جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي 2025 الترم الثاني بمحافظة القاهرة    بدء اجتماع "محلية النواب" لمناقشة عدد من طلبات الإحاطة    إطلاق قافلة مائية مجانية لخدمة أهالي قرية أبو الشقوق بالشرقية    طلعت مصطفى تحقق 160 مليار جنيه مبيعات خلال 126 يومًا    السيسي ورئيس وزراء اليونان يوقعان إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    كيف يتم انتخاب البابا الجديد؟    تعديل موعد مباراة الأهلي والاتحاد في نهائي كأس مصر لكرة السلة    مصرع تاجري مخدرات في حملة أمنية بقنا    ب6 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق مصنع بلاستيك بالقناطر الخيرية    قبل «دم على نهد».. مسلسلات ل«هند صبري» مستوحاه من روايات    «الصحة» تستقدم خبيراً مصرياً عالمياً في زراعة الأعضاء    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    صعود جماعي لمؤشرات البورصة ببداية جلسة اليوم    «فتوح الكويت» تنشئ مصنعاً للتعبئة والتغليف في السخنة باستثمارات 1.7 مليون دولار    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    وزير التعليم العالي يستقبل وزير خارجية جمهورية القمر المتحدة.. تفاصيل    ارتفاع حصيلة شهداء قصف مدرستين في مخيم البريج بقطاع غزة إلى 49 شهيدا    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    المستشار الألماني الجديد يبدأ أول جولة خارجية بزيارة فرنسا    عمال مصر .. أيادٍ كريمة وإرادة لا تعرف المستحيل    شوبير يهاجم إدارة الزمالك بسبب غياب الانضباط وافتقار النظام    «طالبوا ببيعه».. جماهير برشلونة تنتقد أداء نجم الفريق أمام إنتر في دوري أبطال أوروبا    منتخب التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم للناشئين    وزير الري: توظيف أحدث التكنولوجيات للتعامل مع تحديات المياه    البابا تواضروس: الأم تريزا ومجدي يعقوب شخصيات بنت جسور المحبة بالفعل وليس الكلام    قرار هام من المحكمة بشأن المنتجة سارة خليفة وآخرين في قضية تصنيع المخدرات    استبعاد معلمة بعد ضربها تلميذ مصاب بالسكر بإحدى مدارس القاهرة.. ومنعته من "دورة المياه"    لحظة ذعر مفاجئة.. صرخة تنقذ سيدة من السرقة داخل عقار بحلوان    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    ضبط 49.2 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    وزير العمل يُعلن بدء التقديم في مِنح مجانية للتدريب على 28 مِهنة بشهادات دولية    رغم مرور 22 عاما على عرضه، فيلم "سهر الليالي" يرفع شعار "كامل العدد" بالسينما اليوم    غداً.. صناع فيلم «نجوم الساحل» ضيوف منى الشاذلي    روجينا تهنئ رنا رئيس بزفافها: "أحلى عروسة وأحلى أم عروسة"    مخرج «لام شمسية» يكشف السبب وراء اختلاف أسماء الحلقة 14 وتأخر عرض الأخيرة    وائل غنيم يعتذر لتركي آل الشيخ ويعلن توبته: «ظلمت نفسي وسأعيد الحقوق لأصحابها»    هل انكشاف أسفل الظهر وجزء من العورة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    شقيقي عاجز عن دفع مصاريف مدارس أولاده فهل يجوز دفعها من زكاة مالي؟.. عالم أزهري يجيب    انخفاض أسعار «البامية والبطاطس والبطيخ» بأسواق المنيا اليوم الأربعاء 7 مايو    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    جامعة بنها: توقيع الكشف الطبي على 80 حالة بمدرسة المكفوفين    صندوق مكافحة وعلاج الإدمان يعلن عن وظائف شاغرة    أحمد سليمان: هناك محاولات ودية لحسم ملف زيزو.. وقد نراه يلعب خارج مصر    الأسباب والأعراض    حظك اليوم.. مواليد هذه الأبراج «شباب دائم» لا تظهر عليهم الشيخوخة هل أنت من بينهم؟    