيهة بزينب خاتون سواء الموجودة فى المغرب، ولبنان، وسوريا أو غيرها يتم تقديم الطعام داخلها فى منطقة الصحن، ويُترَكُ المنزل على حالته الأصلية بدون تنفيذ أعمال إنشائية. أما باقى حجرات المنزل فيتم تحويلها لمكاتب إدارية تخص المنشأة، أو حجرات سكنية. فكرة مرفوضة المهندس الاستشارى طارق المرى اتفق فى الرأى مع «لمعى» إذ يرى أن هناك إصراراً واضحاً من جانب الآثار لتغطية صحن المنزل. كما اعتبر أن تنفيذ المشروع بشكله المقترح سيكون مخالفًا للوظيفة الإنشائية الأساسية للمنزل. يقول: روعة العمارة الإسلامية تتمثل فى التفاصيل الإنشائية فقد استطاعوا توزيع الهواء داخل المنازل القديمة، بفضل الأساليب الهندسية الدقيقة فى عملية البناء؛ لذلك فعملية تركيب تكييف داخل الأثر غير مفيدة بالمرة، لأن الأثر يمر بداخله هواء جيد، فإذا أرادوا توظيف المنزل فعليهم أن يُشعِروا الزائر بالتجربة بشكل كامل. وإعادة استغلال الأثر بما لا يتعارض مع الطبيعة الأثرية للموقع، أمر مقبول، لكن غير المقبول هو تغيير وتشويه طبيعة الموقع الأثرى بحجة إعادة التوظيف، فهذه من وجهة نظرى عملية «فاشلة». وبالنسبة لمقترح المصاعد داخل المنزل فهى فكرة مرفوضة أيضًا، وغير مفيدة بالمرة. الدكتورة دليلة الكردانى أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة كانت عضوة فى اللجنة الدائمة التى عُرِض عليها المشروع فى وقت سابق. تقول: حين عُرِض المشروع على اللجنة رُفِض مقترح إضافة قبة للمنزل، لقد اعترضت على الأمر لكنى لم أتابع المشروع حتى النهاية، بسبب تركى للجنة الدائمة منذ عام وأضافت: «أرى أنه من الممكن تركيب تكييفات داخل المنزل، وأسانسير. لكن السؤال هو: كيف سيتم التنفيذ؟ من الضرورى وضع تكييف داخل المنزل لأنه ليس من المنطقى أن يجلس الزوار بدونه، لكن المهم مراعاة الأثر، وتنفيذ هذه الأعمال بطريقة تضمن عدم التأثير على المبنى، بجانب مراعاة شكله وطبيعته الأثرية». ترى الكردانى أن إعادة استخدام المبانى الأثرية أصبح ضرورة فى الوقت الحالى: «فكرة إعادة الاستخدام تضمن استمرار الأثر فى تأدية وظيفته، فضلًا عن توفر الأموال التى تضمن إمكانية إجراء عمليات ترميم مستقبلية للمنزل. لكن كما ذكرت يجب أن يتم ذلك بشكل دقيق».