اليابان هى الحل!.. هكذا قلت لزوجتى وأنا أمسك مجلة رياضية كنت قد قرأت فيها تقريرا مصيريا بالنسبة لى. اندهشت زوجتى كعادتها وشعرت أننى ربما أكون على وشك حالة من حالات الهلاوس السمعية والخزعبلات البصرية التى ترى أنها تنتابنى كثيرا فى الأيام الأخيرة وأهم أعراضها أنها كثيرا ما تضبطنى أكلم نفسى والأخطر من ذلك أننى ناديتها أكثر من خمس مرات بكلمة حبيبتى على مدار الثلاث سنوات الأخيرة تقريبا وهو ما ينذر بتدهور حالتى. لا بأس فقديما قال العبقرى ألبرت اينشتاين: لو مر عليك أسبوع كامل دون ان يشك أحد انك مجنون فهذا يعنى أنه ليس لك أى تأثير فى العالم المحيط بك! أوشكت زوجتى أن تقوم من جوارى دون أن تعلق فعاتبتها: لماذا لا تردين علىَّ؟ ألهذه الدرجة كلامى لا يعنى شيئا بالنسبة لك؟ فجلست من جديد على مضض وهى تقول: أبدا يا حبيبى ولكن سمعتك تقول اليابان هى الحل فظننتك تكلم نفسك ولا تكلمنى أنا، فأشرت لها بما يعنى أن كلامى موجه إليها فطلبت منى أن أشرح لها معنى العبارة فقلت بثقة: قررت السفر لليابان، فسألتنى: أهى مهمة صحفية جديدة؟ فقلت لها: لا لا لا، وداعا للصحافة بعد اليوم، سأذهب لكى أحترف كلاعب كرة قدم فى نادى يوكوهامااليابانى. صمتت زوجتى برهة وكأنها غير مصدقة لما تسمع ثم نظرت إلى شعر رأسى قائلة: هذا هو ما كنت أخشى عليك منه فقد ظننت أن من يخف شعر رأسه حتما سيجىء اليوم الذى يخف فيه دماغه الذى كان هذا الشعر يستره. كرة قدم بعد هذا العمر؟ تالله إنك لفى ضلالك القديم.. ألا تعرف عمرك يا رجل؟ كنت أظنك تبحث عن فرصة فى الخارج لتحسن بها مستوانا المادى ونحن مقبلون على مرحلة زواج البنات، لقد تخطيت الخمسين بسنوات ولم تمارس كرة القدم منذ ثلاثين عاما على الأقل ولاتزال تفكر فى لعب الكرة؟ لم أشأ أن أرد عليها بكلام تقليدى لكنى عدت فأمسكت بالمجلة وأنا أقرأ لها كيف أن اليابان دخلت موسوعة جينيس ريكورد فى أعمار اللاعبين حيث يوجد منهم الكثير فوق الخمسين ولا يزالون يلعبون فى أندية الدرجة الأولى ويمثلون اليابان فى بطولات عالمية وساهموا فى حصد كثير من الألقاب بل إن نادى يوكوهاما تعاقد مع نجمه «كازيوشى ميورا» الذى يبلغ عمره حاليا اثنين وخمسين عاما منذ عشر سنوات أى عندما كان فى الثانية والأربعين والرجل أبلى ولا يزال يبلى بلاء حسنا لدرجة أن النادى يفكر فى تجديد عقده خاصة بعد أن صرح النجم بأنه لن يعتزل قبل الستين! والأهم من كل ذلك أن جماهير كوكب اليابان تحترم كبار السن من اللاعبين ولا تهاجمهم أو تسخر منهم إذا تراجع مستواهم كما يحصل هؤلاء اللاعبون على رواتب مرتفعة جدا تقديرا من الأندية لهم على طول عطائهم فى الملاعب. ألا ترين كيف يقدر اليابانيون المواهب ويدعمونها؟ إنها فرصتى التى كنت أنتظرها طوال العمر وحرمتنى منها الصحافة فلماذا لا أبدأ من جديد؟ ألا تحبين أن يكون لدينا مو صلاح فخر العرب فى انجلترا ومو هشام فخر العرب فى اليابان؟ فسألتنى: ولكنك يا زوجى لست قصيرا ولا صاحب عينين ضيقتين مثل اليابانيين، فقلت لها: هذه مسائل سهل علاجها فى كوكب اليابان ثم هل نسيتِ أنك كثيرا ما اتهمتنى بقصر النظر وضيق الافق؟ هناك فى اليابان ممكن بعملية بسيطة تحويل قصر النظر لقصر فى القامة وضيق الأفق لضيق فى العينين، اتركينى اسافر ولا تحرمينى من تلك الفرصة وكل ما عليك فقط تجهيز الشنطة. فقالت: فليكن ولكن دعنا ننتهِ من طعام العشاء وسأقوم بتحضير ما سوف تحتاجه فى رحلتك لكوكب اليابان. بعد العشاء بساعة كانت زوجتى تقوم بتحضير الشنطة ولاحظت أنها كانت تتكلم همسا فى التليفون ثم قالت بثقة: الشنطة جاهزة يا كابتن.. فى الوقت الذى رن فيه جرس الباب ففتحت الصغيرة كلمات وعادت مسرعة تقول: بابا فيه اتنين ممرضين معاهم بالطو أبيض بيسألوا عن مو هشام فخر العرب فى اليابان!
