محمد عطية انتهى عصر التسول بالدعاء والاستعطاف المباشر، كأن يلتقيك المتسول في الشارع أو على المقهى وجها لوجه، ويطلب أن تعطيه مما أعطاك الله، او يرجمك بكيس مناديل أو بضع ملبسات في المترو أو الأتوبيس، وبدأت ظاهرة جديدة تبعًا للتطور التكنولوجي، الذي يستغله البعض أسوأ استغلال، فتجد "بوست" يطلب فيه صاحبه المساعدة لتوفير مصاريف العلاج، وأخرى تحتاج طعامًا وملابس المدرسة او العيد لأطفالها. أخبار الحوادث خاضت المغامرة في صفحات السوشيال ميديا، وكشفت الكثير من النصابين، وكذلك صدود الكثيرين عن مساعدة حتى المحتاج الحقيقي، بعد أن توصلوا إلى حقيقة مهمة وهي أن المحتاجين الحقيقيين لا يطلبون أبدًا، وهم من تنطبق عليهم القول الكريم "وتحسبهم أغنياء من كثرة التعفف".. حتى التسول لم يغفل ممارسوه عن استحداث أساليب جديدة وسيناريوهات تتناسب والتطور التكنولوجي، عبر استغاثات بدعوى الفقر والمرض، أو الاحتياج للطعام والشراب والمأوى، نحن إذن أمام نوع آخر ووسيلة جديدة من التسول؛ تتمثل في»التسول الإلكتروني» الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، والمثير في الأمر أن المتسولين من هذا النوع يمارسونه بحسابات حقيقية أو وهمية وأرقام هواتف غير حقيقية. بدأت «أخبار الحوادث» التجوال عبر تطبيقات السوشيال ميديا المختلفة، في البداية استوقفنا فيديو مدته دقيقة تقريبًا على تطبيق تيك توك لشخص في أواخر العقد الرابع من العمر يدعى «سيد» يبكي بالدموع ويستعطف الناس قائلاً: والله ولله والله وانا سايبها على ربنا وباقول يا رب ومش طالب منك غير أن يحسن ختامنا ويرزقني برزق عيالي .. كل واحد شاف الفيديو دا لو سحمتوا ارجوكم جمعوا اصحابكم واخواتكم وكل اللي تعرفهم .. عايز كل انسان بيسمعني يبقى لي قلب .. عشان مجيش فلحظة امد ايدي لحظة واقوله لو سمحت عيالي محتاجين وانا بعامل كل الناس بالخير وبقلب طيب .. بس بالله عليكوا شاركوا الفيديو دا مع صحابكم .. بالله عليكم ارجوكم عايز صفحتي على فيس بوك أو»تيك توك» أو في اي مكان عايز ناس كتير عليها وتشجعنا وتدعمنا .. ليختم حديثه بالفيديو قائلاً : والله اقسم بالله ما طالب غير الرزق الحلال لعيالي». عندما تشاهد الفيديو ربما تتساقط دموعك، ويرق قلبك بل ستفكر عشرات المرات كيف تساعد الرجل وأسرته وأطفاله وأنت تراه يبكي من أجل لقمة عيش حلال لهم، لكن بانتهاء الفيديو ظهر لنا بعدها فيديو آخر له وهو يرتدي جلبابًا ويربط حول جسده طرحه ويرقص على الأغاني، وفيديو آخر وهو يرتدي نص بدله والنص الآخر مايوه وبيده كرة ويرقص، بدأنا بالبحث داخل صفحته الشخصية لنجد فيديوهات رقص له وبرفقته اطفاله وزوجته ووالدته والعديد من الفيديوهات الهابطة غير اللائقه بمجتمعنا المصري، ويظل سؤال الجميع لمستخدمي تلك التطبيقات أيا كانت الظروف ما الذي يدفعك لتفعل الشيء ونقيضه، وتهين نفسك بهذا الشكل؟ واصلنا البحث في بعض صفحات السوشيال ميديا، وبمجرد دخول بعض الصفحات والجروبات تجد نفسك واقفا بشارع ممتلئ بالكثير من المتسولين فداخلها الكثير من الصفحات الشخصية بدون صور يطلبون مأكل ومشرب وملبس وفي الحقيقة مازال المواطن المصري معروف بلين قلبه وشهامته وبتقديم الخير للغير فتجد الكثيرون يطلبون العنوان من أجل توصيل المطلوب، لكن اغرب صفحة شخصية كانت باسم «هدى ع» التي تتوغل بالكثير من الصفحات المختلفة مثل جروب «شبرا الخيمة» وجروب «مملكة الزاوية الحمراء» مطالبة بأكل وملابس لأطفالها. استوقفتنا تعليقات بعض الاشخاص التي تحذر من نصب هؤلاء المتسولين، كما يقول صاحب أحد التعليقات: طلب مني أحد الأشخاص التبرع بمبلغ مالي كبير، لمساعدة مريض سرطان في شراء بعض الأدوية، وبالفعل تعاطفت معه بشدة، لأن والدتي توفيت بنفس المرض، وبدون تفكير حولت هذا المبلغ على إحدى شركات الاتصالات وحاولت التواصل معه مرة أخرى ولكن هذه المرة بنفسي، وطلبت الذهاب للحالة ومتابعتها في محاولة لتوفير متطلباتها، ولكني اكتشفت بعدها زيف وتحايل طالب المساعدة، بعد رفضه تزويدي بالمعلومات اللازمة عن اسم وعنوان المريض. وآخر يقول: منذ فترة انتشر «بوست» مناشدة من إحدى السيدات لتوفير الطعام لأطفالها، وتؤكد أنها أرملة وكانت تعمل وتحارب الظروف من أجل توفير متطلبات أطفالها، ولكنها فصلت من العمل بسبب أزمة كورونا، وتراكم عليها إيجار مسكنها لعدة أشهر، ولم تعد تستطيع توفير النفقات الأساسية لأولادها، وبالفعل تعاونت مع مجموعة من الأصدقاء، ووفرنا لهم وجبات طعام والبعض أرسل لها ملابس وقتها شعرنا بالسعادة، لكن بعد فترة بسيطة وفرنا لها فرصة عمل مناسبة وتواصلنا معها، لكن فوجئنا بها تثور علينا وترفض العمل، وطردتنا من منزلها، وبالسؤال عن ظروفها اكتشفنا أنها كانت تخدعنا، فزوجها موجود معها ولم يمت كما ادعت، وأنها كانت تستقبلنا في غرفة حارس العمارة، لكي نرى الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها، بل وفوجئنا بأنها تملك العمارة، ولديها رصيد كبير في أحد البنوك، فمنذ ذلك الوقت لم تعد لدي أي ثقة بأي شخص يظهر على مواقع السوشيال ميديا؛ فقد صارت فخًا يقع فيه فاعلو الخير.