وكيل تعليم القاهرة تشارك بفعاليات لقاء قيادات التعليم ضمن مشروع "مدارس مرحبة ومتطورة"    «الزراعة»: تحصين الماشية بأكثر من 8.1 مليون جرعة ضد الحمى القلاعية    استقرار أسعار العملات الأجنبية اليوم 5 ديسمبر 2025    حصاد نشاط وزارة الإسكان خلال أسبوع (فيديوجراف)    أمريكا تخطط لزيادة عدد الدول الممنوعة من السفر إلى أراضيها    وزير الدفاع ورئيس الأركان يبحثان تعزيز التعاون العسكري مع عدد من قادة الدول في ختام معرض إيديكس    ماكرون يختتم زيارته إلى الصين ببرنامج بعيد من السياسة    أمير وجيه بطل العالم السابق في الإسكواش يدعم بعثة المنتخب الوطني المشارك بكأس العرب    مصر تستضيف النافذة الثانية من تصفيات كأس العالم للسلة    وكيل الجفالي يوضح حقيقة شكوى اللاعب لفسخ عقده مع الزمالك    الداخلية تكشف تفاصيل «بوست» اختفاء فتاة عن منزل أسرتها    «كلاود فلير» تعلن عودة الخدمة وتكشف حقيقة وجود «هجوم إلكتروني»    الداخلية تستحدث شهادة المخالفات المرورية الإلكترونية بديلاً للورقية    جهاد حسام الدين تنضم إلى مسلسل عباس الريّس في أول تعاون مع عمرو سعد    خرست ألسنتكم داخل حناجركم    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    وزير التعليم العالى يترأس اجتماع مجلس إدارة صندوق رعاية المبتكرين والنوابغ    شائعات المواعدة تلاحق جونجكوك من "BTS" ووينتر من "Aespa".. وصمت الوكالات يثير الجدل    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    وزير الكهرباء يبحث مع وفد مؤسسة التمويل الدولية "IFC" الشراكة والتعاون    الحصر العددي يكشف مفاجآت في انتخابات دائرة إمبابة.. مرشح متوفى يحصل على الترتيب الرابع وأصوات إيهاب الخولي تتراجع من 22 ألف إلى 1300 صوت    العثور على غريق مجهول الهوية بترعة الإبراهيمية في المنيا    اليوم.. افتتاح بطولة إفريقيا للأندية ل«سيدات كرة السلة»    تقارير: الدوري السعودي مستعد للتعاقد مع محمد صلاح    أسطورة برتغالي يرشح رونالدو للعب في كأس العالم 2030 بعمر 45 عامًا    إلهام شاهين تشيد بفيلم giant: مبروك لأمير المصرى والقصة ملهمة    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب (بث مباشر)    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    "المشاط" تشهد فعاليات جوائز التميز العربي وتهنئ "الصحة" لحصدها أفضل مبادرة عربية لتطوير القطاع الحكومي    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    حوكمة الانتخابات.. خطوة واجبة للإصلاح    بوتين ومودي يبحثان التجارة والعلاقات الدفاعية بين روسيا والهند    الأنبا رافائيل يدشن مذبح الشهيد أبي سيفين بكنيسة العذراء بالفجالة    طارق الشناوي: الهجوم على منى زكي في إعلان فيلم الست تجاوز الحدود    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    خاطر يهنئ المحافظ بانضمام المنصورة للشبكة العالمية لمدن التعلّم باليونسكو    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الصحة: الإسعاف كانت حاضرة في موقع الحادث الذي شهد وفاة يوسف بطل السباحة    صحة الغربية: افتتاح وحدة مناظير الجهاز الهضمي والكبد بمستشفى حميات طنطا    دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة وأعظم الأدعية المستحبة لنيل البركة وتفريج الكرب وبداية يوم مليئة بالخير    رئيس هيئة الدواء يختتم برنامج "Future Fighters" ويشيد بدور الطلاب في مكافحة مقاومة المضادات الحيوية وتعزيز الأمن الدوائي    فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان    سبحان الله.. عدسة تليفزيون اليوم السابع ترصد القمر العملاق فى سماء القاهرة.. فيديو    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    كاميرات المراقبة كلمة السر في إنقاذ فتاة من الخطف بالجيزة وفريق بحث يلاحق المتهم الرئيسي    ضبط شخص أثناء محاولة شراء أصوات الناخبين بسوهاج    ميلان يودع كأس إيطاليا على يد لاتسيو    الأمن يكشف ملابسات فيديو تهديد مرشحى الانتخابات لتهربهم من دفع رشاوى للناخبين    بشير عبد الفتاح ل كلمة أخيرة: الناخب المصري يعاني إرهاقا سياسيا منذ 2011    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"ايبولا" بين الخيال الروائي وتحديات الواقع
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 08 - 10 - 2014

بين خيال روائي وواقع لا خيال فيه يفرض فيروس الايبولا القاتل وجوده المرعب الآن ويثير أسئلة ومخاوف وتحديات تتطلب انصاتا لصوت مبدع مثل امير تاج السر في روايته "ايبولا 76".
