إحباط زواج طفلة 14 عاما في قرية الدير بقنا    إحباط محاولة زواج طفلة قاصر بعمر 14 عاما بقنا    وزير العمل يكشف عقوبة عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور    مكتب نتنياهو يعلن تسلم جثة أحد الأسرى داخل غزة عبر الصليب الأحمر    مصر تدفع ب 12 معدة ثقيلة إلى القطاع    طارق قنديل: ميزانية الأهلي تعبر عن قوة المؤسسة وسيتم إنشاء فرعين خارج القاهرة    صلاح محسن: ضربت الحارس لهذا السبب.. وذلك ما أحتاج إليه لأتألق    نائب محافظ الغربية يتفقد موقع انقلاب ناقلة محملة بالزيت على الطريق الدولي طنطا – السنطة    خبير آثار: المتحف المصري الكبير سحب البساط من كبرى متاحف العالم    فريدة سيف النصر توجه الشكر لكل من قدموا واجب العزاء فى شقيقها    مؤلف كارثة طبيعية يرد على تساؤلات الجمهور قبل طرحه على watch it: واقعى مش خيال    حلقة ساخنة انتظروها.. باسم يوسف فى آخر لقاء له بكلمة أخيرة غدا على شاشة ON    توقعات بزيادة 8 ملايين سائح بعد افتتاح المتحف المصري الكبير.. فيديو    قادة الرقابة المالية فى شرم الشيخ |الفيصل:«الإنكوساى» حدث استثنائى    إقبال جماهيري كبير على ليالي مهرجان الموسيقى العربية 33 في الإمارات    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    كيف تحافظ على عظامك قوية رغم برودة الشتاء؟    بدون شرائح اللحم.. اعرفي أسهل طريقة لعمل الشاورما اللحمة المصري    الأهالي يودعون صغيرهم سليم بعد سقوطه في بالوعة للصرف الصحي    إزاى تقدم على معاش تكافل وكرامة ؟.. خطوات الاشتراك والمستندات المطلوبة    تعرف على مواقيت الصلاة الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 في مطروح    مدير «تعليم المنيا»: المعلمين الركيزة الأساسية في بناء الأجيال وصناعة مستقبل الوطن    ألفاريز يقود هجوم أتلتيكو مدريد أمام بيتيس في الدوري الإسباني    عبد المنعم سعيد: حماس دمّرت اتفاق أوسلو.. ومصر تبذل جهودًا كبرى لتوحيد الصف الفلسطيني    وزيرة التضامن تشهد الاحتفال باليوبيل الماسي للهيئة القبطية الإنجيلية    كل ما تريد معرفته عن التوقيت الشتوي في مصر 2025.. الموعد وطريقة الضبط الدقيقة    هدف عكسي.. أهلي جدة يتقدم على الباطن في الشوط الأول    انطلاق مبادرة «عيون أطفالنا مستقبلنا» في المنيا لفحص إبصار طلاب المرحلة الابتدائية    خروج جثمان طفل شبرا الخيمة من مستشفى ناصر التخصصى بعد تصريح النيابة بالدفن    لدغتها تصيب بالحمى والقرحة.. مخاطر «ذبابة الرمل السوداء» بعد وفاة طفل في الأردن    ضبط 2800 لتر من زيوت السيارات مجهولة المصدر بالخانكة    هل يضاعف حساب الذنوب حال ارتكاب معاصي بعد العمرة أو الحج؟.. فيديو    استمرار محادثات السلام بين باكستان وأفغانستان لليوم الثالث في ظل توترات حدودية    ملك الأردن: لن نرسل قوات إلى غزة ومستعدون لدعم الشرطة الفلسطينية    مكتبة مصر العامة تحتفي بالتراث الفلبيني في احتفالية ومعرض فني بعنوان باجكيلالا – الاعتراف    ينطلق الليلة.. موعد عرض مسلسل "اللعبة" الموسم الرابع على