رحل الأديب والروائي علاء الديب صانع فيلم "المومياء"، الذي عاش للكلمة ورسم بها الغدر والخيانة والحب، توفى عن عمر يناهز ال 77 عاما. أعد الديب باللغة العربية الفصحى حوار فيلم "المومياء" الذي كتب باللغة الفرنسية، والفيلم هو التجربة السينمائية الوحيدة في تاريخه، تعاون مع المخرج شادي عبد السلام من خلال مشاركته له في كتابة حوار الفيلم 1969. "المومياء" هو أحد أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وفي استفتاء آخر لنقاد عرب على هامش مهرجان دبي السينمائي الدولي اُختير كأفضل أفلام السينما العربية على الإطلاق، كما يصنف ضمن أبرز وأهم الأفلام العالمية، ويتناول قضية الهوية وبعث الماضي لاستنهاض المستقبل، واستند على أحداث حقيقية وقعت في القرن التاسع عشر بقبيلة "الحربات" في الصعيد، التي كانت تعيش على الاتجار في الآثار الفرعونية. جاءت مشاركة الديب في كتابة حوار " المومياء" حينما كان قد ترجم مسرحية "لعبة النهاية" للكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت وصدرت عام 1961، في محاولة منه لتطويع العربية الفصحى في عمل مسرحي ساخر، وهذا ما لفت إليه أنظار شادي عبد السلام الذي كان يعكف وقتها على تقديم عمله الروائي الطويل " المومياء"، الأهم في تاريخه، والذي وضعه في صف المخرجين الكبار على مستوى العالم. أُعجب شادي عبد السلام بترجمة "لعبة النهاية"، وأحسن اختيار علاء الديب ليشاركه كتابة حوار الفيلم، وجلس الاثنان معا، ونحتا الحوار بعناية، فخرج من تحت يديهما كأنه صفحات من كتاب "الموتى" القديم. ترك الديب وصفا مميزا للكلمات، حين قال: "الكلمات هى الكلمات، تصنع الغدر والخيانة، والوشاية والتضليل، وخداع النفس.. هى الحب والنبالة، وعليك أن تعرف الكلمات وتعاشرها وتراها من كل الأوجه، ولن تعطيك أبدًا سرها.. ستظل ساحرة، لغزا مبهما.. الكلمات حظى من الحياة، ثروتي وميراثي، شوقي وإحباطي وآمالي". بدأ الديب في أول حقبة الستينيات في مجلة "صباح الخير"، وانطلقت حياته الأدبية كاتبا للقصة القصيرة وصدرت مجموعته الأولى "القاهرة" عام 1964، كما ترجم أعمال أدبية وسياسية منها مسرحية "لعبة النهاية" لصموئيل بيكيت عام 1961 و"صباح الجمعة" عام 1970 و"عزيزي هنري كيسنجر" عام 1976 للفرنسية دانيل أونيل و"امرأة في الثلاثين" مختارات من قصص هنري ميلر عام 1980 وروايات "زهر الليمون" عام 1987 و"أطفال بلا دموع" عام 1989و"الطريق إلى الفضيلة" عام 1992 وهو نص صيني مقدس كتبه الفيلسوف الصيني لاو تسو و"قمر على المستنقع" عام 1993 و"عيون البنفسج" و"المسافر الأبدي" عام 1999 و"أيام وردية" عام 2000. وكتب الديب جانبا من سيرته الذاتية بعنوان "وقفة قبل المنحدر.. من أوراق مثقف مصري.. 1952-1982" ويراها بعض النقاد من أكثر السير الذاتية عذوبة وصدقا. ويقول في سطورها الأولى: "هذه أوراق حقيقية.. دم طازج ينزف من جرح جديد". وكان ل علاء الديب عموده الشهير "عصير الكتب" من أشهر الأبواب في الصحافة الثقافية ويراه كثيرون سجلا وإضاءات على مئات الكتب والروايات والمجموعات القصصية خلال بضعة عقود. تأثر الأديب الراحل بشكل كبير بالثقافة الإسلامية، وهذا ما بدا واضحا في كتاباته وتدويناته الختلفة ، وحظى الديب باحترام أغلب الأجيال الأدبية السابقة واللاحقة، ووصفوه ب"القديس النزيه" الذي يدعم الكثيرين ولا ينتظر دعم من أحد، فقط يعمل في صمت، ونال جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 2001.