وكانت أنباء قد توالت أثناء عيد الأضحى بأن الساحات والأماكن العامة المخصصة لصلاة العيد في غينيا كانت مهجورة فيما طلب رجال الدين في سيراليون من جموع مواطنيهم ألا يتعانقوا للتهنئة بحلول العيد.
وتبقى الطريقة الوحيدة حتى الآن لوقف انتشار الوباء عزل المصابين بالايبولا التي غيرت مشهد الحياة المعتاد في غرب أفريقيا وأصابت البشر بحالة من الذعر بينما تفرد الصحف ووسائل الإعلام مساحات لنصائح الباحثين في علم الفيروسات .
وأعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرا أنها انتهت من إنتاج 1500 جرعة تجريبية من لقاح لفيروس ايبولا تمهيدا لاستخدامها تجريبيا اعتبارا من بداية العام القادم.
وإذا كانت الأعراض في المراحل الأولى للإصابة التي تتراوح ما بين يومين وثلاثة أسابيع عامة وغير مميزة مثل الإعياء والرغبة في القيء وآلام البطن والمفاصل، فإن أعراض الايبولا في المراحل المتقدمة تتجلى في نزيف من فتحات الجسم الخارجية مع انخفاض شديد في ضغط الدم وفشل عام في اجهزة الجسم الحيوية.
ووسط واقع مشحون بالمخاوف والتحديات تشكل رواية "ايبولا 76" استجابة ابداعية للروائي السوداني أمير تاج السر حيال وباء يهدد البشر في منطقة غرب أفريقيا، بقدر ما تبرهن على أصالة مثقف عربي يسبق بهذا العمل الابداعي الروائيين في الغرب ويعبر فيه عن رؤية إنسانية تتحدى الرعب والموت.
ولعل أمير تاج السر في "ايبولا 76" يؤكد حقيقة ان كل شيء في هذا العالم، بما فيه المرض، يمكن ان يكون مصدرا للإبداع ويتحول إلى مادة ابداعية باستعارات وتأويلات ثقافية تنتصر للحياة وتسخر من الموت كأسلوب لمقاومته وان سلمت بحتميته.
والرواية صدرت عام 2012، أي قبل ان يتحول اسم ايبولا الى مرادف للموت ولكل ما هو مرعب ومخيف وملغز في هذا العالم، بينما يشير الرقم 76 الى حقيقة ان فيروس ايبولا اكتشف لأول مرة عام 1976 وها هو الآن يتجاوز خيال أمير تاج السر ويثير تساؤلات في عصر العولمة وحقيقة ومعنى مقولة مثل "الذات الكوكبية".
وفيما نسج خيال أمير تاج السر شخصيات في روايته مثل "لويس نوا"، و"جيمس رياك"، و"كانيني"، و"مونتي"، تشكل كلها لوحة لأعماق مجتمع افريقي يعاني من صراعات متعددة، فإن الواقع الآن مسكون بمخاوف الموت في عدة دول بغرب افريقيا ويثير قشعريرة بين أربعة اركان المعمورة.
وإذ يصارع توماس اريك دانكان الفيروس القاتل ضمن خمسة أشخاص في الولايات المتحدة أصيبوا بالايبولا قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما أن بلاده تسعى لتطوير فحوصات جديدة للكشف عن هذا الفيروس الذي يشكل خطرا دهما على أرواح البشر في دول غرب أفريقيا وخاصة في ليبيريا وغينيا وسيراليون.
