أكد السفير د. محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر والتي استغرقت خمسة أيام ستؤرخ لواقع عربي جديد قادر على مواجهة تحديات الإرهاب وتلبية الطموحات الاقتصادية والتنموية. وأضاف أن الزيارة ستعمل على تحقيق الاستقرار وحل المنازعات القائمة في المنطقة، والتصدي للقوى الإقليمية الساعية للتوغل وفرض النفوذ على المنطقة العربية. وقال السفير حجازي إن التعاون والتنسيق الأمني والعسكري بين القاهرةوالرياض والمناورات المشتركة بهدف بناء تحالف إسلامي قوي ضد الإرهاب، سيقود إلى تأسيس قوة عربية مشتركة تكون ساعد الأمة العربية لاستعادة قدراتها على الردع ومواجهة المخاطر وأنشطة الإرهاب والجريمة المنظمة، وإن هذا الوعي الاستراتيجي استلزم التعامل مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر لتحقيق الاستقرار فيها، ودعم مشروعها الوطني الطموح بما يؤهل البلدين معا لبناء واقع عربي جديد قوي وطموح ومتماسك. وأضاف إن تلك الرؤية كانت مصدرا لما أحيطت به الزيارة من مشاعر الارتياح والحفاوة والتفاؤل بالمستقبل، ليس في القاهرةوالرياض وحدهما ولكن عبر المنطقة العربية وخارجها في الأوساط المتطلعة للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، الذي بات مصدرا للتهديدات الإرهابية وتدفقات اللاجئين وتهريب البشر والسلاح والجريمة العابرة للحدود، بما يهدد مصالح دول كثيرة في أوروبا وخارجها. وأوضح السفير حجازي أنه في إطار الفهم الواعي لأهمية نجاح التجربة الاقتصادية التنموية في مصر كركيزة لاستقرارها، وقدرتها إلى تلبية احتياجات المشروع القومي العربي المنشود، جاءت حزمة الدعم والمساندة والتي شملت أكثر من ٢٧ اتفاقية ومذكرة تفاهم، كان أبرزها مشروع جسر الربط بين البلدين، وصندوق الاستثمارات المشترك، ومشروع تنمية سيناء والمناطق الصناعية بقناة السويس والفيوم، وبناء مدينة البعوث الإسلامية، وتطوير القصر العيني، علاوة على مشروعات في مجالات البنية التحتية والربو الآثار والصحة والتعليم ، وبقيمة إجمالية تجاوزت ما يزيد عن ٢٥ مليار دولار، إلى جانب صندوق الاستثمار المشترك ١٦ مليار دولار بالتساوي بين الجانبين. وتعليقا على ما أثير بشأن إعادة جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية بموجب اتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين، أكد السفير حجازي أن الموضوع قانوني حكمته مداولات فنية متخصصة على مدار ست سنوات من العمل المتواصل، وأن الاتفاق سيعرض على مجلس النواب للتصديق عليه، مما سيتيح نافذة من النقاش الموضوعي المتخصص من خبراء معنيين بالملف، ملمين بأبعاده القانونية والإستراتيجية والتاريخية. وقال إن أي نقاش في الموضوع يجب أن يدور في إطار الثقة الكاملة في وطنية القيادة المصرية وكفاءتها في إدارة الملفات الوطنية والمحافظة عليها، كما أن المملكة السعودية كانت وستظل سندا لمصر وداعما لها شعبا وقيادة عبر السنين، وليس لديها سببا يجعلها تتطلع لأخذ أرض وحق ليس لها. وأعرب حجازي عن تطلعه لأن تكون الجزيرتان مستقبلا عامل ربط استراتيجي بعد إتمام مشروع جسر الصداقة والتنمية بين البلدين، ودعا لاستمرار الحكومة وجهات الاختصاص رسميا وإعلاميا في تقديم الأسانيد وشرح الخلفيات التاريخية والدفوع القانونية والتي أزالت كثيرا من اللبس الذي أحاط بالموضوع، وكان بحاجة منذ البداية لأن يقدم بشكل واضح للرأي العام المتطلع للاطمئنان فقط. وأضاف إن ما سيتم بحثه داخل جلسات مجلس النواب سيزيد من استجلاء وإيضاح الأبعاد القانونية والتاريخية للموضوع، بما يبدد المخاوف ويؤسس لعلاقات أوثق بين مصر