MBC مصر    محمد صلاح ضمن قائمة المرشحين لأفضل 11 لاعباً فى العالم من فيفبرو    شيخ الأزهر يلتقي الرئيس الإيطالي ويؤكدان ضرورة الالتزام بخطة السلام في الشرق الأوسط    تأجيل محاكمة 89 متهما بقضية "خلية داعش مدينة نصر" لجلسة 11 يناير المقبل    حكم طلاق المكره والسكران في الإسلام.. الشيخ خالد الجندي يحسم الجدل ويوضح رأي الفقهاء    بث مباشر.. الفتح في ضيافة الرياض الليلة الساعة 5.35 في دوري روشن السعودي 2025    اعرف وقت الأذان.. مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 فى المنيا    لجنة فلسطين بالبرلمان العربي تعتمد مجموعة من التوصيات لدعم القضية    «الجيل»: تعديل لائحة مجلس الشيوخ لتوسيع المشاركة الحزبية وتحقيق المساواة ضرورة    مصر تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة.. وصول شاحنات وقود وغاز (فيديو)    رسمياً.. يوفنتوس يقيل تودور بعد أسوأ سلسلة نتائج منذ 2009    مشهد صادم على الطريق.. سائق ميكروباص يدخن "شيشة" وهو يقود في الإسكندرية    رئيس الوزراء يتابع مع محافظ بورسعيد عددًا من المشروعات الاستثمارية الجاري تنفيذها في المحافظة    مفتي الجمهورية: الجماعات المتطرفة توظف العاطفة الدينية للشباب لأغراضها الخاصة    الأجهزة الأمنية بالقاهرة تشن حملات مكبرة على كافة قطاعات العاصمة.. صور    المشاط: الإحصاءات تُمثل ركيزة أساسية في صنع القرار ودعم مسيرة التنمية    هل ستتعرض القاهرة الكبري لأمطار خلال الساعات المقبلة ؟ الأرصاد تجيب    «الرقابة الصحية» تعقد الاجتماع الأول لإعداد معايير اعتماد مكاتب الصحة والحجر الصحي    بكام اللحمه البلدى..تعرف على أسعار اللحوم اليوم الإثنين 27اكتوبر 2025فى مجازر المنيا    مدير معهد الآثار الألماني: نتطلع بفرح غامر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير    بالصور.. مصرع وإصابة 28 شخصا في حادث تصادم أتوبيس بسيارة نقل بطريق رأس غارب - الغردقة    سيراميكا كليوباترا: نسعى للاستمرار على قمة الدوري.. وهدفنا المشاركة القارية الموسم القادم    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما حكم صيام من لا يصلي؟.. الإفتاء تُجيب

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه ما حكم صيام من لا يصلي؟، فهناك بعضُ الناس الذين لا يحافظون على أداء الصلاة، عندما يدخل شهر رمضان يتحمَّسُون للصلاة ويُبادِرونَ بأدائها، ثم تَفْتُرُ عزيمتُهُمْ ويَرْجِعُونَ لعادتهم في تركها أو ترك بعضها، فهل يكون صيامهم مع تركهم بعضَ الصلوات المفروضة صحيحًا؟.
اقرأ أيضا | ما حكم صيام من أفطر قبل المغرب بدقائق على أذان مدينة أخرى ؟
الجواب
وأجابت دار الإفتاء قائلة: "صيام من لا يصلي صحيحٌ، مع كونه غير ممتثلٍ للأوامر الشرعية الموجبة للصلاة، وينبغي على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا مِن الله سبحانه وتعالى، ويكون محلًّا للقبول والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر حظًّا ونصيبًا ممَّن يؤدي بعض الفرائض ويترك بعضها الآخر".