ولئن انتصر امير تاج السر للحياة والحب في روايته "ايبولا 76"، فمن سوء الطالع في الواقع ان الدول التي تفشى فيها فيروس الايبولا بغرب أفريقيا تعاني من مشاكل اقتصادية وأنظمة متهالكة للرعاية الصحية، فيما تؤدي تداعياته لخسائر اقتصادية فادحة وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية في بلدان لديها ما يكفي من ألوان المعاناة وأمراض أخرى ليست أقل خطورة مثل الإيدز.
ومن بين نحو 7500 إصابة مؤكدة أو محتملة أودى فيروس الايبولا حتى الآن بحياة أكثر من 3400 شخص ، ومن نافلة القول أن تحديا في حجم كارثة الايبولا وهو فيروس ينتقل عن طريق سوائل الجسم مثل الدم واللعاب، ينبغي أن يسهم في نهاية المطاف في تطوير البحث الطبي ، بل ومجموعة من العلوم المرتبطة بالطب جنبا إلى جنب مع تحفيز الخيال الابداعي وإثراء الثقافة بجديد الأعمال مثل "ايبولا 76" لأمير تاج السر.
وأمير تاج السر وهو طبيب تخرج من جامعة طنطا في مصر بدأ مسيرته الابداعية بالشعر قبل الانتقال للرواية التي وجدت ما يغذي خيالها مع انتقاله للعمل في أماكن قصية بالسودان قبل ان يتوجه للخليج وتتوالى أعماله، ومن بينها "سماء بلون الياقوت"، و"نار الزغاريد"، و"سيرة الوجع"، و"عيون المهاجر"، و"مهر الصياح"، و"زحف النمل"، و"صائد اليرقات"، و"العطر الفرنسي".
ولعل أمير تاج السر الذي بدأ مسيرته الروائية بعمله "كرمكول" كان بحق صاحب بصيرة ابداعية وقدرات ثقافية تجلت في رواية "ايبولا 76"، التي يتناول فيها هذا الفيروس القاتل في سياق اجتماعي حافل بالتناقضات ومآسي الوجود الانساني.
لكنه لم يغفل او يهمش شجاعة بعض البشر في مواجهة كوارث ككارثة الايبولا وهي حقيقة تتجلى الآن في الواقع حيث يتحدث ابناء سيراليون مثلا بفخر عن طبيب شاب من مواطنيهم يدعى "الشيخ عمر" دفع حياته ثمنا لمواجهته الشجاعة للايبولا التي تفتك بمن ابتلي بها.
ولئن تناول أمير تاج السر في روايته "ايبولا 76" قضايا عدة كالسحر، فإن هذه القضية قد يكون الواقع فيها أغرب من الخيال وقد تؤدي الثقافة المضادة للعقلانية والمروجة للأساطير وممارسات السحر لانتشار الايبولا كوباء يحمل أصلا اسم نهر في زائير بعد أن ظهر عند ذلك النهر لأول مرة في عام 1976، وقيل انه ينتقل للانسان من القرود والخنازير.
وبيتر بيوت ، مدير مدرسة لندن للسلامة الصحية، هو أول من اكتشف فيروس إيبولا عام 1976، وانتقل بعد ذلك لإدارة برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايدز، فيما يبقى السؤال: أين العلاج الناجع للايدز الذي قتل ببطء ومكر اكثر من 30 مليون إنسان أو للايبولا التي تقتل بسرعة ودون مواربة؟
وإن قيل أن الشكوك العميقة للأفارقة في "نوايا الرجل الأبيض" القادم عبر البحار تعرقل بناء بيئة مواتية لمجابهة وباء الايبولا، فإن من حق البعض أن يتساءل عن أسباب غياب الجهود البحثية للطب الغربي عن حلول ناجعة لأوبئة وفيروسات أنهكت الإنسان الأفريقي مثل الايدز وحتى الايبولا!
