على بعد أمتار من نقابة المحامين بوسط القاهرة، وعلى رصيف دار القضاء العالي، افترشت سيدة في ربيعها الثلاثين، الأرض، بعد أن حملت رضيعتها بين يديها.. ظهر الشقاء على ملامحها ووجهها الذي لفحته الشمس، وجلست على ملاءة حاملة صغيرتها، ومنهمكة في تلميع أحذية المارة من أجل لقمة العيش. منال مصطفى، 37 عاما، تلك السيدة التي تستحق عن جدارة لقب «المرأة الحديدية»، اضطرتها الظروف إلى الانتقال بين أرصفة وسط البلد، لممارسة مهنة الرجال من أجل اللقمة الحلال، رغم أنها تعيش بكلية واحدة، بعد تبرعها بكلية لوالدتها المريضة. اقتربت « بوابة أخبار اليوم » من «منال» بعد أن حاولت البحث عن بؤرة ظل تحتمي أسفلها من أشعة الشمس الحارقة، بصحبة «صندوقها الخشبي» وأداة التلميع وكذلك الورنيش، مع قطعة قماش بالية، وفتحت لنا قلبها، قائلة: «اسمي منال مصطفى، 37 عامًا عايشة في بولاق، بلمع جزم في وسط البلد، وبتنقل بين الأرصفة من 5 سنين عشان لقمة العيش، هو عمل شريف، ومش عيب». وعن رحلتها اليومية من البيت إلى الرصيف، تقول «منال»: «بخرج كل يوم من البيت في بولاق من 5 الفجر ومعايا الصندوق والورنيش والمنشفة، بوصل الرصيف 6 صباحًا، واقعد في مكاني أشتغل لحد 6 المغرب». أما عن سر خروجها وعملها في تلك المهنة الشاقة، ردت قائلة: «جوزي مريض بفيروس سي وبيتعالج، وعندي 3 أطفال بصرف عليهم، أكبرهم مروة في أولى ابتدائي، ومحمد 4 سنوات، والبنت الصغيرة سنة ونصف». وتابعت: «فكرت في تلميع الجزم بعد تمكن المرض من زوجي، وتهديد صاحب الشقة لنا أكثر من مرة بالطرد بسبب عدم قدرتنا على دفع الإيجار». وأوضحت أن شقتها المكونة من «أوضة وصالة» تفتقر أبسط مقومات الحياة، وأنها بحاجة إلى «بوتاجاز وأنبوبة» حتى تستطيع من خلالهما إعداد «طبيخ» لأطفالها، كما تحتاج إلى «غسالة» تريح يديها التي لا تهدأ. وعند سؤالها عن حصولها على معاش «تكافل وكرامة»، ردت غاضبة: «قالونا اعملوا بحث اجتماعي، عملته وقدمت الورق بس محدش عبرنا، احنا حالتنا تصعب على الكافر، ولا معاش ولا حاجة تسد جوع عيالي» على حد وصفها. وكشفت «ماسحة الأحذية» أن أبرز ما يعوقها أثناء عملها، هي حملات البلدية، مضيفة: «الحكومة بتاخدني وتعملي محضر تسول، أنا بأكل عيش بالحلال مش بتسول». وفي نهاية حديثها، قالت «منال»: «5 سنين شغاله، الزباين بتساعدني، والرزق على الله».