حكم صيام من لا يُصلِّي
إن الإسلام دِينٌ كاملٌ ومتكاملٌ تَشُدُّ أركانُهُ بعضها بعضًا، فلا يليق بالمسلم أن يأتي ببعض الأركان ويترك أخرى، فالمسلم مأمورٌ بأداء كلِّ عبادةٍ شرعها الله تعالى -من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما افترض الله عليه- إن كان من أهل التكليف المخاطَبين بذلك، وعليه أن يلتزم بها جميعًا، كما قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ [البقرة: 208]، وجاء في تفسيرها: أي: التزموا بكلِّ شرائع الإسلام وعباداته، ولا يجوز له أن يتخير بينها ويُؤدِّيَ بعضًا ويترك بعضًا فيقع بذلك في قوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85].
قال الإمام الطَّبَرِيُّ في "جامع البيان" (3/ 600، ط. هجر): [تأويل ذلك: دعاء للمؤمنين إلى رفض جميع المعاني التي ليست مِن حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء مِن حدوده] اه.
وقال الإمام الْمَاوَرْدِيُّ في "النكت والعيون" (1/ 268، ط. دار الكتب العلمية): [والدخول في السِّلْم: العمل بشرائع الإسلام كلها] اه.
ومع ذلك فصحة هذه العبادات موقوفة على تحقق شروطها وأركانها، ولا تَعَلُّق لهذه الأركان والشروط بأداء العبادات الأخرى، فإذا أدَّاها المسلم على الوجه الصحيح مع تركه لغيرها من العبادات فقد أجزأه ذلك وبرئت ذمتُه من جهتها، ولكنه يأثم لعدم فعل العبادة التي لم يؤدها، فمن صام وهو لا يصلي فصومه صحيح غير فاسد؛ لأنه لا يُشتَرَط لصحة الصوم إقامة الصلاة، ولكنه آثمٌ شرعًا مِن جهة تركه للصلاة، ومرتكب بذلك لكبيرةٍ من كبائر الذنوب، ويجب عليه أن يبادر بالتوبة إلى الله تعالى، أما مسألة الأجر فموكولة إلى الله تعالى، غير أن الصائم المُصَلِّي -في الجملة- أرجى قَبولًا ممن لا يُصلي.
قال الإمام السَّرَخْسِيُّ في "المبسوط" (3/ 118، ط. دار المعرفة): [والعبادة لا تبقى بدون شروطها كما لا تبقى بدون ركنها] اه.
وقال العلَّامةُ الصَّرْصَرِيُّ في "شرح مختصر الروضة" (1/ 441، ط. مؤسسة الرسالة): [الصحة في العبادات: وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، وقيل: موافقة الأمر.
معنى هذا: أن العلماء اختلفوا في معنى صحة العبادات؛ فالفقهاء قالوا: الصحة وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، كالصلاة الواقعة بشروطها وأركانها مع انتفاء موانعها، فكونها كافية في سقوط القضاء، أي: أنها لا يجب قضاؤها: هو صحتها] اه.
وقال العلَّامةُ الزَّرْكَشِيُّ في "البحر المحيط" (2/ 16، ط. دار الكتبي): [أما الصحة في العبادات فاختلف فيها، فقال الفقهاء: هي وقوع الفعل كافيًا في سقوط القضاء، كالصلاة إذا وقعت بجميع واجباتها مع انتفاء موانعها، فكونها لا يجب قضاؤها: هو صحتها] اه.
وقال العلَّامةُ العَطَّارُ في "حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع" (1/ 139، ط. دار الكتب العلمية): [الصحة أمر عقلي، والمراد بما يعتبر: الشروط والأركان وانتفاء الموانع، والمراد: استجماعه] اه.
الاستقامة على أمر الله تعالى بأداء جميع الأوامر والانتهاء عن جميع النواهي
هذا لا يعني أن يتهاون المُكَلَّفُ في أداء الصلاة المفروضة؛ لكونها عماد الدين وأول أركانه، ولا يوجد عذرٌ يمنع المكلف بها مِن القيام بها -أداءً أو قضاءً-، ولا يصح أن يتهاون أي مُكَلَّفٍ في أداء بعض المأمورات مكتفيًا بأداء البعض الآخر؛ إذ الأصل أن يستقيم الإنسان على أمر الله تعالى بأداء جميع الأوامر والانتهاء عن جميع النواهي؛ وذلك حتى يحقق شرط الاستقامة المأمور به، ومما لا شك فيه أن الملتزم بجميع حدود الله تعالى وأوامره أفضل حالًا من المتهاون فيها أو في بعضها.