كندة علوش: تكشف «رد فعلها في حال تعرضها لموقف خيانة في الواقع»    قانون الإيجار القديم أمام البرلمان.. الحكم الدستوري لا يحرر العلاقة بل ينظمها بعد عقود من الظلم    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    مصيرهم مش بإيديهم| موقف منتخب مصر للشباب من التأهل لربع نهائي أمم أفريقيا    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    بيدري منتقدا الحكم بعد توديع الأبطال: ليست المرة الأولى!    استولى على 13 مليون جنيه.. حبس رجل أعمال 3 سنوات بتهمة الاحتيال على لاعب الأهلي "أفشة"    كندة علوش: اتعلمت مع عمرو يوسف أختار التوقيت والنبرة الصح وده منع خناقات كتير بينّا    ترامب: لا يمكن لإيران أن تمتلك أسلحة نووية ولن يبقى أمامنا خيار إذا سارت في طريق آخر    «تحديد المصير».. مواجهات نارية للباحثين عن النجاة في دوري المحترفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آعجبني هؤلاء
ممنوع دخول الشعراء گل الشعراء مجانين وعباقرة وأفلاطون منعهم من دخول المدينة الفاضلة
نشر في أخبار اليوم يوم 27 - 01 - 2012


أنيس منصور
أردت أن أدخل في جو الشخصية الفريدة التي سوف أزورها. فذهبت إلي »حديقة التنهدات«. وهي الحديقة التي يجلس فيها طلبة الجامعات يتنهدون ولا يذاكرون. وفي الحديقة تمثال لشاعر سخر منه الطلبة.. فأقاموا له تمثالا فيه كل العيوب الفنية في الشكل والحجم!.. وقبلها بأيام كنت في مدينة البندقية ومررت تحت »جسر التنهدات« وهو الجسر الذي يمر فوقه المحكوم عليهم بالإعدام فيلفظون آخر أنفاسهم وهم ينظرون إلي بحيرات البندقية الجميلة.
وذهبت إلي بيت الشاعر الألماني هيلدرلن »0771 3481« وكأنني أمشي علي رموش عيني. مشيت برفق كأنني أخشي أن أوقظه.. أو كأنني استأنفت السير في جنازته. وكانت المفاجأة.. فتحت الباب سيدة في غاية الحيوية والبهجة.. وكأنها ترحب بي لأنني جئت إلي عرس مع أنني جئت أقدم واجب العزاء في أمير شعراء ألمانيا الذي مات مجهولا.. ولكن بعد أن عرفوه أسرفوا في حبه.
ولم أكن أعرف هذا الشاعر إلا من خلال ترجمة د. عبدالرحمن بدوي لجزء من ديوانه »هيريون«. والذي قرأته أعجبني ولكن عندما عدت إليه أقرؤه في لغته وفي لغات أخري أحببت الشاعر الذي كتب أهم المعاني الفلسفية في غاية الرقة.
فتحت الباب فكانت هذه السيدة التي تهلل كل شئ فيها وأشارت بيدها: هذه الغرفة التي عاش فيها الشاعر نصف عمره مجنونا.. ونصف عمره بالضبط. شئ غريب: 63 عاما ونصف عام عاقلا والنصف الباقي كان مصابا بانفصام في الشخصية. لا يدري ما يقوله وما يقال له.. وأشارت إلي ركن في الغرفة كان يجلس فيه متحدثا إلي نفسه.. فيقول كلمات موزونة ويغنيها.. سعيدا بها لا يدري بنا.. ولكنه سعيد بما يقول. ولم يحدث أن طلب طعاما أو شرابا.. فالجوع والشبع عنده سواء. فكان يقال له هذا موعد الغداء: تفضل.. هذا موعد العشاء: تفضل.. هذا موعد النوم .. هذا موعد دورة المياه. وكان يطيع تماما ولا يقول شيئا. لقد تحول إلي آله نحركها إلي أي مكان ولا نلقي منه مقاومة.. هنا أقام الشاعر نصف عمره تماما.
ويري النقاد الألمان أنه اعظم من جيته الذي هو أمير الشعراء وأن شاعر ية هيلدرلن أروع.. ولكن فلسفة جيته وحبه للحياة هو الذي توجه علي عرش الشعر..
ورجعت أكثر كآبة وحزنا علي موهبة بددها الجنون!
