في زيارة تاريخية والأولى من نوعها منذ 88 عاما، وصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العاصمة الكوبية، هافانا، في زيارة هدفها إنهاء عقود القطيعة والعداوة المتأصلة بين البلدين. «سأكون أول رئيس أمريكي يزور كوبا بعد عقود طويلة، سأزورها دون الحاجة إلى الاستعانة بسفينة حربية»، هكذا عبر أوباما عن سعادته بتلك الزيارة التي لم تتخذ طابعا سياسيا رسميا، ويرافقه خلالها زوجته وابنتاه وأعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب. كوبا.. تلك الدولة الصغيرة الواقعة في مدخل خليج المكسيك، التي عاشت لسنوات طويلة في عداء مع الولاياتالمتحدة لأسباب عديدة، إلا أن شخصية رئيسها الراحل فيدل كاسترو ظلت الأكثر شهرة في صدامها مع واشنطن وقيادتها، ولم يكن يخفي عداءه بل كان يجاهر به ومن آن لآخر يخرج تصريحات عدائية غير مكترث بغضبهم أو بردة فعلهم. رمز النضال لم يكن كاسترو شخصية عادية وصلت لسدة حكم كوبا، بل هو رمزا للنضال والثورة على القيود التي أشرفت عليها واشنطن داخل بلاده، والتي رفض الاستسلام لها، فسجل رفضه بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة أحد المقرات العسكرية في عهد فولجينسيو باتيستا ، إلا أن الهجوم فشل وقتل فيه العشرات من أنصاره. فر بعدها كاسترو إلى المكسيك هربا من ملاحقات المخابرات الأمريكية التي تربصت له، فكون في المكسيك تشكيلا ثوريا ضم شقيقه الرئيس الحالي راؤول كاسترو، وكان هدف هذا التشكيل هو إسقاط نظام باتيستا والقضاء على تسلط وهيمنة واشنطن على الشأن الداخلي لكوبا. بالفعل نجح كاسترو في تجهيز خطة محكمة للعودة إلى كوبا، وتحقيق أهداف تشكيله الثوري، والتي كان على رأسها إسقاط باتيستا، والذي لم يقاوم أمام الضغط الشعبي الذي أيد كاسترو في دعوته، فما كان من باتيستا إلا الفرار خارج كوبا وذلك في 1959. كاسترو رئيسا بعد إسقاط نظام فولجينسيو باتيستا، وصل كاسترو إلى سدة حكم كوبا، وبالطبع شكل الأمر خيبة أمل كبيرة للولايات المتحدة، فالثائر الهارب الذي ظلت تبحث عنه أصبح حاكما لكوبا، الأمر الذي شكل بداية عهد جديد من العداء مع الحاكم الجديد العنيد. وتفاديا لمعاداة واشنطن للفكر الشيوعي، أسند كاسترو مهمة رئاسة الحكومة إلى أحد البرجوازيين، ولكن تلك البداية لم تستمر فسرعان ما عادت العلاقات إلى التدهور عندما شرعت كوبا في تأميم الشركات. هذا الأمر دفع واشنطن إلى الغضب لدرجة أن كاسترو قام بزيارتها في منتصف عام 1959، ولكن الرئيس ريتشارد نيكسون اعتذر عن مقابلته بحجة ارتباطه بمباراة للعبة الجولف. النفط السوفيتي في فبراير عام 1960، قامت كوبا بشراء النفط من الاتحاد السوفيتي، ولكن الولاياتالمتحدة قابلت هذا الأمر بالرفض نظرا لكونها المسيطرة على المصافي الكوبية. فما كان من كاسترو إلا تأميم تلك المصافي لإنهاء هيمنة الولاياتالمتحدة، التي هي الأخرى قابلت الأمر برفض واستهجان شديدين وقطيعة اقتصادية دامت حتى عام 2015. قرابة ال50 عاما التي شهدت حكم كاسترو لكوبا، حكم الولاياتالمتحدة حوالي 10 رؤساء ظلوا جميعهم يكرهون هذا «الثائر» الذي لم تفلح أي محاولات أو عدائيات معه، فلا الحصار الاقتصادي جاء بنتيجة ولا القطيعة السياسية والدبلوماسية نجحت، وحتى التدخل العسكري المتمثل معركة خليج الخنازير هو الآخر لم يغير من شخصية كاسترو وسياسته تجاههم من شيء، ظل عدوهم اللدود الذي كانوا يتمنون موته وأرادوا تحقيق هذا الحلم من خلال أكثر من 600 محاولة لاغتياله بطرق عديد تمثلت في القنص أو دس السم أو وضع المتفجرات ولكن جميعها فشلت. ظل كاسترو حاكما لكوبا حتى خرج لجماهيره في 2008 ليعلن تخليه عن منصبه كريس للدولة وكقائد للجيش، وأرجع السبب في ذلك إلى تدهور حالته الصحية، ليتولى الزمام من بعده شقيقه، ورفيق كفاحه الثوري الرئيس الحالي راؤول كاسترو.