فعَن سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ، قَالَ: «قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا»، رواه الترمذي، وقال عقبه: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قال العلَّامةُ مظهر الدين الزَّيْدَانيُّ الشِّيرازيُّ الحَنَفيُّ المشهورُ بالمُظْهِري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 86، ط. دار النوادر): [وقوله عليه السلام: «ثم استقم»: لفظٌ جامعٌ للإتيانِ بجميع الأوامر، والانتهاءِ عن جميع المناهي؛ لأنه لو ترك أمرًا لم يكن مستقيمًا على الطريق المستقيم، بل عَدَل عنه حتى يرجع إليه، ولو فعل منهيًّا، فقد عَدَلَ عن الطريق المستقيم أيضًا حتى يتوبَ] اه.
وعلى مستوى آخر فالإنسان مطالب بالانتهاء عن جميع المناهي وإتيان الأوامر ما كان في حدود الاستطاعة.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفقٌ عليه.
وتحتل الفرائض المرتبة الأولى في القُرب والعبادات؛ فهي أحبها إلى الله عزَّ وجلَّ وأشدها إليه تقريبًا.
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
قال الإمام الْبَيْضَاوِيُّ في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" (2/ 16، ط. أوقاف الكويت): [أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى هي الفرائض التي افترضها عليه، وناهيك بفضلها المعاتبة على تركها، والمعاقبة بالإخلال بها، وإن العبد لا يزال يتقرب إلى الله بأنواع الطاعات، وأصناف الرياضيات، ويترقى من مقامٍ إلى آخر أعلى منه، حتى يحبه الله سبحانه، فيجعله مستغرقًا بملاحظة جَنَابِ قُدْسِهِ، بحيث ما لاحظ شيئًا إلا لاحظ ربه، فما التفت لفتَ حاسٍّ ومَحْسُوسٍ، وصانع ومصنوع، وفاعل ومفعول، إلا رأى الله، وهو آخر درجات السالكين، وأول درجات الواصلين، فيكون بهذا الاعتبار سمعه وبصره] اه.
وقال العلَّامةُ نَجْمُ الدِّينِ الطُّوفِيُّ في "التعيين في شرح الأربعين" (1/ 319، ط. مؤسسة الرسالة): [اعلم أن التقرب إلى الله تعالى إما أن يكون بالفرائض أو بالنوافل، وأحبها إلى الله عزَّ وجلَّ وأشدها إليه تقريبًا الفرائض؛ لأن الأمر بها جازم، وهي تتضمن أمرين: الثواب على فعلها، والعقاب على تركها، بخلاف النوافل فإن الأمر بها غير جازمٍ، ويثاب على فعلها، ولا يعاقب على تركها، فالفرائض أكمل، فكانت إلى الله عزَّ وجلَّ أحب وأشد تقريبًا] اه.
الرد على من يزعم أن فعل المعصية يحبط ما قدمه الإنسان من طاعة أو يفسدها
القول بأن فعل المعصية يحبط ما قدمه الإنسان من طاعة أو يفسدها فتكون بلا أثر ولا مثوبة، قول غير صحيح ولا اعتبار له؛ إذ يشتمل على مفاسد عقدية، وادعاءات تتعارض في مجملها مع رحمة الله تعالى وفضله، بل ومع إحسانه وعدله؛ فقد تقرر أن الله تعالى يضاعف الحسنات إلى أضعاف مضاعفة، ولا يجازي على السيئة إلا مثلها أو يعفو، فكيف بالقول إن الله تعالى يحبط الحسنة بالسيئة، دون مجازاة عليها ولا إثابة بها، ومن قبيل ذلك الادعاء بأنه لا صيام مقبول لمن لا يُصلِّي، وقد نص على خطأ ذلك القول جماهيرُ العلماء واستنكروه؛ لكونه معارضًا لصريح القرآن، منافيًا لعدل الله تعالى وإحسانه.
