مئات الآلاف يموتون سنوياً جراء الحروب والصراعات. لكن في مقابل ذلك هناك قاتل خفي يتربص ببني البشر ويحصد من ارواح الملايين سنوياً. انه الفيروس بأنواعه وأوجهه المتعددة الذي لا يترك مكاناً أو زماناً إلا ويطل عليه بأحد أوجهه القبيحة حاصداً ملايين الأرواح قبل ان يختفي ليعود مرة أخري بوجه جديد أو في شكل آخر. قائمة واحدة تضم عشرة فيروسات فقط تحصد 5 ملايين نفس سنوياً من كل مكان في العالم، دون ان تفرق بين مجتمع متقدم وغني أو آخر نام وفقير. فيروسات مثل الانفلونزا والتهاب الكبد الوبائي يحصد كل منهما أكثر من نصف مليون روح سنوياً. وفيروسات أخري مثل الايبولا والحصبة تتأرجح أعداد ضحاياها بين مئات الآلاف سنوياً. بجانب فيروسات أخري يصعب حصر ضحاياها، بينما يبقي الايدز متربعاً علي عرش الفيروسات الاكثر فتكاً، حيث تشير التقديرات الي ظهور 262 حالة اصابة بالايدز كل ساعة. حتي الفيروسات الأقل فتكاً والتي لا تتجاوز اعداد ضحاياها المئات او الالاف مثل سارس وانفلونزا الطيور والخنازير، تتسبب في حالة من الذعر والهلع، كتلك التي يثيرها الأن فيروس كورونا، أنها جولة جديدة من الصراع بين الفيروس والعلماء، ينتصر فيها الفيروس تارة، ويحقق العلماء انتصارات محدودة تارة أخري، بينما يستمر نزيف الارواح. علي مدار العقد الماضي بات من الشائع ان تتصدر عناوين الصحف أخبار احد الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي، وتنتمي لفصية فيروس الانفلونزا، مسببة حالة من الذعر والهلع. حدث ذلك عام 2003 مع ظهور فيروس سارس، وفي عام 2006 مع انفلونزا الطيور، و 2009 مع انفلونزا الخنازير، وفي سبتمبر 2010 عرف العالم فيروس "كورونا" في سبتمبر 2012 الذي انتشر علي مدار الشهور الماضية. بحساب الارقام، تعّد هذه الفيروسات محدودة التأثير وأقل فتكاً مقارنة بفيروسات أخري، فسارس مثلاً لم يحصد سوي حوالي 800 شخص من اجمالي 8273 حالة اصابة علي مستوي العالم، بينما لم يتجاوز عدد ضحايا انفلونزا الطيور 365 شخصا. في المقابل يتسبب فيروس الحصبة في مقتل 197 الفا سنوياً، وفيروس سي، الذي يصيب3٪ من اجمالي سكان العالم يتسبب في مقتل 56 الف شخص سنوياً. رغم ذلك، والحقيقة أن ظهور احد الفيروسات الخاصة بالجهاز التنفسي يرفع حالة التأهب في العالم لدرجاتها القصوي، ربما لان أشد الفيروسات فتكاً في التاريخ كان فيروس الانفلونزا الاسباني الذي ظهر عام 1918، وتسبب في مقتل اكثر من 50 مليون شخص علي مستوي العالم في عام واحد، في وقت كانت السفن فيه هي أسرع وسيلة للانتقال، فما بالك بالآن وقد أصبح من السهل ان ينقل راكب واحد علي احدي الطائرات الفيروس الي بلده في أقل من ساعتين. من هنا يري كثيرون ان هناك مبررا كافيا لحالة الفزع التي اصابت دول العالم مع اعلان ارتفاع حالات الاصابة بفيروس كورونا الي 360 حالة علي مستوي العالم منذ ظهوره، (مات منها اكثر من مائة حالة) ،و تنفرد السعودية وحدها ب 279 حالة، بينما تتناثر بقية الحالات في عدد من الدول من بينها الامارات والكويت ومصر والاردن وعمان وقطروتونس، الي جانب فرنسا والمانيا وايطاليا واليونان وبريطانيا وماليزيا والفلبين. والمخيف هنا ليس العدد نفسه بقدر وتيرة تسارعه، خاصة خلال الشهرين المنصرمين. فقد ارتفع معدل الاصابة في السعودية من 1-3 حالات الي 10 حالات يومياً وتزامن ذلك مع ظهوره في عدد من الدول الأخري في آسيا واوروبا وشمال افريقيا. والخطورة هنا، كما تري صحيفة "لاتين بوست"، ان الحالات المعلن عنها هي الحالات الحادة فقط، واعراض هذا الفيروس في بعض الاحيان تكون معتدلة وبسيطة بشكل لا يجعل المريض يشك بإصابته بالفيروس، وهو الامر الذي يرجح ان حالات الاصابة قد تكون اكثر من ذلك بكثير. بينما يري موقع "بيزنس انسايدر" العلمي الاليكتروني ان خطورة هذا الفيروس لا تكمن فقط في الغموض الذي يحيط به وعدم التوصل لعلاج أو مصل له حتي الآن، ولا لعدم اكتمال الصورة لدي العلماء بشأن مصدره وطرق انتقاله، رغم مرور ما يقرب من 20 شهراً علي ظهوره، ولكن تكمن في تسببه في مقتل حوالي 40٪ من المصابين به، وهو ما يجعله أكثر فتكاً من "سارس" الذي تسبب في مقتل حوالي 10٪ فقط من الحالات المصابة به. رغم ذلك يري ديفيد سويردلو، المدير المساعد لمركز مكافحة الامراض" ان "كورونا" لن يتحول الي وباء جديد يهدد العالم. ويعتمد سويردلو في تفاؤله علي نقاط علمية ثابتة منها ان الفيروس ليس له "سلسلة انتقال بشرية متواصلة" بمعني انه ينتقل من الشخص المصاب الي شخص واحد آخر ثم يتوقف عند ذلك ما يجعل السيطرة عليه ممكنة. كذلك فان حالات الوفاة كانت بين أشخاص يعانون من اعتلال صحي أو امراض أخري، بمعني ان نسبة تأثيره علي الأصحاء أقل. كما ان العدوي بالفيروس تتطلب الاحتكاك القريب والمباشر مع المصاب، كما ثبت من انتقاله الي العاملين بالرعاية الصحية للمرضي المصابين، علي عكس سارس مثلا الذي كان ينتقل عبر الرذاذ. وما يزيد من جرعة التفاؤل اعلان فريقي بحث في امريكا والصين، الاسبوع الماضي، عن توصلهما لاجسام مضادة لمواجهة الفيروس، وهو ما يعد خطوة علي طريق التوصل الي علاج له في القريب العاجل. لكن حتي ذلك الحين يدق موقع "جرين بروفيت" جرس الانذار مما يمكن ان يسببه الفيروس من ضرر مع توافد الملايين في موسم الحج علي السعودية، الدولة المضيفة لفيروس كورونا.