منذ اللحظة الأولى لإعلان وزير الدفاع الأمريكى لويد اوستن فجر الثلاثاء الماضى عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة فى البحر الأحمر ودخلت المنطقة برمتها فى تصعيد خطير يهدد أمنها واستقرارها، اطلق على العملية اسم «حارس الرخاء» وتضم القوة عشر دول فقط امريكا وبريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا ولعل الملاحظة الأولى أن واشنطن وجدت صعوبة فى إقناع العديد من الدول بالانضمام فعندما تم الإعلان عن بدء المشاورات كان المستهدف 36 دولة وافقت تسعة منها فقط ولكنها سعت إلى معالجة هذا النقص بالحصول على دعم حتى ولو معنويا بإدخال دول الاتحاد الأوربى والناتو والتى تصل عددها إلى 44 دولة فى القضية بالبيان المشترك بين الجانبين منذ اربعة ايام الذى ندد بجماعة الحوثى. ولعل هذا التطور جاء فى اعقاب اعلان جماعة الحوثى منذ حوالى اسبوعين عن استهداف اى سفينة فى طريقها إلى موانئ إسرائيل مهما كانت جنسيتها مشترطا للتوقف عن ذلك السماح بإدخال الغذاء والدواء والمساعدات الانسانية إلى الفلسطينيين وهددت الجماعة بأن تلك السفن ستصبح هدفا مشروعا لهم اذا لم يتم تنفيذ هذا الشرط وبالفعل نفذت الجماعة تهديداتها اكثر من مرة مع سفن من جنسيات مختلفة ومنها استهداف صاروخ باليستى اطلقته الجماعة لبارجة اسرائيلية فى باب المندب ومنها ايضا ما اعلنته القيادة المركزية الأمريكية سنتكوم ان صاروخا من طراز كروز مضاد للسفن اطلقته جماعة الحوثى اصاب ناقلة ترفع علم النرويج اثناء ابحارها قبالة اليمن كما تعاملت اسرائيل ودول أخرى بجدية مع تلك التهديدات وقامت بعض السفن الإسرائيلية ومن جنسيات أخرى لجأت إلى تغيير خط سيرها إلى رأس الرجاء الصالح والذى يزيد من مدة الرحلة إلى عشرين يوما عبر افريقيا ورأس الرجاء الصالح والبحر المتوسط مما اثر على حركة النقل فى ميناء ايلات بحوالى 85 بالمائة وفقا لما اعلنت عنه ادارة الميناء. اقرأ أيضاً| عقبات تمنع تطبيق سيناريوهات «اليوم التالي» للعدوان وتمثل الأزمة الحالية الخاصة بحرية الملاحة فى البحر الاحمر احد توابع العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة والقدس والمستمر منذ اكثر من شهرين ونصف الشهرحيث اعلنت جماعة انصار الله بشكل واضح دخول جماعة الحوثى -دون الدولة اليمنية- الحرب ضد إسرائيل يومها تعامل البعض مع ذلك على انه مزايدة سياسية ولكن مع استمرار العدوان الإسرائيلى بدأت الجماعة فى التحرك بعد اقل من اسبوعين من العدوان وتحديدا فى التاسع عشر من اكتوبر الماضى فى تنفيذ وعيدها من خلال اطلاق صواريخ بالستية باتجاه ميناء ايلات الإسرائيلى على البحر الأحمر وتطور الامر إلى استهداف السفن الإسرائيلية المارة من باب المندب إلى البحر الأحمر. وتنوعت ردود الفعل على تلك التطورات على أكثر من صعيد يمنى ودولى ونتوقف عند بعضها: أولا: كان من الطبيعى أن تسعى واشنطن إلى قيادة تحرك دولى لمواجهة تلك المخاطر خاصة بعد دخول الصومال على خط مهاجمة السفن فى حال توسيع نطاق الحرب وسبق لهم فى 26 من الشهر الماضى حاولوا الاستيلاء على ناقلة تابعة لرجل اعمال يهودى وخلال الأسابيع الماضية قامت بالبحث فى أفكار جديدة تتجاوز ما دأبت عليه من القيام بعمليات مراقبة وثيقة لممرات الشحن فى البحر الأحمر على الأقل منذ تصاعد عمليات جماعة الحوثى ضد اهداف خارج حدود اليمن ويبدو ان الموقف الأمريكى جاء فى تماهى او استباق لتحرك إسرائيلى كشفته تقارير صحفية بأن رئيس الوزراء نتنياهو ابلغ الرئيس الامريكى بايدن بانه سيتصرف عسكريا ضد الحوثى اذا لم يتم اتخاذ اجراءات بحقه وقامت اسرائيل بتعزيز وجودها فى