عندما شاهد المدرب الإيطالي"ترباتوني" بيرلو وهو يمرر الكرة قال كلمته الشهيرة " أخيراً إيطاليا وجدت ضالتها". بيرلو المتألق دائما في كرة القدم أراد النجاح في عالم أخر، وهو عالم الكتابة حينما قرر أن يسجل مسيرته الناجحة في كرة القدم من خلال كتابة الأول، والذي وضع له عنوان" أفكر إذاً ألعب". يكشف بيرلو في كتابه العديد من الأسرار، وأجواء غرف الملابس ، وتقوم بوابة أخبار اليوم بنشر فصول الكتاب، بموجب كل يوم فصل من الكتاب، وإليكم الفصل الأول منه: قلم، ربما قلم جميل لكنهُ يبقي قلم..قلم كارتير لامع، أثقل من أقلام Bic، وعليه ألوان الميلان، لكنهُ يبقي قلم..قلم مليء بالحبر بالأزرق..أخذت القلم وبدأت أفكر، قلبتهُ بين يدي وأثارت فضولي بعض التفاصيل فيه، فجأة جالياني قال:" رجاءً، لا تستخدم هذا القلم للتوقيع لليوفنتوس " - علي الأقل جالياني ألقي نُكته.. كهدية وداع كنت أتوقع شيء أكبر في هذا الوقت الكوميدي، 10 سنوات في ميلان انتهت بهذا الطريقة.. ابتسمت وضحكت.. لأني أعرف كيف أفعل ذلك جيداً.. ثم قال لي: " شكراً لك علي كل شيء، أندريا". - بينما كان يتحدث غالياني بهدوء علي طاولته، بدأت ألوح بنظري في أرجاء الغرفه، رأيت العديد من الصور والذكريات، العديد من اللحظات التي لا تنسى كانت معلقة على حائط تلك الغرفة، عشت أجزاء سعيدة منها، لطالما وقعت الكثير من العقود في تلك الغرفة واستخدمت العديد من الأقلام .. كانت هناك صور بطولات وألقاب ترفع في السماء، لكنني فجأة أدركت: لم تم إخراجي من هذا الإطار، لكن ليس بالقوة. - ميلان كان خائفاً من خطر إنني لم أعد قادر على الركض، لهذا عندما انتهى ذلك الاجتماع كنت متأسفاً، لكن محق.. وكذلك كان جلياني وأيضا وكيل أعمالي توليو تينتي ..أنهينا كل شيء دون شعور بالذنب..في نصف ساعة غادرت المكان، عندما تحُب فإنك تحتاج للوقت..وعندما تموت المشاعر فإنك تحتاج لعذر يُساعدك. - قيل لي: " أندريا، مدربنا اليجري يرى انك إذا بقيت فإنك لن تلعب أمام الدفاع، يريدك أن تلعب في مكان أخر في الوسط وهو الوسط الأيسر ".. تفصيل بسيط : أنا أرى بأنني أمام الدفاع بإمكاني أن أقدم أفضل ما لدي، السمكة عندما تكون في العمق تتنفس بشكل أفضل، عندما تتحرك من مكانها بإمكانها أن تتنفس، لكن ليس بنفس الطريقة. - ثم قيل لي: " حققنا الأسكوديتو وأنت على الدكة أو مُصاب.. بالإضافة إلى انه في هذا الموسم تغيرت سياسة النادي: كل من تجاوز عمره 30 سنه فإننا نقدم له عقد لمدة سنة واحدة فقط ".. هنا أيضا أمر بسيط ومهم: لم أشعر أبداً بأنني كبير في السن ، حتى في تلك اللحظة التي حدثوني فيها.. شعرت بأن هناك من يريد أن يظهرني بشكل اللاعب المنتهي.. تلك المقدمات جعلتني أحتار أكثر من أي شيء أخر. - قلت: " شكراً لكم، لكن لا يمكنني القبول بذلك.. بالإضافة إلى أن اليوفنتوس عرض علي عقد مدته 3 سنوات ". - رفضت العرض، قبل أن نتحدث عن الأموال، لم أتحدث مع جالياني أبدا عن الأموال، لأنني أردت أن اشعر أنني لاعب مهم لمشروع الميلان وليس لاعب على وشك أن ينتهي .. تلك الحقبة كانت يبدو بأنها انتهت، لهذا أردت البحث عن شيء آخر.. كنت اذهب للميلانيلو في أخر موسم لي "الذي تعرضت فيه لإصابتين أفسدت الموسم" وعندما اشعر برغبة بعدم الذهاب إلى غرف الملابس، رغم أن علاقتي كانت جيدة مع كل من في الميلانيلو.. حتى مع اليجري، علاقتي كانت طبيعية..لكن المشكلة كانت في الأجواء.. اكتشفت إن الجدار الذي كان يحميني في هذا المكان طوال هذه السنين قد تحطم..