سكت ثم تهدج صوته وبكي
وطلبت الأستاذ العقاد في بيته وجاء صوته: أهلا يا مولانا.. خير.. قلت: والله يا أستاذ لا أعرف إن كان خيرا.. ضحك العقاد وقال: إن كان خيرا أهلا به وان كان شرا فقد أعتدنا عليه.. قل يا مولانا..
قلت: أنا وجدت الأستاذ عبدالرحمن شكري في الاسكندرية.. وأدهشني العقاد، فهو أيضا لم يندهش وإنما سألني: كيف حاله يامولانا؟
قلت: أسوأ حال يا أستاذ..
وحكيت كيف اهتديت إليه. قال: تعال يامولانا وأنا في انتظارك.
وتحدث الأستاذ العقاد عن مزايا الشاعر الكبير عبدالرحمن شكري.. وأن تكوينه النفسي يمنعه من أن يكون كبيرا.. وأن انطواءه وانزواءه طبيعي جدا. فهو كذلك منذ أن عرفه.. وفي رأي العقاد أن عبدالرحمن شكري كان من الممكن ان يكون واحدا من أعظم الشعراء لولا أنه لا يحب الشعر، ولا يحب ان يكون شاعرا.. فهو لا يحب عبدالرحمن شكري.
وقال العقاد إن عبدالرحمن شكري لم يكن شجاعا لدرجة أن ينهي حياته بيده مثل الأديب الفرنسي جان جينيه: أن يسرق ان يشرع في قتل احد.. أن يعري صدره للبوليس.. والأديب الفرنسي جينيه قد كتب علي نفسه أنه لص وأنه شاذ جنسيا. ويوم حبسوه ثار كل أدباء فرنسا في مظاهرة تطلب العفو لأنه مريض.. فهو لم يسرق لأنه في حاجة إلي شئ.. وإنما هو مريض..
وأفرجت عنه الدولة فلم تستطع الدولة أن تعارض مظاهرة يتقدمها فلاسفة فرنسا وأدباؤها.. ولكن شكري ضعيف، وقد حاول الانتحار وعدل عن ذلك في آخر لحظة.
وبعد أيام طلبت الأستاذ العقاد وقلت له: البقية في حياتك يا أستاذ..
فتساءل: من يامولانا؟..
قلت: عبدالرحمن شكري..
فسكت الأستاذ تماما.. دقيقة دقيقتين.. ثلاثا ثم تهدج صوته وبكي وارتجل أبياتا من الشعر في رثاء عبدالرحمن شكري!
أفلحت في أن أجعل موته علنا
لقد وجدت شاعرنا الكبير عبدالرحمن شكري قصيرا. أقصر مما تخيلت.. أو لعله صار قصيرا نحيفا.. وطربوشه قد اتسع علي رأسه أو رأسه صغر فهبط الطربوش إلي ما فوق حاجبيه..
وأما منظاره الغليظ فغطي جزءا من الطربوش.. أما لون الطربوش فهو أحمر أسود.. أو أسود أحمر.. ولكنه مطبق.. تكسر أو انكسر .. أما ملابس الشاعر الكبير فبدلة قديمة جدا.. ويبدو أن لديه قميصا واحدا اختفت ألوانه أو صارت له ألوان وفيه فتحات..
ولا أذكر لون الجاكت أو البنطلون.. ولكن من المؤكد أن لهما ألوانا.. والذي أدهشني أنه صافحني كأنه يعرفني.. أو كأننا التقينا قبل ذلك بأيام. ولم يندهش.. بل أنا اندهشت لذلك..
ثم أشار إلي الأرض: تفضل.
أي تفضل واجلس علي الأرض.. فليس عنده مقعد.. ولا سرير.. وإنما المرتبة والمخدات علي الأرض.. وليس في الغرفة شئ.. لا كوب ولا كتاب ولاصحيفة..
وجلست علي الأرض.. أما هو خلع حذاءه أو انخلع حذاؤه وتساقطت الجاكتة والبنطلون. ولم يكن قميصا وإنما جلبابا حشره في البنطلون، فهو قميص نهارا وجلباب ليلا.. واتخذ ركنا من الغرفة.. وجلس واتجه إلي يسألني ماذا أريد أو كيف اهتديت اليه.. فقلت: لقد ظنوك ميتا يا أستاذ.. أو انتحرت.. أو أصابك شئ فسقطت في الشارع ثم مقابر الفقراء لا يدري بك أحد.. بعد ان نسيك الادباء والشعراء عشر سنوات أو يزيد..
