وانتهى كما يبدو للمراقبين عن كثب للتطورات والأحداث السياسية العالمية ، "القرن الأمريكي" ، أو فى طريقه إلى الزوال. هناك شواهد كثيرة ومتعددة ، تؤكد على هذا الأمر ، منها الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان ، ثم الهزيمة المنكرة حتى الآن لحلف الناتو ومن ورائه أمريكا فى معركة روسيا وأوكرانيا ، ومنها أيضا ما حدث من تعاظم للنفوذ الصينى ، ووصوله إلى أنه أصبح قطب دولى ولاعب رئيسى وأساسى فى السياسة العالمية. هذا على المستوى الخارجي. أما على المستوى الإقليمى، فقد شاهدنا ولأول مرة القمة العربية الصينية ، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد غياب 12 عاما، رغم أنف الأمريكان الذين كانوا يعارضون بشدة هذه الخطوة . فضلا عن تزايد التناقضات وتعارض المصالح بين دول الاتحاد الأوروبى وأمريكا في العديد من المواقف. وبعيدا عن الواقع الدولي والعالمي المضطرب والمتغير، فإننا بنظرة فاحصة إلى الداخل الأمريكى ، وجدنا تبادل الاتهامات بين الرئيسين الأمريكيين، السابق ترامب، والحالي بايدن، بالاحتفاظ في منزليهما بمئات من الوثائق السرية بالمخالفة الصريحة للقانون. فضلا عما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، وما شاهدناه فيها على الطبيعة من تجاوزات وأعمال شغب وأحداث غير مسبوقة ، يؤكد أن القرن والنفوذ الأمريكى إلى زوال، وأن العالم يتشكل من جديد، وقد يكون بالتأكيد عَالَما مختلِفاً. إنه على الأقل سوف يكون متعدد الأقطاب، ولن يقتصر على "أمريكا" كقطب أوحد، والتى إنفردت بقيادة العالم كله والهيمنة والسيطرة عليه من 1990 مع سقوط الإتحاد السوفيتى ، وربما إلى سنة 2014 مع إستيلاء روسيا الإتحادية بقيادة الرئيس بوتين على شبه جزيرة القرم ، وضمها لبلاده . أى أن أمريكا إنفردت بقيادة العالم على مدار 24 سنة كاملة. الواقع الذى نعيشه جميعا ونحن في الربع الأخير من عام 2023 ، يقول ببساطة وبصراحة ، أن جمهورية الصين الشعبية والتى تمتلك علاقات طيبة وقوية مع 130 دولة فى العالم ، وهو رقم قياسى بكل المعايير، يعكس أنها أصبحت قوة فاعلة وتدخل من باب الإقتصاد ومن باب المساعدات لكل هذه الدول، دون أى نوايا أو ميول استعمارية. الصين تتقدم وتدخل إلى مساحات هائلة وشاسعة فى العالم أجمع ، معتمدة على قوتها الاقتصادية الهائلة ، واستثماراتها الضخمة ، وكثافتها البشرية غير العادية ، وامتلاكها لثروة عددية ضخمة من العلماء والخبراء المتخصصين فى كافة المجالات ، وتحالفاتها مع دول قوية مثل كوريا الشمالية والهند وروسيا ، ودول أخرى أقل قوة ولكنها تملك الكثير من الأوراق مثل إيران وفنزويلا وكوبا وجنوب أفريقيا ، فضلا عن امتلاكها قوة نووية وصاروخية. كل هذه الأمور تؤكد أن القرن الأمريكي إلى أفول، والقرن الصينى الروسى الهندى وربما الأوروبى يبدأ في التشكل والظهور والبزوغ، ويؤكد أننا بصدد مرحلة تاريخية جديدة ، تُكتب ملامحها الأولية فى نهايات الربع الأول من القرن الحادى والعشرين. عموما نهاية القرن الأمريكى وبدايات قرن جديد، قد لايكون صينيا بالضرورة، ولكنه سوف يكون بالتأكيد، متعدد الجنسيات والأقطاب. حقا الدنيا تتغير لصالح شعوب البشرية جمعاء، بعيدا عن هيمنة الكاوبوي الأمريكي على مقدرات الشعوب. الأحداث ساخنة، وستزداد سخونة مع احتدام الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، والتى قد تكون نقطة فاصلة، خاصة فى ظل تصاعد وتعاظم دعوات اليمين الأمريكي المتطرف، وما يُسمى بالقوميين الأمريكيين، الذين يطالبون بإحياء ما يسمى بالقومية والشخصية الوطنية الأمريكية، وانكفاء بلادهم على ذاتها وابتعادها عن الإنغماس فى الصراعات الدولية ، حتى لو أدى الأمر إلى تقسيمها إلى أربع دول كبرى. فعلينا أن نتابع ونراقب التطورات والمفاجآت على كافة المستويات فى قرن مضطرب ، سيشهد تحولات تاريخية جذرية عميقة. [email protected]