منذ عدة سنوات لم أشاهد فيلما مصريا ممتعا ومتكامل العناصر الفنية، مثلما شاهدت فيلم «رحلة 404» أو «القاهرة - مكة» سابقا، شاهدت سينما حقيقية تعيد للسينما المصرية ألقها، فى ظل سيطرة أفلام «التيك اوى» التى تبحث فقط عن شباك التذاكر، شاهدت فيلما يتميز بجرعة إبداعية، تقع فى غرامه من أول مشهد، وبالطريقة التى يتم بها الحكى، وتتفاعل مع الشخصيات التى تتحرك أمامك على الشاش. من خلال سيناريو كتبه محمد رجاء قبل حوالى 11 عاما وحصد من خلاله جائزة مؤسسة ساويرس كأفضل سيناريو عام 2014، كتب سيناريو بإحكام شديد وسرد التفاصيل بطريقة تجذب المشاهد لمتابعته حتى المشهد الأخير، ف «رحلة 404» يقدم حكاية لم تحك من قبل على الشاشة، وأنت تشاهده تجد نفسك متورطا فى قصته ولا تستطيع توقع أحداثه بفضل البناء الدرامى المتصاعد الذى يجعل المشاهد يلهث وراء الاحداث من مشهد لاخر . أحداث الفيلم باختصار شديد تدور حول غادة «منى زكى» والتى تستعد لأداء فريضة الحج بعد توبتها عن ماض ملوث عاشته، ولكنها تقع فى مشكلة طارئة قبل سفرها بأيام فلا تجد أمامها للخروج منها سوى اللجوء لأشخاص كانت تعرفهم أثناء ماضيها الملوث كانت قد قطعت علاقتها بهم بعد أن تابت، للحصول على مبلغ مالى كبير لحل أزمتها، فتجد نفسها معرضة لإغراءات وضغوطات للعودة لهذا الماضى اللعين فهل ستنجح فى الخروج الآمن؟ وتذهب لأداء فريضة الحج وتوبتها الحقيقية ؟ ظهرت منى زكى فى قمة عطائها الإبداعى وموهبتها المتفردة متقنة شخصية «غادة» بكل أبعادها النفسية ونقلت بصورة صادقة ومشاعر الدور بكل تفاصيله، فجاء أداؤها صادقا ومعبرا لتؤكد من خلاله انها تعيش مرحلة الوعى والخبرة والنضج الفنى. رغم المشاهد القليلة التى ظهر فيها بقية الابطال المشاركين «شيرين رضا، محمد ممدوح، خالد الصاوى، محمد فراج، حسن العدل»والذين يمثلون الماضى الملوث ل»غادة» إلا انهم ظهروا جميعا فى قمة تألقهم ملمين بكافة تفاصيل الادوار لدرجة الصدق. أما المخرج هانى خليفة والذى نبت من نفس الأرض الطيبة التى أخرجت»عاطف الطيب ورضوان الكاشف» - سوهاج- فقد عرفته منذ بداياته مخرجا موهوبا يمتلك رؤية فلسفية وثقافة فنية كبيرة، تجربته السينمائية والتى بلغت حتى الآن ثلاثة أفلام فقط»سهر اليالى، سكر مُر» والآن»رحلة 404» تمتاز بالجرأة الشديدة التى تصل إلى حد تحطيم كل النماذج السائدة من جمود وتقليدية، وهو مخرج متمرد يخلق دائما حالة سينمائية متفردة. محمد حفظى وشاهيناز العقاد منتجان مؤمنان بصناعة سينما حقيقية فى كل أعمالهما لذلك ليس غريبا عليهما أن يقدما «رحلة 404» ليستعيدا من خلاله تألق السينما المصرية من جديد.. وأخير برافو الرقابة على المصنفات الفنية خروج هذا الفيلم للنور.