سألته هل تسمح لنا بأن نلتقط لك صورة؟
وخلع طربوشه ووضع إلي جواره جزمته.. ثم طربوشه فوق الجزمة.. ثم وضع الطربوش بين الجزمتين.. ثم قال: هذه أحسن صورة!
ونشرت صورة شاعرنا الكبير وقلت إنني إكتشفت أنه حي.. وبعد أيام مات الشاعر الكبير فقلت: كان من الممكن ان يموت دون ان يدري به أحد.. ولكن أفلحت في أن اجعل موته علنا!
وبكي الأستاذ العقاد.
العقاد ليس مجنونا
ثلاثة هم أعضاء »جماعة الديوان« العقاد وعبدالرحمن شكري وإبراهيم عبدالقادر المازني. أكبرهم العقاد وأقربهم إلي الفلسفة والمنطق والتحليل العقلي. وأشعرهم عبدالرحمن شكري وأكثرهم كآبة ورغبة في اعتزال الناس وأقلهم إيمانا بالإنسان. فهو يري أن الإنسان حيوان لسوء حظه صار إنسانا ولسوء حظه مرة أخري أنه غير قادر علي أن يرتد حيوانا..
وأخفهم دما وألطفهم وأكثرهم إحساسا إبراهيم عبدالقادر المازني وهو في سن العقاد قصير القامة به عرج خفيف.. ورأيي الشخصي أن المازني هو الأديب الوجودي الوحيد في الأدب العربي. وهذا واضح في قصصه وفي فلسفته السياسية. ولأن المازني لم يعمل في الصحف ولأنه انطوائي يأسا من الناس، فلم ينتبه النقاد إلي أنه لمس كل القضايا الفلسفية المعاصرة وفي غاية التواضع.
ولسوء حظي لم أقابل المازني إلا مرة واحدة والسبب أنني أنشغلت بالعقاد عمن سواه من المفكرين طه حسين مثلا. وندمت علي السنوات التي ضاعت دون أن أعرف طه حسين الاستاذ والأب الرقيق.
والعقاد ليس مجنونا، إلا إذا اعتبرنا محاولته الانتحار مرتين.. وفي الحالتين كان السبب واحدا: ليس معه ما يجعله يعيش يوما واحدا.
حتي راح يبعث لأصدقائه أن يساعدوه ماديا.. ولا يزال الخطاب الذي بعث به إلي العصامي لطفي جمعة، نموذجا علي الهوان ونقطة سوداء في حياتنا الأدبية.. فالعقاد لا يجد قوت يومه؟!
والخطاب الذي بعث به إلي لطفي جمعة يقول فيه:
ساعدني ولا تهرب مني كما فعل كثيرون.. ولا أجد قوت يومي.
وهو ما قاله قبله أديب فيلسوف أو فيلسوف أديب هو أبو حيان التوحيدي في كتابه »الإمتاع و المؤانسة«..
وأما الجنون أو الذي أصابه مس من الشيطان أو الشياطين فهو الشاعر الكبير عبدالرحمن شكري.
كل الشعراء مجانين
عبارة عاشت مئات السنين.. ولم يتوقف عندها إلا عدد قليل من علماء النفس والنقاد. فلا كل الشعراء مجانين ولا كل الروائيين ولا كل الفلاسفة.. وإنما بعض الشعراء والأدباء والرسامين والفلاسفة.
وقد ارتبط الجنون بالعبقرية.. فكلمة »جني« بمعني عفريت هي نفس الكلمة في اللغات الأوروبية بمعني عبقري.. وعبقري كلمة منسوبة إلي وادي »عبقر« الذي يسكنه الجن وشياطين الشعر والفن.
والفيلسوف أفلاطون أقام مدينته الفاضلة.. أو مدينته المثالية:
»يوتوبيا« ومنع دخول الشعراء.. لأنهم يخلقون وهما كبيرا ويجملونه لكي يصدقه الناس.. وهم بذلك دعاة الوهم والخرافة أعداء المنطق والواقع.. ولهذا السبب حرم عليهم الحياة في مدينته الفاضلة..