وقد يبدو ذلك جليا في جائزة نوبل للطب، حيث لم يعرف مثلا ان باحثا نال هذه الجائزة عن اكتشاف يشكل حلا حاسما للايدز أو الايبولا التي ظهرت منذ النصف الثاني لسبعينيات القرن الماضي، رغم ان مثل هذه الظاهرة تتنافي مع العولمة او "الكوكبية" والحديث الغربي المستمر عن ذلك العالم الذي بات صغيرا للغاية ويسهل عبوره من مكان لمكان قصي في وقت ليس بالطويل.
وفيما افتتحت جوائز نوبل لهذا العام بجائزة الطب، فإن هذه الجائزة منحت لثلاثة باحثين نجحوا في حل مشكلة وصفتها لجنة جوائز نوبل بأنها "شغلت فلاسفة وعلماء على مدى قرون عدة"، وهي :"كيف يضع الدماغ خريطة للمكان المحيط بنا وكيف يمكننا ان نجد طريقنا في محيط معقد؟
والباحثون الثلاثة جون اوكيف، وادفارد اي موزر، وزوجته ماي بريت موزر تمكنوا من اكتشاف نظام في دماغ الإنسان هو بمثابة جهاز تحديد مواقع داخلي أشبه ما يكون بجهاز "جي.بي.اس"، وقد يسفر هذا الاكتشاف عن نتائج ايجابية على صعيد علاج مرض الزهايمر.
لكن إشكالية تهدد أرواح آلاف وآلاف البشر مثل الايبولا، قد تكون سبل مواجهتها كاشفة عن الرؤية المستقبلية للقوى التي تقود هذا العالم، وهي بالتأكيد أيضا إشكالية بحاجة لعلاقة عضوية بين الفلسفة والمعارف الإنسانية، بل والإبداع الروائي كما فعل أمير تاج السر في "ايبولا 76".
وقد تحدث المفكر المصري الدكتور مراد وهبة عن الفيلسوف الهندي شاتوباديا، منوها برؤيته المستقبلية التي يستند فيها الى "إيجاد علاقة عضوية بين الفلسفة والمعارف الإنسانية المتباينة, وبين الفلسفة والعلم وبالذات الفيزياء"، التي فاز بجائزة نوبل فيها هذا العام اثنان من اليابانيين وأمريكي من اصل ياباني عن تطبيق يعرف بالصمام الثنائي الباعث للضوء ومن شأنه تحقيق وفر كبير في استهلاك الطاقة.
والعالم الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبيرج هو صاحب مبدأ "اللا يقين" الذي توصل إليه عام 1927، وهو مبدأ يفضي لانفتاح الذات على الآخر ويكون من شأن هذا الانفتاح أن تعي الذات إنها جزء من مكون اكبر منها وهذا المكون الأكبر هو المجتمع في البداية، ثم يصبح كوكب الأرض.
إنها "الذات الكوكبية"، كما يقول الدكتور مراد وهبة، معتبرا أن الحضارة الإنسانية في طريقها إلى الانتقال من مركزية المجتمع إلى مركزية كوكب الأرض وبالتالي إلى الترابط وليس إلى التفكك، بيد أن هذا الترابط ليس ممكنا غلا بفضل وحدة المعرفة.
غير أن هذه "الذات الكوكبية" لم تتجل بعد بما فيه الكفاية لمواجهة فيروس ايبولا حيث يجنح الغرب وخاصة الولايات المتحدة لإجراءات العزل ووقف رحلات الطائرات القادمة من دول غرب أفريقيا اكثر من جهد بحثي فاعل في المختبرات للانتصار الحاسم على الكارثة التي تهدد أساسا الأفارقة.
أمر محزن للغاية ما يقوله الأطباء من ان الموت في انتظار نسبة لا تقل عن 90 في المائة من الذين أصيبوا بفيروس ايبولا، بينما العلاج الناجع غائب حتى الآن وكل اللقاحات تحت التجربة وقد يستغرق الأمر سنوات قبل التأكد من فاعليتها!
وغني عن البيان ان الأمر كان سيختلف كل الاختلاف لو ظهر هذا الفيروس على سبيل المثال في أمريكا بدلا من أفريقيا وشكل تهديدا حقيقيا للأمريكيين كما هو الحال الآن في غرب افريقيا.
