لم يعد لنا اليوم من حديث إلا التمنيات. نتحدث دوما عن الماضي البعيد باعتباره الزمن الجميل، لكن الكارثة اننا نتحدث الان عن الماضي القريب.. وتحديدا عما حدث منذ عامين في 25 يناير باعتباره زمن الثورة الجميل. حزنت كثيرا حين استدعت ذاكرتي مشهد الناشط المحترم جورج اسحاق يمسك بيد الدكتور محمد البلتاجي ويرفعان أيديهما معا خلال احد أيام الثورة ال18 والثوار المحتشدون في الميدان يهتفون: " ايد واحدة". هذا قليل من كثير من المشاهد التي ظلت تعكس طوال 18 يوما صلابة وقوة ومتانة تماسك ووحدة جميع العناصر المحتشدة في الميدان، من أشد العناصر محافظة (السلفيين) الي أكثرها تحررا وانفتاحا (الليبراليين) ومن أقوي العناصر الراديكالية (الاناركيين) الي فصائل اليمين المحافظ ، ومن الجهاديين والجماعة الاسلامية الي التيارات الوسطية :الجمعية الشرعية والاخوان المسلمين وشيوخ الازهر، كلهم جنبا الي جنب مع اخوتنا الاقباط الذين قاسمونا اللقمة وسرير الاسفلت وشربة الماء والخيمة القماش التي لا تغني من برد . هذه اليد الواحدة التي تجمع الكل اصبحت ايادي. رغم انه لا يجرؤ تيار واحد من كل هؤلاء ان يدعي انه وحده هو من خلع مبارك واطاح بنظامه، وفي نفس الوقت ليس من حق احد ايضا ان يقصي تيارا بعينه ويدعي انه لم يشارك في صنع واحد من انصع وأنبل تواريخ مصر ، فهذا الفعل الثوري الجبار هو صنيعة جميع المصريين من أصغر طفل في الميدان حتي أكبر كهل.عكس ما قاله الاستاذ محمد حسنين هيكل حين أوضح في اول حواراته التليفزيونية الاخيرة انه للاسف لم يكن سقوط مبارك بسبب الثوار في الميدان، لكنها ضغوط ادارة اوباما الامريكية التي تخلت عنه. وهي شهادة باطل يراد بها باطل، ألقت دشا باردا علي جثامين أكثر من 800 من شهداء الثورة، ارواحهم لن ترحم من يدعون أن امريكا وليس المصريون هم من أطاحوا بمبارك، وارجعوا لحوار هيكل مع سي بي سي. وبغض النظر عن محاولة تجريد الشعب المصري من شرف الثورة علي الاستبداد والفساد والديكتاتورية ونجاحه في قطع رقبة هذا النظام، اتعجب من لوثة او فيروس التشرذم الذي اصاب جميع فصائل الثورة دون استثناء حين خرجوا من الميدان وتفرقوا شيعا واحزابا {كل حزب بما لديهم فرحون}، كما لو كانت غمامة شتاء ربانية كانت تظلهم داخل الميدان وبمجرد ان خرجوا لم يعد الله يظلهم بها. ماذا حدث؟ هل هو التكالب علي الدنيا والمناصب؟ هل أنسي النجاح في الصندوق بعض التيارات حقوق باقي العباد الذين شاركوا في الثورة؟ هل أغرت الانتصارات الانتخابية البعض، فأبعدوا إخوانهم الشركاء في الثورة؟ كيف يمكن ان نعيد لحمة ووحدة الميدان مرة اخري لتجمع كل التيارات حتي يعود التحرير للجميع دون أن يخشي احد دخوله او دون ان يتعرض اخواني او سلفي للضرب علي يد احد انصار جبهة الانقاذ. او يتعرض احد افراد هذه الجبهة للاعتداء امام مسجد رابعة . نحتاج هنا الي جهود لا تهدأ او تكل او تمل من عقلاء وحكماء الامة لاعادة وحدة الشعب المصري التي تفتتت وتبددت وضاعت بين طرفين عنيدين يرفض كل منهما كل محاولات ومبادرات اعادة روح الميدان التضامنية للحياة السياسية في مصر، لان يد الاخوان وحدها لن تستطيع ان تصفق او تعمل او تنجز وبالمثل ايضا يد جبهة الانقاذ، فلماذا لا تجتمع اليدان معا من اجل مصر، ويقدم كل طرف بعض التنازلات حتي نلتقي في منتصف الطريق؟! نحتاج ان تقدم المعارضة طلباتها دون مغالاة، وان يقبلها النظام دون عناد، كفانا عنادا ستدفع الامة ثمنه غاليا . فإذا كان بعض رموز الأمة، مثل عمرو موسي قد اجتمع ، وهو وزير خارجية مصر، مع أعدي أعداء الأمة (الاسرائيليين)، فلماذا يرفض الجلوس مع فصيل من المصريين يدينون بالولاء لبلادهم مثله تماما. سئمنا وتعبنا من النداء علي كلمة سواء بيننا. اجعلوا العيد الثاني للثورة فرصة لتوحد كل فصائل الثورة مرة اخري. الميدان يتسع للجميع دون احتراب او تخوين او تكفير. ارحموا مصر، يرحمكم الله.