مع حلول ذكرى حرب أكتوبر 1973 من كل عام، تتوقف عقارب الساعة أمام الجميع للدور البطولي لجنرال حفر أسمه من الذهب في تاريخ العسكرية العربية باقتدار، هو مهندس الانتصار الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان آنذاك. يعد الشاذلي أحد صناع النصر في الحرب، والذين عاصروه يعرفون ماذا قدم لمصر عسكريا وسياسيا، ولكن الوضع يختلف عندما تتحدث أقرب الناس لقلبه أبنته الكبرى "شهدان" التي أكدت أن التاريخ أنصفه قبل وفاته ونال تكريمه رسميًا من جانب الدولة، والقوات المسلحة التي ظل يعتز بها. وأعربت عن حزنها لأن الاعتراف ببطولته جاء مؤخرًا بعد مماته فهي كانت تريد أن يكون وهو على قيد الحياة، ولم تيأس في نشر مذاكراته للعالم ورؤيته للحروب في العصر الحديث هذا ما أكدته في حوارها التالي: قالت شهدان إن والدها تزوج من والداتها "زينات متولي السحيمي" عام 1943 في مسيرة استمرت أكثر من نصف قرن أنجبا خلال ثلاث سيدات "شهدان، سامية، ناهد"، وتميزت حياه الفريق الشاذلي بأنها عسكرية، موضحة أن حياته التي قضاها في القوات المسلحة أخذ كثيرا منها في حياته العائلية. وأضافت أن أفضل حياته العسكرية، كانت خلال فترة تواجده سفيرا في لندن قبل أن يغادرها إلى البرتغال والتي غادرها إلى الجزائر خوفا أن يمنعه الرئيس السادات من التعبير عن رأيه عقب الخلاف الذي دب بينهما عقب الثغرة لأنه سعى لتوضيح موقفه وتحديدا فيما يتعلق بحرب أكتوبر وما حدث من خلافات حول معالجة مسالة الثغرة، بالإضافة إلى رؤيته تجاه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التي انتقدها والدي بشدة. وعن مدى معرفة أسرته بميعاد حرب أكتوبر نفت معرفتهم بساعة الصفر لاسترداد سيناء، ويومها كانت توجد لدينهم خياطة كما قالت لها والداتها وعرفوا من ابنة أحد جيرانهم عندما قالت أننا عبرنا قناة السويس فقالت والداتي الحمد الله، وكنت أعمل خلال فترة حرب أكتوبر كمحللة مالية بالبورصة الأمريكيةبأمريكا منذ 1961، ولم أقم بالاتصال بوالدي لأنها طبيعته عندما يكون لديه مهمة لا تعرف عنه شيئا، ولا نعرف مكان تواجده أو موعد عودته، وكنت والمصريون في أمريكا نعيش لحظات فرحة وخوف مما نسمعه من الإذاعات الأمريكية والإسرائيلية، وكان دائما لديه إيمان بأن الحقائق ستظهر ولن يستطيع أحد تزوير التاريخ لأن طبيعة النفس البشرية البحث عن حقائق وأصول الأشياء ولهذا لم ينتابه شعورا باليأس. وعن حياته في الخارج بلندن قالت شهدان: "كانت جديدة لنا حيث كان معتادا على الحياة العسكرية ولكنها تحولت إلى دبلوماسية وسياسية وفي لندن كان نموذجا للسفراء الأقوياء ويكفي معارضة الجالية اليهودية على توليه المنصب". وتابعت: "فور وصول والدي فوجئ بالضغط الصهيوني ضده بتوجيه تهم بأنه أمر جنوده بقتل الأسرى اليهود أبان حرب أكتوبر 1973، وهي تهمة باطلة نفاها في العديد من اللقاءات الإعلامية في جميع وسائل الإعلام البريطانية، ولكنه تغاضى عن هذا وسعى لمبدأ ترسيخ مصر في الساحة البريطانية