بادرت بالمعايدة علي نفر قليل من اقاربي، فترت علاقتي بهم لمجرد انني ابديت رأيا مخالفا لآرائهم، وهو تطور سلبي خطير يشي بأن الاستقطاب الجاري في مصر الآن لم تقف تداعياته عند حد السياسة بل وصلت الي العلاقات العائلية وصلة الرحم. الي هذا الحد الخطير لم يعد الخلاف في الرأي يفسد فقط للود ألف قضية، بل انه يفتح ابواب جهنم ويدفع لقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فقد اصبح عاديا ان تقرأ او تسمع ان خلافا في الرأي انتهي بمشاجرة استخدمت فيها اقذع انواع الشتائم وحين التهب الامر استعملت الاسلحة البيضاء وحين تدهورت الاوضاع دخل الخرطوش والرصاص الحي ساحة الرأي. واذا كان من الطبيعي ان يتكرر وقوع المشاجرات بين عموم الشعب، كالحرب التي تندلع بين يوم وآخر بين الباعة الجائلين واصحاب المحلات، او خناقات الجيران في المناطق الشعبية لاتفه الاسباب، فما الداعي الي ان تقع مثل هذه المشاجرات والملاسنات اللفظية بين خواص الشعب الذين يسمون انفسهم النخبة والذين يتباهي بعضهم بانهم تلقوا ارقي انواع التعليم في الجامعات الامريكية والاوربية ويحرصون علي ابراز ذلك بخلط حديثهم بكلمة عربية واخري انجليزية. في الحقيقة علينا ان نعذر من لم ينالوا من العلم اي قسط يهذب نفوسهم ويسمو بسلوكهم ، اذا كان أهل ذلك والقادرون عليه يستخدمون أحط الالفاظ والعبارات لذم معارضيهم. ويجري كل ذلك بدعوي الديمقراطية وحرية الرأي دون ان يراعي كل هؤلاء ان ذروة سنام الديمقراطية هي السماح بالرأي الاخر والتسامح مع الاراء المخالفة او التصالح معها ان امكن. ونسي هؤلاء المتشدقون بالتعلم في السوربون وغيرها من جامعات فرنسا، الحكمة الاثيرة لفولتير: "قد أختلف معك في الرأي و لكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحريتك في الدفاع عن رأيك" وقلبوا الاية" إياك ان تختلف معي في الرأي وإلا سأكون مستعدا لان تدفع حياتك ثمنا لحريتك في الدفاع عن رأيك" وهكذا خرج الفرعون المكبوت داخل كل منا واصبح كل مصري لايريد للاخر ان يري الا ما يراه هو"ما أريكم إلا ما أري " قرآن كريم لم يعد كثير من المصريين يحتملون ان تختلف معهم في الرأي، وعليك ان توافق الجميع علي آرائهم وإلا سلقوك بألسنة حداد شداد. ووصل عدم التسامح مع الآراء المخالفة الي داخل الفصيل الواحد وليس فقط الي الخلاف الطبيعي بين الفصائل المختلفة من المؤيدين والمعارضين ، فاما ان توافق الفصيل الذي تتبعه علي كل ارائه أو ان تتهم بانك مارق وفاسق وشاقق للصف وسارق للاجماع وحارق للتآلف. متي نتخلص من هذا المناخ السياسي المسموم والمعبأ برياح الكراهية التي غطت الغلاف الجوي المصري حتي اصبحت أتخيل ان عدوا ما ألقي بحبوب الكراهية في مياه النيل فشربها المصريون! لماذا لا نعود الي زمن المعارضة الجميل حين كان فؤاد سراج الدين ومحمود القاضي وممتاز نصار وعادل عيد ومحمد عصفور وعبد العزيز الشوربجي ومصطفي مرعي يهاجمون في البرلمان والصحف بعنف شديد كلا من سيد مرعي وصوفي ابو طالب باعتبارهما ممثلين للنظام، وفي المساء يلتقيان في المناسبات الاجتماعية بكل مودة واحترام. وكثيرا ما كان الكاتب الصحفي الكبير موسي صبري يشرع قلمه في افتتاحية "الاخبار" منتقدا بكل قسوة خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع ، ولا يمنعه ذلك من ان يتبادل الهدايا مع خالد محيي الدين ويجلسان في المساء يتحدثان بكل ود واحترام في الوقت الذي لم يتخل كل منهما او يتنازل عن رأيه. هل أحلم ان يعود هذا المناخ مرة اخري الي مصر ويعود معه احترام الرأي الاخر دون سب او قذف او تجريح او تشهير او بث واشاعة الاكاذيب او رمي الناس بالباطل الذي وصل في بعض الاحيان الي قصف المحصنات، وهو جرم لو تعلمون عظيم. اللهم احفظ مصر واهلها وألف بين ابنائها وابعد الوسواس الخناس الذي يوسوس بالفتنة في قلوب الناس.