والسعودية. وأوضح حجازي أن ما أظهرته القاهرةوالرياض من قوة وقدرة واستعداد للتعاون الاستراتيجي والأمني والعسكري سيمكنهما من إدارة حوار جاد مع القوى الإقليمية لتعيد التفكير في سياستها التي قادت لمعاناة وحروب باتت تهدد كيان الدولة القومية، وتزيد من مخاطر الإرهاب وتدفع للوقيعة المذهبية بين السنة والشيعة ، وأن الخيارات الآن باتت محددة، فنحن أمام واقع عربي جديد يتجه للاستقرار والتماسك، تتآلف فيه دوله ومراكزه الاستراتيجية خاصة ما بين القاهرةوالرياض، بما يسمح بصياغة علاقات مستقرة مع دول الأطراف مثل إيران وتركيا مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وعدم التحريض أو دعم قوى الإرهاب ، وبمجمل هذه المبادىء والأعراف الدولية يمكن للشرق الأوسط وفي القلب منه المنطقة العربية ، أن يحقق استقراره لينطلق في منظومة تعاون وتنمية لمصلحة الجميع. واستطرد السفير حجازي موضحا أن تقييم الزيارة لا ينبغي أن يغفل الرسائل والدلالات المتعددة لوقائع برنامج الزيارة ذاته ، فهمي قد امتدت لخمسة أيام وفى ذلك تأكيد على أهمية المقصد وأمان بلد الضيافة والرغبة فى التأكيد قربها المعنوي والعاطفي من قلب الزائر وزيارته لنواب الشعب في مجلس النواب هو تواصل مع الملايين من أبناء مصر عبر برلمانهم ، وقال " إن ذلك يؤكد العمق الشعبي للزيارة ودرجة الترحيب بها ". وأشار إلى زيارة خادم الحرمين للأزهر الشريف ولقاء شيخ الأزهر قلعة العلم والتنوير ومنارة الإسلام المعتدل ، وقال " إن الزيارة تعبير عن أهمية تلك المؤسسة واتفاق الفكر والمنهج لمواجهة التطرف الفكري والإرهاب ، ودعم رسالته عبر تأسيس مدينة البحوث الإسلامية الجديدة ". وتابع قائلا " إن رمزية الزيارة تمتد فى لقاء قادة الكنيسة والبابا تواضرس الثاني في تأكيد على أن المواطنة هى أساس العلاقة وأن الدولة المدنية العصرية هى مدخلنا للمستقبل وأن لقاء الرياضوالقاهرة لا يستند لأبعاد مذهبية وأننا لن نسقط فى شرارة الفتن الطائفية أو ما يحاك للمنطقة لتحريض أصحاب الديانات والمذاهب وتأليبهم ضد بعضهم البعض ، فاللدين مكانته وهو أداة للربط والتآلف بين أصحاب الوطن الواحد " في سياق آخر ، قال السفير " إنه للتأكيد على أهمية التعليم في مستقبل الأمم جاءت زيارة العاهل السعودي لجامعة القاهرة ، ومثلت زيارته للقصر العيني لفتة تخص أبناء الشعب المصري ممن يستفيدون من هذا الصرح الطبي والتعليمي المتميز ولمس مشروع تطوير القصر العيني بالفعل مشاعر طبقات الشعب المختلفة" . وأضاف " لم يكن هناك أبلغ من دعم مشروع تطوير سيناء وبمشتملاته التعليمية وإنشاء جامعة الملك سلمان ، والطرق والمدن السكنية والزراعية إلا عن إدراك واع بأن التنوير والتعليم والتنمية هي أدواتنا لمواجهة الإرهاب والفكر المتطرف" . وتابع قائلا " إن جسر التنمية والصداقة يمثل تتويجا لأهمية الربط بين البلدين لدعم الاستثمارات وتبادل التجارة وانتقال العمالة والسياحة والحجيج". وأكد السفير أن الرئيس السيسي والعاهل السعودي قد أرسيا قواعد للمستقبل علينا جميعا متابعة التنفيذ بإخلاص وجدية وهمة . واختتم السفير حجازي تصريحاته بالدعوة لمتابعة نتائج زيارة الملك سلمان التي تؤرخ لمستقبل جديد للمنطقة والعالم ، وقال " يجب أن تستند آليات المتابعة لاستمرار المجلس التنسيقي المصري السعودي لعقد جلساته بالتناوب بين العاصمتين، وأن تنبثق عنه لجان قطاعية لمتابعة تنفيذ كل جانب من جوانب الزيارة، وما تم الاتفاق عليه من خلال الوزارات المعنية، ويصدر عن أعمالها شرح واف لما تم بحثه وما تم إنجازه حتى يطمئن الرأي العام لمسار العلاقات المصرية السعودية".