أن دور الأزهر الشريف في تلك المرحلة هام وحساس وحرج للغاية تبعاً للمرحلة التى تمر بها مصر، فالأزهر هو منبر الوسطية التى فقدناها وسط صخب الخطاب الدينى المتطرف الذى طغى على المرحلة الماضية. انطلاقًا من المسؤولية الدِّينية والثوابت الوطنية للأزهر، وقيامًا بمسؤوليته التي ينتظرها منه الشعب المصري؛ تقديرًا لخطورة اللحظة، وأملاً في الخروج بالوطن من هذه الأزمة، يدعم الأزهر الشريف دعماً كاملاً مبادرة المصالحة الوطنية الشاملة التي تنطلق غدًا دون إقصاء لأحدٍ، وبما يضمن جمع كلمة المصريين، ولم شملهم حول المصالح العُليا للوطن، وإعلائها على كلِّ ما سواها. كما حافظ الأزهر على استقلال مؤسسته وشيخه في مشروع الدستور الجديد، إن الاختلاف سنه الله في الكون وفي الخليقة لكنه لا يقدح في وطنية أحد ولا يصمه بالعداء والتخوين وإني أناشدكم أن تفتحوا أبواب التصالح وأن ترتادوا آفاق التعان من أجل وحدة البناء واستقرار مصر المستقبل". فالحفاظ على أرواح المسالمين مسؤوليتكم الكبرى وإنا لنناشدكم التحلي بالصبر الجميل الذي عهدناه فيكم تجاه انفعالات بعض المتظاهرين ما داموا لم يعتدوا على مقدرات الوطن وأمن المواطنين، فإن خرجوا على كل ذلك فأنتم بهم خير كفيل في إطار القانون". نحن على ثقة كبيرة في أنه لا تزال هناك فرصة ولايزال هناك أمل ومتسع للكثيرين منكم ممن لم يثبت تحريضه على العنف والتخريب أن يجنح إلى السلم وأن يتداعى للجلوس على مائدة الحل السلمي" من أجل "حماية هذا البلد من الانزلاق إلى نماذج من الفتنة العمياء التي أحدقت ببلاد نعرفها جميعا وأتت على الأخضر واليابس′′. أنه طالما نُصر على البحث عن مشعل النار بدلاً من إطفائها فإننا نسير إلى الهاوية بسرعة كبيرة، وليتحمل من يرفض التصالح الدماء التي سالت والتي ستسيل، والأزهر الشريف وشيخه أكبر من أن ينال منهما بكلمات من هنا وأخرى من هناك، وإذا كان الأزهر كما يزعمون فقد دوره فليقبلوا دعوات التصالح الصادرة من أي جهة أو حتى من الخارج، وسيكون الأزهر وشيخه في غاية الرضا متى عصمت دماء المسلمين، ولو كانت بسعي غيره،. أن المشيخة فى هذه المرحلة الحساسة تعبر عن ضمير ونبض الأمة المصرية. أن تتلاقى كل مبادرات المصالحة الوطنية فى مبادرة واحدة يتم من خلالها اختيار وسطاء بين الإدارة السياسية وجماعة الإخوان المسلمين لوضع حلول تلتزم بها كل الأطراف فى العملية السياسية بدون إقصاء لأحد وبدون ووضع المحاسبة القانونية لكل من أخطأ أو ارتكب جرماً فى حق الوطن ونؤكد أن كل مؤسسات الدولة مطلوب منها أن تشارك فى مصالحة اجتماعية تعقبها مصالحة وطنية لكل الأطراف. مع ضرورة أن تكون قرارات المصالحة ملزمة للجميع ومحافظة على المصالح العليا للوطن دون مساس بحق الشعب المصرى باختيار من يمثله أو من ينوب عنه عبر عملية ديمقراطية مبنية على خارطة الطريق التى عبرت عنها انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو. أن حلم المصريين فى وطن وحياة كريمة هو حق لن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تجعله يتنازل عن هذا الحق وأن الإرادة الصادقة سيكتب لها التوفيق. أنَّ الأزهر الشريف هو المرجعية الإسلامية المنوط بها والقائمة فعلاً بكل ما يتَّصل بالدعوة والشريعة الإسلامية، وأنَّ الإمام الأكبر وجميع علمائه وأبنائه يُؤكِّدون أنهم المسئولون أمام الله وأمام الوطن عن الحفاظ على الإسلام ومبادئه السمحاء وشريعته الغرَّاء، والحرص على وسطيَّته دون إفراط أو تفريط. أن مصر الأزهر ستظل الحصن الحصين للإسلام والأمة العربية، وأن أرض الكنانة لم تهن علي أحد ولا نريد أن نهون علي بعضنا أو نتشاجر بما يضر بوطننا، وعقب الانتهاء من أداء الصلاة توجه بعض المصلين إلي ميدان التحرير للانضمام إلي الموجودين هناك. أن المسلم الصائم