ورغم كل ما يثيره الواقع من تحديات وآلام ومخاوف يبقى الأمل أقوى من اليأس كما يشعر القاريء لرواية "ايبولا 76"، ويبقى القلب المحب أقوى من لحظة الرعب وأشباح الفيروس القاتل.. وتبقى خيوط المرح المشاكس أقوى من رعدة الخوف.
بين خيال روائي وواقع لا خيال فيه يفرض فيروس الايبولا القاتل وجوده المرعب الآن ويثير أسئلة ومخاوف وتحديات تتطلب انصاتا لصوت مبدع مثل امير تاج السر في روايته "ايبولا 76".
وكانت أنباء قد توالت أثناء عيد الأضحى بأن الساحات والأماكن العامة المخصصة لصلاة العيد في غينيا كانت مهجورة فيما طلب رجال الدين في سيراليون من جموع مواطنيهم ألا يتعانقوا للتهنئة بحلول العيد.
وتبقى الطريقة الوحيدة حتى الآن لوقف انتشار الوباء عزل المصابين بالايبولا التي غيرت مشهد الحياة المعتاد في غرب أفريقيا وأصابت البشر بحالة من الذعر بينما تفرد الصحف ووسائل الإعلام مساحات لنصائح الباحثين في علم الفيروسات .
وأعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرا أنها انتهت من إنتاج 1500 جرعة تجريبية من لقاح لفيروس ايبولا تمهيدا لاستخدامها تجريبيا اعتبارا من بداية العام القادم.
وإذا كانت الأعراض في المراحل الأولى للإصابة التي تتراوح ما بين يومين وثلاثة أسابيع عامة وغير مميزة مثل الإعياء والرغبة في القيء وآلام البطن والمفاصل، فإن أعراض الايبولا في المراحل المتقدمة تتجلى في نزيف من فتحات الجسم الخارجية مع انخفاض شديد في ضغط الدم وفشل عام في اجهزة الجسم الحيوية.
ووسط واقع مشحون بالمخاوف والتحديات تشكل رواية "ايبولا 76" استجابة ابداعية للروائي السوداني أمير تاج السر حيال وباء يهدد البشر في منطقة غرب أفريقيا، بقدر ما تبرهن على أصالة مثقف عربي يسبق بهذا العمل الابداعي الروائيين في الغرب ويعبر فيه عن رؤية إنسانية تتحدى الرعب والموت.
ولعل أمير تاج السر في "ايبولا 76" يؤكد حقيقة ان كل شيء في هذا العالم، بما فيه المرض، يمكن ان يكون مصدرا للإبداع ويتحول إلى مادة ابداعية باستعارات وتأويلات ثقافية تنتصر للحياة وتسخر من الموت كأسلوب لمقاومته وان سلمت بحتميته.
والرواية صدرت عام 2012، أي قبل ان يتحول اسم ايبولا الى مرادف للموت ولكل ما هو مرعب ومخيف وملغز في هذا العالم، بينما يشير الرقم 76 الى حقيقة ان فيروس ايبولا اكتشف لأول مرة عام 1976 وها هو الآن يتجاوز خيال أمير تاج السر ويثير تساؤلات في عصر العولمة وحقيقة ومعنى مقولة مثل "الذات الكوكبية".
وفيما نسج خيال أمير تاج السر شخصيات في روايته مثل "لويس نوا"، و"جيمس رياك"، و"كانيني"، و"مونتي"، تشكل كلها لوحة لأعماق مجتمع افريقي يعاني من صراعات متعددة، فإن الواقع الآن مسكون بمخاوف الموت في عدة دول بغرب افريقيا ويثير قشعريرة بين أربعة اركان المعمورة.
وإذ يصارع توماس اريك دانكان الفيروس القاتل ضمن خمسة أشخاص في الولايات المتحدة أصيبوا بالايبولا قال الرئيس الأمريكي باراك اوباما أن بلاده تسعى لتطوير فحوصات جديدة للكشف عن هذا الفيروس الذي يشكل خطرا دهما على أرواح البشر في دول غرب أفريقيا وخاصة في ليبيريا وغينيا وسيراليون.