وسط الدول. وأكملت: "من العجيب أنه رفض أثناء دراستي بالولاياتالمتحدةالأمريكية أن تتحمل السفارة دفع النفقات ولكنه أصر على دفعها كاملا من ماله الخاص". وعن أسباب موافقة الفريق الشاذلي السفر إلى لندن، أوضحت أن الرئيس السادات أرسل إليه الفريق حسنى مبارك قائد القوات الجوية آنذاك وكبار رجال الدولة وأوهمه بأنه يحتاج إليه في بريطانيا للتفاوض على شراء الأسلحة الحديثة من لندن وسوف تكون هي مسئوليته الأولى والأساسية بلندن، لكن والدي فوجئ بعكس ذلك لإبعاده عن مصر. وعن حقيقة تلقيه وسام نجمة سيناء وهو من أرفع الأوسمة في مصر، أشارت شهدان إلى أنه لم يتم تكريمه مثل قادة أكتوبر بمجلس الشعب ومنحها السادات له سرًا، ووصل الوسام إليه أثناء توليه سفيرًا لمصر في لندن. وعن محطته الدبلوماسية الثانية سفيرا للبرتغال، قالت: "كانت 3 سنوات قضاها قام بدراسة الشعب البرتغالي من شعب ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي سليم وهو نموذجًا من الممكن أن تنتهجه بعض الدول في العالم الإسلامي والعربي، ووجد بها نسبة كبيرة من الجاليات الإفريقية المسلمة التي تقيم هناك نظرًا لوجود المستعمرات البرتغالية في الدول الإفريقية فطرح فكرة بناء مسجد على السفراء هناك وتم بنائه بعد موافقة الخارجية المصرية، وأرسل للقاهرة طالبا شيخ أزهر ليؤم المصلين وليشرح الدين الإسلامي للجاليات هناك". وبعد رحلة البرتغال كانت محطة عودته لمصر ولكنه تراجع بعد تفكير عميق لمنعه عن التعبير عن رأيه ولذلك تم استبعاد فكرة عودته، وبعدها تلقى العديد من الدعوات من الدول العربية لاستضافته ولكن رفض فاختار الجزائر التي كانت في ظل وجود حكم مجلس عسكري لقيادة الثورة، لأنها كانت دولة لا يحكمها فرد بعينه حتى لا يحسب عليه. وأوضحت: "في العاصمة الجزائرية كانت إقامته ومعه والداتي وكنت وأخوتي قد تزوجنا، لافتة إلى توفير الجزائر منزلا كريما وعاملته معاملة السفراء ووفرت له كل سبل وسائل المعيشة من السيارة والحراسة الشخصية بخلاف ضابط اتصال بينه وبين مجلس الثورة للقيادة. وعن الأحداث التي مرت بها مصر عقب وجود الشاذلي بالجزائر منها حادث اغتيال السادات بالمنصة على أيدي الجماعات الإسلامية ورفضت شهدان الكشف عن وجهة نظر والداها في اغتيال السادات، ظل الشاذلي بالجزائر يكتب ويتحدث للإعلام وينتقد السياسة المصرية حتى عام 1992 وعندما لاحظ أن إحدى الجهات الجزائرية تريد تقييد حريته وتفرض وجهه نظرها عليه قرر العودة إلى مصر فورًا. وعن سبب الحكم العسكري الذي صدر بحسبه 3 سنوات، أكدت شهدان صدور حكم ضده بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، مشيرة إلى إقامة دعوى قضائية أمام المحكمة العسكرية والتي استمرت بعد عودته وتم الدفاع عنه من قبل محامين كبار مثل، سليم العوا، وعبد الحليم رمضان، وغيرهم. وتابعت: "قبل عودته من الجزائر كان الحكم صادر بحسبه 3 سنوات، وأجرينا اتصالا برئاسة الجمهورية لمعرفه وضعه القانوني وكان الدكتور مصطفى الفقي