كأن أحداً لا يريد أن يستوعب الدروس..وكأن كل كوارث الدنيا مازالت عاجزة عن إجبار الجميع لكى يعودوا لإنسانيتهم، ولكى يبذلوا جهودهم لكى يكون الكون أكثر عدلاً وتكافلاً بين الجميع!!. فى ظل الأزمة الطاحنة التى يعيشها العالم وهو يواجه وباء «كورونا» ويبحث عن النجاة، كان طبيعياً أن يدرك الجميع أن الخطر واحد وأن الخلاص لابد أن يكون مشتركاً.. ومع الحديث عن الجهود للتوصل إلى «اللقاحات» الضرورية للمواجهة، كان الحديث أيضاً عن ضرورة أن يصل اللقاح للجميع، وألا تستأثر الدول الغنية به خاصة بعد أن أدركت أن الحدود لا تقف أمام الوباء، وأن المصير واحد مهما كانت الفوارق. ومن هنا كان الإعلان عن برنامج عالمى يضمن أن يصل اللقاح حين توافره إلى الجميع، وأن تنال الدول الفقيرة حصتها منه. لم يكن المطلوب كثيراً.. بضعة مليارات من الدولارات تضمن -ضمن مبادرة أطلق عليها «كوفاكس»- وصول 2 مليار جرعة من اللقاح إلى الدول الفقيرة حتى نهاية العام القادم. الآن.. ومع بداية استخدام اللقاحات بالفعل تعلن منظمة الصحة العالمية أن البرنامج المقترح مهدد بالفشل وأنه لا صفقات مؤكدة حتى الآن وتعيد الأسباب إلى نقص التمويل وإلى مخاطر الإمداد ونقص الاستعدادات لاستقبال اللقاحات ونقلها وإلى عدم اكتمال التعاقدات فى وقت تم بالفعل حجز 9 مليارات جرعة من اللقاحات من بين 12 مليار جرعة ينتظر أن تكون إجمالى الانتاج العالمى حتى نهاية العام القادم!!. على الجانب الآخر تبدو المفارقة صارخة ولأسباب عديدة تتخذ الدول الثرية كل الإجراءات لتضمن مخازنها ما هو فوق حاجتها «!!».. فى الولاياتالمتحدة بلغت التعاقدات أكثر من 200 مليون جرعة ومنع التصدير إلا بعد استيفاء كل الاحتياجات المحلية وفى فرنسا تم الإعلان عن شراء كميات موازية «200 مليون» لأقل من سبعين مليون مواطن والأمر ليس استثناء حتى فى ظل وجود نسبة كبيرة من مواطنى الدول الغنية مازالوا يتشككون فى اللقاحات أو يمتنعون عن التعامل معها!!. هناك بالطبع أسباب لتبرير ذلك يبدو بعضها منطقياً عند من يملك فبعض اللقاحات التى تم التعاقد عليها مازالت تحت التجربة.. والاحتياط واجب، وبعض اللقاحات معرضة للهدر بسبب صعوبة التخزين أو النقل، وبعضها قد يوقف استخدامه لأسباب علمية فى أى وقت وكل هذا مقبول لو كان هناك الحد الأدنى من العدل مع شعوب الدول الفقيرة ولو تم الوفاء بالوعود لبرنامج لم يكن سيحصل إلا على أقل من 10٪ من الإنتاج العالمى على مدى عام كامل لمليارات من البشر لن يصل لهم اللقاح وفقاً للتقديرات الجديدة لهيئة الصحة العالمية إلا فى 2024(!!). منذ البداية كشفت جائحة «كورونا» عن عجز الأنظمة الصحية حتى فى الدول الغنية المتقدمة عن التنبؤ بالكارثة أو الاستعداد لمواجهتها كما كشفت عن هشاشة التعاون الدولى فى هذا المجال.. فى عام الأزمة ظل الأمل يتزايد فى تلافى الأخطاء وفى مزيد من التكافل فى وجه الكارثة التى شاء الحظ السيىء أن تدهم العالم فى ظروف صراعات دولية، وأزمة اقتصادية واسعة وتوجهات تقود العالم إلى مزيد من السياسات الانعزالية ودعوات الانغلاق والعنصرية. ومع ذلك يبقى الأمل دائماً أن تفرض الحقائق نفسها على الجميع، وأن تكون التجربة الأليمة مع «كورونا» مدخلاً لتصحيح الكثير من الأوضاع التى جعلت العالم أكثر حظاً وأقل قدرة على مواجهة التحديات والتى مازالت حتى الآن - للأسف الشديد - تترك على الفقراء أن يسددوا فواتير كل أخطاء العالم!!.