لا ينطق ولا يقول إلا طيبا، وعلي الجميع مراعاة خطورة الكلمة وأهميتها وضرورة التحقق من الكلام قبل قوله لمنع الفرقة والشتات والفتن، لأن ما نعانيه سببه عدم التدقيق في الكلام. لهذا نقول لفرقاء الأمة جمعاء حين تضيع معاني الدين وتبقى مظاهره، تصبح العبادة عادة، والصلاة حركات، والصوم جوعاً، والذكر تمايلاً، والزهد تحايلاً، والخشوع تماوتاً، والعلم تجملاً، والجهاد تفاخراً، والورع سخفاً، والوقار بلادة، والفرائض مهملة، والسنن مشغلة. وحينئذ يرى أدعياء الدين، عسف الظالمين عدلاً، وباطلهم حقًّا، وصراخ المستضعفين تمرداً، ومطالبتهم بحقهم ظلماً، ودعوة الإصلاح فتنة، والوقوف في وجه الظالمين شرًّا. وحينئذ تصبح حقوق الناس مهدرة، وأباطيل الظالمين مقدسة، وتختل الموازين، فالمعروف منكر، والمنكر معروف. وحينئذ يكثر اللصوص باسم حماية الضعفاء، وقطاع الطرق باسم مقاومة الظالمين، والطغاة باسم تحرير الشعب، والدجالون باسم الهداية والإصلاح، والملحدون بحجة أن الدين أفيون الشعوب. لو كنا نحن أرباب هذه الحضارة للفتنا الدنيا إلى أدب القرآن، ولشدنا له الجامعات، وعقدنا له المؤتمرات، وألفنا فيه الحوليات، وأنشأنا له المختبرات، ولجعلناه شاغل الدنيا ومالئ تفكير الناس، ولشوقنا إليه النفوس فافتتنت به، ولجلونا جماله للعقول فتدلهت به، ولكن أرباب هذه الحضارة ما برحوا يناصبونه العداء، ويحملون لهدمه المعاول، ويكيدون له في السر والعلن، وينفقون من أموالهم وأوقاتهم في طمس نوره وتشويه حقيقته ما لو أنفقوا جزءاً منه في تخفيف ويلات الإنسانية لكانوا متحضرين حقًّا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون ? إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون?. إنكم تتألمون اليوم لاستغلال بعض الناس دعوة الإسلام والأخلاق، إلى جر المغانم لأنفسهم من جاه أو مال أو جرهما معاً، مما آذى سمعة الإسلام، وأضر بالدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الصحيحة، لا تتألموا من ذلك يا إخواني؛ فإن استغلال الدين واستغلال ذوي السلطان والقوة للمتظاهرين بالدعوة إلى الله، لم ينقطع في كل عصور التاريخ، وبخاصة في تاريخ الإسلام، ولقد قرأتم في تاريخ المصلحين كيف كانوا في كل عصر يقاومون في دعوتهم من قبل المستغلين للدين أكثر من أعدائه، وأنكم لتعلمون أن أولئك الذين كانوا يقاومون المصلحين كانوا أكثر قوة ونفوذاً في الجماهير ممن يقاومون دعوتكم اليوم أو يستغلونها، حتى إنكم لتجدونهم أقزاماً بجانب أعداء الإصلاح في الماضي، ومع ذلك لقد ذهب أولئك الدجالون جميعاً إلى الجحيم، وبقي المصلحون وحدهم هم الخالدين. أراد الله بالإسلام أن يكون ثورة على الفساد، وبناءً للخير، فحقق به المسلمون الأوائل أعظم تقدم بالإنسان نحو إنسانيته الكاملة، وأراد المسلمون به في العصور الأخيرة مؤيداً للفساد مشوهاً للخير فرجعوا بإنسانيتهم إلى ما قبل عصور الجاهلية الأولى. ويريد به المصلحون اليوم أن يكون ثورة وبناءً كما كان من قبل في العصور الزاهرة الأولى، ويريد به المفسدون اليوم أن يكون سنداً لفسادهم، والطغاة أن يكون ستاراً لطغيانهم، ويأبى الله أن تغل يد الإسلام القوية، وأن يغطى وجهه المنير، وأن يكون ألعوبة تتقاذفه الأهواء ذات الشمال وذات اليمين، ولكل أجل كتاب ?والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون?. ليست مشكلة الأمة في السياسيين ذوي العقائد المتباينة، بقدر مشكلتها في السياسيين ذوي الأهواء المتباينة. ولسياسي متوسط الثقافة ذكي مخلص أنفع للأمة من مائة سياسي فلاسفة عباقرة تتحكم فيهم الأهواء والشهوات. بعض الناس يقرضون الوطن ما هو إليه محتاج، وبعضهم يقرضونه بما هوعنه مستغن، والفرق بين أولئك وهؤلاء: أن أولئك يضمون إلى الوطن قوة، وهؤلاء يفتحون عليه ثغرة.