وقد اطلق الجنون علي الشعراء لعالمهم الوهمي الجميل الذي يزينونه بالصور البديعة والموسيقي.. وبعض الشعراء أصابهم الجنون في آخر حياتهم.. وليس معني ذلك أن كل الذي قالوه قبل الإصابة بالجنون كلام فارغ أو هلوسة.. وبعض الشعراء شنق نفسه كالشاعر الروماني لوكويشيوس.. طلب من زوجته ان تشنقه فرفضت فقام هو بهذه المهمة وهو يلعن المرأة قائلا: لا تريدني أن أعيش ولا أن أموت.. فماذا تريد؟!
والكاتب الساخر العظيم سويفت مؤلف مغامرات جيلفر أصيب بالجنون في آخر أيامه.. والشاعر الفرنسي دي نوفال شنق نفسه والأديب القصصي دي موبسان مات في مستشفي الأمراض العقلية.. والاديب الروسي جوجول أصابه الجنون سنوات قبل وفاته. وهو الذي قال: حياتنا صعبة معقدة ومن المستحيل ألا نكون مثل هذه الحياة.. فنحن نولد غفلاء ولا نزال نقاوم ونقاوم حتي ننهار مجانين.
وصاحب هذه العبارة ليس مجنونا عندما قالها، وإنما صار بعد ذلك! والأديب الانجليزي تشارلز لام »5771 4381« لم يفاجأ عندما علم أن اخته قد قتلت أمه. وبعد أن فرغت من التأكد من أنها ماتت تماما ذهبت إلي أخيها الشاعر الكبير ولم تقل شيئا ولا هو سألها، وإنما انتقل بقدميه إلي مستشفي الأمراض العقلية ومات هناك وكتب في دفتر الزيارات في المستشفي: لم آت زائرا.. وإنما جئت مقيما. كنت مجنونا لا يدري عني أحد.. والآن صرت مجنونا لا أدري بأحد!
قالوا انتحر.. وقالوا أصيب بالجنون
الشاعر الكبير عبدالرحمن شكري نصف مجنون.. أو مجنون إلا قليلا.. أو مجنون تماما هذه آراء النقاد فيه.
والغريب أن العقاد لم يحاول إنقاذ عبدالرحمن شكري من براثن عبدالرحمن شكري. فكان عبدالرحمن شكري أقوي وأعنف. والعقاد لم يكن قادرا علي انتشاله من شعوره القوي بعدم جدوي الشعر والحياة معا. فإما الشعر و إما الحياة. فقدم الشعر وراح يقاطع الحياة. ولا نعرف بالضبط ماذا حدث لقد تعب عبدالرحمن شكري من الحياة. ثم غاب نهائيا. وقالوا انتحر.. وقالوا مات.. وقالوا أصيب بالجنون ووجدوه في الشارع فنقلوه وهم لا يعرفون من هو. ولم يسجل مستشفي الأمراض العقلية اسمه.. وكتبوا مجهول: يرتدي طربوشا ومنظارا غليظا وفي جيبه ورق وكلام ليس واضحا وقلم جاف.
وقيل كان في بورسعيد.. ثم اختفي فذهبت إلي بورسعيد، وسألت عددا من الصحفيين والمثقفين كبار السن فقال بعضهم: رأيناه ولما حاولنا أن نكلمه هرب بصورة جنونية وراح يصرخ ويتمتم. ثم اختفي...
وفي الاسكندرية قالوا كان هنا.. ولا كان هناك. وحاولنا أن نكلمه لكنه هرول واختفي وسألت: أين؟ قالوا في هذا الشارع أو في هذا الشارع. ورحت أدق الأبواب واحدا واحدا وقد أساء الناس فهمنا وظنوا كذا وكذا.. وحاولت نهارا وليلا..
وعرضت صورته علي كل من لاقيته في الشارع الذي حددوه.. فبعضهم قال إنه رآه من أسبوع.. وقالوا من شهر. وقالوا أمس وقالوا اسأل بالضبط هذا البقال. وسألت البقال. ووقفت أمام الغرفة ويدي ترتعش وخشيت أن يراني الشاعر عبدالرحمن شكري فيؤذي نفسه أو يؤذيني..
وفتح الرجل الباب.. دعني أصف لك ما تبقي من شاعرنا الكبير عبدالرحمن شكري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.