فأما كونه معارِضًا لصريح القرآن الكريم، فذلك أنه تعالى قد قال في محكم تنزيله إنه يحاسب عباده على كلِّ عملٍ من أعمالهم، فما عملوا من خير فسيثابون عليه ويضاعف الله لهم أجره، وما عملوا مِن شرٍّ فسيعاقبون عليه بمثله، لا أنَّه سيُحبط عمل هذا بذاك، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 160]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].
وأما كونه منافيًا للعدل والإحسان؛ فذلك أنَّ إحباط الطاعة وعدم قبولها لحصول المعصية، يلزم منه أحد أمرين:
الأول: أن يزول عقاب المعصية بثواب الطاعة، فيعدم الفعلان معًا ويكون كلٌّ منهما علةً في انعدام الآخر، وذلك يقتضي أن يكون كلٌّ منهما علةً في وجود الآخر، وذلك باطل.
الثاني: أَّلا يزول عقاب المعصية بثواب الطاعة، فيلزم عن ذلك ألَّا ينتفع المُكَلَّفُ بطاعته لا بحصول ثواب ولا برفع عقاب، وهذا من الظلم المتنافي مع عدل الله تعالى.
قال الإمام الرَّازِيُّ في "مفاتيح الغيب" (10/ 82، ط. دار إحياء التراث العربي): [لو انحبط ذلك الثواب لكان إما أن يحبط مثله من العقاب أو لا يحبط، والقسمان باطلان. فالقول بالإحباط باطل. إنما قلنا إنه لا يجوز انحباط كلِّ واحدٍ منهما بالآخر؛ لأنه إذا كان سببُ عدم كلِّ واحدٍ منهما وجودَ الآخر، فلو حصل العدمان معًا لحصل الوجودان معا، ضرورة أن العلة لا بد وأن تكون حاصلة مع المعلول، وذلك محالٌ.
وإنما قلنا: إنه لا يجوز انحباط الطاعة بالمعصية مع أن المعصية تنحبط بالطاعة، لأن تلك الطاعات لم ينتفع العبد بها البتة، لا في جلب ثواب، ولا في دفع عقاب وذلك ظلم، وهو ينافي قوله تعالى: ﴿إِنَّ 0للَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ﴾ ولما بطل القسمان ثبت القول بفساد الإحباط] اه.
كما قد نص العلماء على أنَّ حصول ما قد يبطل الطاعات بالمعاصي إنما يكون بحصول ما يفسدها في عينها من دخول أمرٍ مذمومٍ عليها؛ كالرياء وابتغاء السمعة، أو عدم الإخلاص فيها أو الفساد في النية، لا بحصول المعصية في طاعة أخرى مستقلة عنها، أو في جنسٍ آخر من الطاعات.
قال الإمام الآمِدِيُّ في "أبكار الأفكار" (4/ 385-386، ط. دار الكتب والوثائق القومية -القاهرة) في الردِّ على شبهة القائلين بكون المعصية محبطةً للأعمال مطلقًا: [إن التقابل بين الطاعة والمعصية: إنما يتصور في فعلٍ واحدٍ بالنسبة إلى جهةٍ واحدةٍ، بأن يكون مطيعًا بعينِ ما هو عاصٍ مِن جهة واحدة، وأما أن يكون مطيعًا في شيء، وعاصيًا بغيره، فلا امتناع فيه، كيف وأن هؤلاء وإن أوجبوا إحباط ثواب الطاعات بالكبيرة الواحدة، فإنهم لا يمنعون من الحكم على ما صدر من صاحب الكبيرة من أنواع العبادات... كالصلاة، والصوم، والحج، وغيره بالصحة، ووقوعها موقع الامتثال، والخروج عن عهدة أمر الشارع؛ مع حصول معصية في غيرها، بخلاف ما يقارن الشرك منها، وإجماع الأمة دلَّ على ذلك، وعلى هذا: فلا يمتنع اجتماع الطاعة والمعصية، وأن يكون مثابًا على هذه ومعاقبًا على هذه... فإنَّ التعظيم والإهانة إنما يمتنع اجتماعهما من شخصٍ واحدٍ لواحدٍ، إن اتحدت جهةُ التعظيم والإهانة، وإلا فبتقدير أن يكون مُعَظَّمًا من جهة، مهانًا مِن جهةٍ، مُعَظَّمًا مِن جهةِ طاعته، مهانًا مِن جهةِ معصيته؛ فلا مانع فيه] اه.