تولدت لدي رغبة ملحة بالخروج والتنفس في مكان أخر..البحث عن حافز جديد. - حتى المشجعين، بعد أن كانوا يهتفون لي في كل أيام الأسبوع التي نلعب فيها، شعرت بأنه قد أصابهم الملل من كل شيء افعله، كانوا قد اعتادوا على لعبي وكل تحركاتي، كل اختراعاتي.. لم أعد أدهشهم.. كنت أرى في أعينهم تلك الكلمات التي من الصعب قبولها: " لم يعد بإمكانك أن تقوم بذلك ".. مفهوم من الصعب القبول به، وفي الحقيقة أراه مُجحف للغاية.. هنا أخذت بعين الاعتبار مبدأ ألم المعدة، وقررت البحث عن حوافز جديدة. - فوراً تحدثت مع نيستا، الصديق والأخ، زميل داخل الملعب وخارجه.. لدينا سوياً الألف المغامرات، معي دائماً في غرفتي.. بين شوطي أحد مبارياتنا التي لا تنتهي في البلاي ستيشن، قلت له: " ساندرينو، أود أن ارحل "..رد علي بدون أن يكون منصدماً: " متأسف حقاً، لكن هذا هو الخيار الصحيح ".. كان أول من يعلم بالتفاصيل بعد عائلتي، خطوة بعد خطوة.. دموع بعد دموع. - بعض الأسابيع كانت أصعب من بعضها الأخر، في داخلي بدأ العد العكسي للرحيل، لكن ليس من السهل الرحيل من مكان تعرف كل شيء فيه بما في ذلك الأسرار..عالم خاص صغير، منحني بدون شك أكثر مما أخذ مني.. كان يثيرني.. مشاعر الاستياء لدي كان تختلط بالحزن.. بكل الأحوال، كان درساً في الحياة يجب أن يُعلم: الدموع تساعد..الدموع هي التصوير الواضح لما يكون عليه أي شخص، هي الحقيقة التي لا يمكن نقاشها..لم أتماسك، بكيت كثيراً ولا أخجل من ذلك. - تذكرة الرحيل كانت في ذهني أكثر مما هي في يدي، كانت مشاعر صعبة، كنت أشبه برجل يقف في المطار قبل ثواني رحيله ثم يلتفت لوداع الأصدقاء، الأقرباء والأعداء..سواءً كان كثيراً أو قليلاً، عندما ترحل فإنك دائماً تترك شيء خلفك.. كنت اتصل يومياً بوكيل أعمالي خلال فترة إصابتي، أمبروسيني وبوميل كانوا يلعبون أمام الدفاع، بيتي تم احتلاله "من أصدقاء لي وبنوايا طيبه" وطردت من حديقتي. - كنت اتصل بوكيل: " توليو، هل هناك أنباء؟" نعم كانت هناك دائماً أنباء جيدة وربما ممتازة.. أمر البحث في العقود أمر غري، أشبه بعلامة إكس على خريطة كنز..كل الأندية تقدمت للبحث عني بعد أن علمت بالأمر، بما فيهم إنتر..أحد إداريي إنتر أتصل بوكيلي: " نريد أن نسأل سؤال بسيط، هل يمانع بيرلو بالعودة لنا؟"..وكيلي كان يسألني" هل تريد العودة إليهم ؟"..لم استعجل بأي رد، كانت أجابني العامة لكل العروض: " أستمع إليهم جيداً". - إنتر أرادني.. لكنني كنت بطئياً " بشكل جيد" في البحث عن فريق جديد، يجب عليك دائماً أن تنتظر كيف سينتهي الدوري، وتعرف من هو المدرب الجديد لكل فريق، وما هي مشاريع كل فريق..فجأة في أحد الأيام وردني ذلك الاتصال: - " مرحباً أندريا، انا ليو"..ليوناردو كان مدرباً للإنتر في ذلك الوقت.. " أهلاً ليو " - " أسمع، أخيراً كل شيء جاهز الآن..تمكنت من اخذ الضوء الأخضر من موراتي لشرائك، بإمكاننا أن نبدأ المفاوضات". - ليو اخبرني كيف إن الإنتر كان جيداً وكيف هي البيئة هناك، كان تحدي يبدو مثيراً وشعور جيد أن تعود لمكان كنت فيه سابقاً..كانت فكرة أن بدل من احد أندية ميلانو إلى الأخر بعد 10 سنوات في ميلان، 9 منها كانت استثنائية..ليوناردو كان يقول:" في الإنتر سيكون لدينا الدور القيادي" وذلك قبل أسابيع من رحيله إلى باريس..فكرت بالأمر، لكن في النهاية لم أتمكن من فعل ذلك..ستكون إهانة كبيرة وغير مستحقة لجمهور الميلان.. قلت ل ليوناردو: " شكراً، لكن لا يمكنني القبول..لأنني وقعت مع اليوفي مساء أمس"..بأي قلم وقعت ؟! لن أخبركم ابداً.