البحر الأحمر وأرسلت سفينة حربية إلى البحر الأحمر ساعر 6 وكان وزير الخارجية الأمريكى قد صرح بأن هجمات الحوثى على السفن تشكل تهديدا كبيرا وهناك عقوبات تم فرضها لإضعاف تمويل الحوثيين ولا نستبعد العمل العسكرى فى المستقبل ومن جهته وفى نفس الاطار قام المبعوث الامريكى إلى اليمن تيم ليندر كينغ بجولة فى المنطقة بهدف تنسيق الجهود مع جميع الدول التى تؤمن بحرية الملاحة والمرور الآمن للتجارة العالمية حتى قام وزير الدفاع اوستن بالإعلان عن التحالف ويومها الحوثيون نفذوا 100 هجوم بمسيرات وصواريخ بالستية استهدفت 10 سفن تجارية على ارتباط بأكثر من 35 دولة وكان هذا نهاية للوساطة العمانية التى سعت لخلق جسر حوار غير مباشر بين الجماعة وأطراف دولية وفى القلب منها واشنطن وذلك لخفض التوتر ولعل من الملاحظات على هذا التحالف غياب دول عربية مهمة وبعضها يطل على البحر الأحمر عن التحالف ومنها مصر والتى تتبع استراتيجية واضحة بعدم المشاركة فى اى تحالفات من هذا النوع وسبق لها أن رفضت ذلك تجاه قضايا مختلفة كما ان السعودية تأخذ على امريكا انها لم تتدخل عندما كانت صواريخ الحوثى تستهدف مصالحها فى البحر الأحمر فى عام 2021 بل على العكس اتخذ بايدن قرارا بإلغاء تصنيف الحوثى كجماعة إرهابية. ثانيا: على صعيد الدول المتشاطئة على البحر الأحمر وفى القلب منها المملكة العربية السعودية خاصة أنها معنية بالملف اليمنى منذ عام 2014 ولعل الرياض صاحبة مصلحة كبرى فى التهدئة وعدم التصعيد وضبط النفس وقامت بتحرك نشط لدى الإدارة الأمريكية وتمثل ذلك فى الاتصال الذى تم بين وزيرى دفاع البلدين الأمير خالد بن سلمان ولويد اوستن وكان الوضع فى البحر الاحمر فى قائمة موضوعات البحث وعلى نفس المستوى جاء اجتماع وزيرى خارجية السعودية فيصل بن فرحان ونظيره الامريكى انتونى بيلكن على هامش مشاركة الوزير السعودى فى اجتماع مجلس الأمن الأخير وكان من الملاحظ تضمين البيان الصادر عن الاجتماع ترحيب الوزير الأمريكى بجهود السعودية لتأمين اتفاق سلام دائم فى اليمن وإطلاق حوار سياسى بين اليمنيين تحت رعاية الأممالمتحدة وضمان استمرار الجهات اليمنية على هذا الجهد فحقيقة الأمر فإن المملكة لا ترغب فى ان تنتقل الحرب فى غزة إلى حدودها الجنوبية فى حال القيام بأى هجمات اسرائيلية او امريكا على جماعة الحوثى بالإضافة فهى حريصة بالضرورة على ما قامت بإنجازه طوال الأشهر الماضية من جهود سياسية فى إغلاق ملف الحرب مع اليمن خاصة مع سعى المبعوث الأممى لليمن هانس غروندبرج انجاز مشروعه للسلام فى اليمن متنقلا بين السلطنة والرياض وفقا للخريطة المعدة والتى تحتاج الموافقة عليها وتحديد موعد التوقيع خاصة ان المناقشات عليها استغرقت عدة شهور جرى عليها تعديلات عديدة والتى سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل الاولى وقف اطلاق النار وصرف المرتبات وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة والثانية حوار وطنى بين كافة الاطراف والثلاثة يتم خلالها التهيئة للانتخابات وكافة القضايا العالقة وكان من المقرر ان يجتمع مجلس القيادة الرئاسى فى الرياض خلال الأيام القادمة للخروج بموقف نهائى من مسودة الاتفاق لتبدأ فى حال الموافقة عليها ترتيبات الأممالمتحدة لحفل التوقيع وهناك تقارير تتحدث عن ضغوط على الرياض لتأجيل التوقيع على الاتفاق خوفا من تقوية شوكتهم رغم حرص السعودية على سرعة التوقيع خوفًا من تدهور اكبر يجعل من احراز تقدم مستحيلا سياسيا على عكس موقفها السابق. على الصعيد اليمنى: الذى يشهد حالة انقسام شديد ومواجهات عسكرية بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثى منذ عام 2014 وكان من الواضح ان الحكومة الشرعية ابقت على مسافة بينها وبين التحالف العسكرى الذى اعلنت عنه امريكا ولم تنضم اليه بعد الانباء التى اشارت بأن الحكومة تلقت دعوة من واشنطن للمشاركة فى التحالف الدولى وعادت وزارة الدفاع اليمنية إلى نفى هذه الانباء وقالت ان مثل هذه القرارات وهى من اختصاص المؤسسات العليا للدولة وكان من اللافت تصريحات العميد وضاح الدبيش المتحدث باسم المقاومة الوطنية اليمنية قال: قادرون بإمكانياتنا وبقواتنا البحرية من حماية طرق الملاحة فى البحر الأحمر وبحر العرب وبحكم سيطرتنا على جزر مهمة تقع فى المنطقة جزر زقر وحنيش وكشف عن تنسيق واستمرار التواصل والتنسيق مع قيادة التحالف الذى تقوده السعودية وكذلك التحالف الدولى لتأمين خطوط الملاحة او قوة المهام المشتركة 153 وان كان قد اشترط عدم وجود اسرائيل فى مثل هذا التحالف وتعددت التحركات على اكثر من صعيد منها الزيارة التى قام بها عيدروس الزبيدى عضو مجلس القيادة الرئاسى اليمنى ومعه وزير الدفاع منذ ايام بزيارة محافظة باب المندب وجزيرة ميون على البحر الاحمر والتى هدفت على التأكيد على ان هذه المناطق الحيوية الواقعة فى احدى الممرات المهمة فى العالم تمثل جزءا سياديا من الوطن وسوف تحميها الشرعية وتدافع عنها وأن اليمن سيعمل مع الأشقاء العرب والأصدقاء فى التحالف الدولى لحماية هذه المناطق وأظهرت الأزمة حالة ارتباك داخل صفوف الشرعية ويبدو ان الفائدة الوحيدة التى ستجنيها الحكومة الشرعية انها تلقت من اكثر من جهة منها واشنطن تأكيدات بتزويدها بزوارق مدفعية. على الصعيد الإيرانى: من المؤكد ان إيران طرف اصيل فى التطورات فى المنطقة وقد لمحت العديد من التصريحات الامريكية إلى وجود دعم ايرانى لجماعة الحوثى وتشجيع من طهران للقيام بهذه العمليات رغم النفى الايرانى اكثر من مرة ولكن الموقف تطور ما قبل اعلان قيام واشنطن المشاورات الخاصة بشأن التحالف الدولى وما بعده وفى البداية ردا من وزير الدفاع الايرانى رضا اشتيانى الذى حذر من المقترح وقال ان مثل هذا التحالف قد يواجه مشكلات استثنائية وقال صراحة لا يمكن لا احد ان يتحرك فى منطقة نهيمن عليها وهى خاصة بدولها وقال ان المنطقة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الصراعات وأن الجانب الأمريكى لا يمكنه القيام بمثل هذه الخطوة وشهدت مرحلة ما بعد الاعلان تصعيدا وردود فعل من الحليفين ايران فقد اشار على شمخانى مستشار المرشد الاعلى إلى ان اى دولة ستنضم إلى التحالف هى مشاركة فى قتل الاطفال فى غزة وكشف قائد بحرية الحرس الثورى عن انشاء وحدة بحارة متطوعين لتنفيذ عمليات فى الخليج مزودين بسفن مسلحة ومن جهة جماعة الحوثى وهى طرف اصيل فى الازمة فقد حاول زعيم الجماعة عبدالملك الحوثى التأكيد على ان الاستهداف فقط مقصور على السفن الاسرائيلية والمتجهة إلى موانيها فقط من جنسيات أخرى وقلل من اهمية التحالف الدولى وتوعدها بمصير مشابه لما حدث لواشنطن فى افغانستان وتوعد بمهاجمة المصالح والوجود البحرى الامريكى فى المنطقة فى حال استهداف جماعته وقال لسنا ممن يخضع للتهديدات الامريكية بالحروب المباشرة فنحن عانينا كثيرا منها وقال اى استهداف امريكى سنستهدفه هو وسنجعل البوارج والمصالح الامريكية هدفا لصواريخنا وطائراتنا المسيرة وعملياتنا العسكرية ودعونا نتفق على ان الطرفين الايرانى والامريكى حريصان على عدم وصول الخلافات بينهما إلى مواجهة عسكرية مباشرة باعتبار انه ليس هو الخيار الأفضل لواشنطن. ومع ذلك فإن المنطقة تمثل برميل بارود قابلا للاشتعال يحتاج فقط إلى إشعال ثقاب كبريت.