ولئن انتصر امير تاج السر للحياة والحب في روايته "ايبولا 76"، فمن سوء الطالع في الواقع ان الدول التي تفشى فيها فيروس الايبولا بغرب أفريقيا تعاني من مشاكل اقتصادية وأنظمة متهالكة للرعاية الصحية، فيما تؤدي تداعياته لخسائر اقتصادية فادحة وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية في بلدان لديها ما يكفي من ألوان المعاناة وأمراض أخرى ليست أقل خطورة مثل الإيدز.
ومن بين نحو 7500 إصابة مؤكدة أو محتملة أودى فيروس الايبولا حتى الآن بحياة أكثر من 3400 شخص ، ومن نافلة القول أن تحديا في حجم كارثة الايبولا وهو فيروس ينتقل عن طريق سوائل الجسم مثل الدم واللعاب، ينبغي أن يسهم في نهاية المطاف في تطوير البحث الطبي ، بل ومجموعة من العلوم المرتبطة بالطب جنبا إلى جنب مع تحفيز الخيال الابداعي وإثراء الثقافة بجديد الأعمال مثل "ايبولا 76" لأمير تاج السر.
وأمير تاج السر وهو طبيب تخرج من جامعة طنطا في مصر بدأ مسيرته الابداعية بالشعر قبل الانتقال للرواية التي وجدت ما يغذي خيالها مع انتقاله للعمل في أماكن قصية بالسودان قبل ان يتوجه للخليج وتتوالى أعماله، ومن بينها "سماء بلون الياقوت"، و"نار الزغاريد"، و"سيرة الوجع"، و"عيون المهاجر"، و"مهر الصياح"، و"زحف النمل"، و"صائد اليرقات"، و"العطر الفرنسي".
ولعل أمير تاج السر الذي بدأ مسيرته الروائية بعمله "كرمكول" كان بحق صاحب بصيرة ابداعية وقدرات ثقافية تجلت في رواية "ايبولا 76"، التي يتناول فيها هذا الفيروس القاتل في سياق اجتماعي حافل بالتناقضات ومآسي الوجود الانساني.
لكنه لم يغفل او يهمش شجاعة بعض البشر في مواجهة كوارث ككارثة الايبولا وهي حقيقة تتجلى الآن في الواقع حيث يتحدث ابناء سيراليون مثلا بفخر عن طبيب شاب من مواطنيهم يدعى "الشيخ عمر" دفع حياته ثمنا لمواجهته الشجاعة للايبولا التي تفتك بمن ابتلي بها.
ولئن تناول أمير تاج السر في روايته "ايبولا 76" قضايا عدة كالسحر، فإن هذه القضية قد يكون الواقع فيها أغرب من الخيال وقد تؤدي الثقافة المضادة للعقلانية والمروجة للأساطير وممارسات السحر لانتشار الايبولا كوباء يحمل أصلا اسم نهر في زائير بعد أن ظهر عند ذلك النهر لأول مرة في عام 1976، وقيل انه ينتقل للانسان من القرود والخنازير.
وبيتر بيوت ، مدير مدرسة لندن للسلامة الصحية، هو أول من اكتشف فيروس إيبولا عام 1976، وانتقل بعد ذلك لإدارة برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الايدز، فيما يبقى السؤال: أين العلاج الناجع للايدز الذي قتل ببطء ومكر اكثر من 30 مليون إنسان أو للايبولا التي تقتل بسرعة ودون مواربة؟
وإن قيل أن الشكوك العميقة للأفارقة في "نوايا الرجل الأبيض" القادم عبر البحار تعرقل بناء بيئة مواتية لمجابهة وباء الايبولا، فإن من حق البعض أن يتساءل عن أسباب غياب الجهود البحثية للطب الغربي عن حلول ناجعة لأوبئة وفيروسات أنهكت الإنسان الأفريقي مثل الايدز وحتى الايبولا!
وقد يبدو ذلك جليا في جائزة نوبل للطب، حيث لم يعرف مثلا ان باحثا نال هذه الجائزة عن اكتشاف يشكل حلا حاسما للايدز أو الايبولا التي ظهرت منذ النصف الثاني لسبعينيات القرن الماضي، رغم ان مثل هذه الظاهرة تتنافي مع العولمة او "الكوكبية" والحديث الغربي المستمر عن ذلك العالم الذي بات صغيرا للغاية ويسهل عبوره من مكان لمكان قصي في وقت ليس بالطويل.