وقد تجلَّى ذلك الفهم واتضح لدى العلماء من خلال شرحهم لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في الحثِّ على أن تُصلَّى صلاةُ العصر في وقتها والتحذير من أن تركها يحبط عملها، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح".
والمراد من الحديث كما فهمه علماء الأمة: هو أنه قد خسر أجر هذه الصلاة بخصوصها والذي يحصل عليه مَن يصليها في وقتها، لا أجر غيرها من الصلوات ولا غيرها من الأعمال.
قال الإمام ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ في "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (14/ 125، ط. أوقاف المغرب): [حبط عمله، أي: حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها، يعني: أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فَقَدَ أَجْرَ عملها في وقتها وفضله، والله أعلم، لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر، أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج] اه.
وقال الإمام النَّوَوِيُّ في "شرحه على صحيح مسلم" (5/ 126، ط. دار إحياء التراث العربي): [الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم فلا يلحق بها غيرها بالشك والتوهم] اه.
وقال المُلَّا عَلِيُّ الْقَارِيُّ في "مرقاة المفاتيح" (2/ 529، ط. دار الفكر): [قد حبط (عمله) أي: بطل كمال عمل يومه ذلك إذ لم يثب ثوابًا موفرًا بترك الصلاة الوسطى، فتعبيره بالحبوط وهو البطلان للتهديد قاله ابن الملك. يعني: ليس ذلك من إبطال ما سبق من عمله... بل يحمل الحبوط على نقصان عمله في يومه، لا سيما في الوقت الذي تقرر أن يرفع أعمال العباد إلى الله تعالى فيه] اه.
والذي يجدر التنبيه إليه أن المسلم الذي يسعى للحفاظ على الصلاة ثم تغلبه نفسه بترك بعض الأوقات منها، مع كونه يعلم بفرضيتها ولا يتركها جاحدًا أو منكرًا، وإنما وهو يعلم أنه مذنبٌ وعاصٍ، فإنه ينبغي أن يُحَثَّ عليها ببيان فضلها وثواب حصولها، لا أن يُيَأَّسَ ويُشَكَّك في قبول أعماله الصالحة التي يقوم بها كالصيام؛ إذ الشرع مثلما جاء بالترهيب من المعاصي جاء بالترغيب في الطاعات أيضًا، والترغيب أنسب لمن حاله حال التردد والضعف لا حال النكران والجحود، ومَن ترك بينه وبين طاعة الله تعالى بابًا مفتوحًا فتح الله تعالى له به إن شاء جميع الأبواب وأناله التوفيق والسداد في أمره كله.
الخلاصة
بناء على ذلك: فإن صيام من لا يصلي صحيحٌ، مع كونه غير ممتثلٍ للأوامر الشرعية الموجبة للصلاة، وينبغي على كلِّ مكلف أن يجتهد في أداء الفرائض التي فرضها الله عليه على قدر طاقته واستطاعته؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا مِن الله سبحانه وتعالى، ويكون محلًّا للقبول والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر حظًّا ونصيبًا ممَّن يؤدي بعض الفرائض ويترك بعضها الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.