مستشار الرئيس السابق مبارك للمعلومات وقابلته شقيقتي سامية بالجامعة الأمريكية خلال محاضرة هناك وسألته عن موقف مبارك من عودته فاجاب "شوفوا لكم محامي في القضاء العسكري عشان يعرف الحكم اللي عليه". وأكملت شهدان: "ذهبنا إلى محام عسكري "جلال الديب"، مؤكدا أنه عقب عودته سوف تعاد محاكمته لأن الحكم صدر غيابيا في عدم حضوره مما جعلنا نشعر بالراحة والطمأنينة، مضيفة: "قبل عودته بأسبوع عادت والدتي لحضور عزاء أحد أفراد الأسرة الذي وافته المنية وظل بالجزائر حتى تحدد ميعاد عودته في يناير 1992 وطلب منا المحامي عدم الذهاب إلى المطار لاستقباله حتى لا تستغل وسائل الإعلام الموقف ويحدث نوعا من إثارة الرأي العام". وأضافت: "في يوم عودته انتظرنا بالمنزل بالساعات حتى شعرنا بالخوف عليه فذهبنا إلى المطار فوجدنا المطار مغلقًا، وأخبرونا بأن هناك "تشريفة" لأحد رجال الدولة وعندما فشلنا في دخول المطار عدنا للمنزل وسمعنا عبر إذاعة مونت كارلو، خبر وصوله ثم هبوط الطائرة في ممر جانبي نزل منها واستقبله شخصان واصطحبوه في سيارة لمكان مجهول قمنا بالاتصال بالمحامي جلال الديب، فعلل بأن ذلك بهدف تأمينه وبعدها أجرينا اتصالات بالرئاسة فعرفنا انه بالسجن وعندما سمح لنا بزيارته كان يسأل عن آخر الأخبار وما يحدث في الخارج". وشددت على أنها لم تيأس لحظة واحدة في نشر مذاكرات الفريق الشاذلي على الرغم من الصعوبات التي واجهتها عندما توجهت في بداية رحلتها إلى أهم الناشرين بلندن باتريك سيلف الذي أبدى إعجابه باعتبار أن حرب أكتوبر غيرت موازين العالم، قائلة إن تراجع تحت ضغط صهيوني لأن به معلومات تدل على ضعف وهشاشة إسرائيل وهو غير مطلوب أن يظهر في ذلك الوقت للعالم، وبعدها تركت الولاياتالمتحدة متجهة لبريطانيا بعد أن عرفت أن أحد دور النشر يمتلكها "فلسطيني" يدعى الكيلاني، ويستطيع نشر الكتاب دون ضغوط. وأشارت إلى توقيع العقد ثم فوجئت بهروبه حتى قرأت ذات يوما بأنه قتل في فندق ببيروت ومنها شعرت بأن اللوبي الصهيوني انتقل من مرحلة عدم نشر الكتاب إلى تصفية الشخصيات التي تريد خروج الكتاب للنور فضلا عن تعرضها للضغط من اللوبي الصهيوني حتى في حالة نشر الكتاب على نفقتها الخاصة بعد أن توجهت لأكبر الكتاب حتى خرج للنور بلبنان، وفي مصر حاولت نشره 1994 بعد خروجه من السجن ولكنها فشلت حتى استطاعت طباعته مؤخرًا بعدة لغات. وعن راية في الرؤساء الثلاثة، قالت إنه كان يحب عبد الناصر لان هناك كانت علاقة أسرية بين الأسرتين، ولكنه لم يستغل تلك العلاقة. وتابعت: "السادات كان يحبه وكانت علاقتهما جيدة قبل الحرب وكان يراه عسكريا متواضعا وذكيا، وكانت توجد صلة نسب بين أسرة والداتي وأسرة جيهان السادات". وأكملت: "مبارك كان يراه منفذا للأوامر ومطيعا وكان غاضبا في اختزال حرب أكتوبر في الضربة الجوية". وعن أيامه الأخيرة قالت: "كان تعبان جدًا ومريض للغاية"، وكان صامتا لا يعلق على الأحداث الجارية من أحداث يناير سوى بقوله "يارب ما تتكررش".