وفيما افتتحت جوائز نوبل لهذا العام بجائزة الطب، فإن هذه الجائزة منحت لثلاثة باحثين نجحوا في حل مشكلة وصفتها لجنة جوائز نوبل بأنها "شغلت فلاسفة وعلماء على مدى قرون عدة"، وهي :"كيف يضع الدماغ خريطة للمكان المحيط بنا وكيف يمكننا ان نجد طريقنا في محيط معقد؟
والباحثون الثلاثة جون اوكيف، وادفارد اي موزر، وزوجته ماي بريت موزر تمكنوا من اكتشاف نظام في دماغ الإنسان هو بمثابة جهاز تحديد مواقع داخلي أشبه ما يكون بجهاز "جي.بي.اس"، وقد يسفر هذا الاكتشاف عن نتائج ايجابية على صعيد علاج مرض الزهايمر.
لكن إشكالية تهدد أرواح آلاف وآلاف البشر مثل الايبولا، قد تكون سبل مواجهتها كاشفة عن الرؤية المستقبلية للقوى التي تقود هذا العالم، وهي بالتأكيد أيضا إشكالية بحاجة لعلاقة عضوية بين الفلسفة والمعارف الإنسانية، بل والإبداع الروائي كما فعل أمير تاج السر في "ايبولا 76".
وقد تحدث المفكر المصري الدكتور مراد وهبة عن الفيلسوف الهندي شاتوباديا، منوها برؤيته المستقبلية التي يستند فيها الى "إيجاد علاقة عضوية بين الفلسفة والمعارف الإنسانية المتباينة, وبين الفلسفة والعلم وبالذات الفيزياء"، التي فاز بجائزة نوبل فيها هذا العام اثنان من اليابانيين وأمريكي من اصل ياباني عن تطبيق يعرف بالصمام الثنائي الباعث للضوء ومن شأنه تحقيق وفر كبير في استهلاك الطاقة.
والعالم الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبيرج هو صاحب مبدأ "اللا يقين" الذي توصل إليه عام 1927، وهو مبدأ يفضي لانفتاح الذات على الآخر ويكون من شأن هذا الانفتاح أن تعي الذات إنها جزء من مكون اكبر منها وهذا المكون الأكبر هو المجتمع في البداية، ثم يصبح كوكب الأرض.
إنها "الذات الكوكبية"، كما يقول الدكتور مراد وهبة، معتبرا أن الحضارة الإنسانية في طريقها إلى الانتقال من مركزية المجتمع إلى مركزية كوكب الأرض وبالتالي إلى الترابط وليس إلى التفكك، بيد أن هذا الترابط ليس ممكنا غلا بفضل وحدة المعرفة.
غير أن هذه "الذات الكوكبية" لم تتجل بعد بما فيه الكفاية لمواجهة فيروس ايبولا حيث يجنح الغرب وخاصة الولايات المتحدة لإجراءات العزل ووقف رحلات الطائرات القادمة من دول غرب أفريقيا اكثر من جهد بحثي فاعل في المختبرات للانتصار الحاسم على الكارثة التي تهدد أساسا الأفارقة.
أمر محزن للغاية ما يقوله الأطباء من ان الموت في انتظار نسبة لا تقل عن 90 في المائة من الذين أصيبوا بفيروس ايبولا، بينما العلاج الناجع غائب حتى الآن وكل اللقاحات تحت التجربة وقد يستغرق الأمر سنوات قبل التأكد من فاعليتها!
وغني عن البيان ان الأمر كان سيختلف كل الاختلاف لو ظهر هذا الفيروس على سبيل المثال في أمريكا بدلا من أفريقيا وشكل تهديدا حقيقيا للأمريكيين كما هو الحال الآن في غرب افريقيا.
ورغم كل ما يثيره الواقع من تحديات وآلام ومخاوف يبقى الأمل أقوى من اليأس كما يشعر القاريء لرواية "ايبولا 76"، ويبقى القلب المحب أقوى من لحظة الرعب وأشباح الفيروس القاتل.. وتبقى خيوط المرح المشاكس أقوى من رعدة الخوف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.