بعد أيام قليلة تأتي ذكري الخامس والعشرين من يناير وسط تحديات ومخاوف كثيرة انتابت معظم الناس. واعتقد أن وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا وخطيرا في زيادة تلك المخاوف، وساعد عليها بعض التصريحات الهوجاء وغير المسئولة التي يرددها بعض المحسوبين علي الثورة، وهي منهم براء. تأتي الذكري ونحن نجتاز بالفعل لحظة فارقة في تاريخ مصر، حيث تتزامن مع نجاح أول انتخابات برلمانية حقيقية، وقرب اجراء أول انتخابات رئاسية، لتستكمل مصر طريق الاصلاح المؤسسي نحو الدولة الحديثة. غير انها تأتي أيضا وسط تحديات خطيرة تمثلها حالة الانفلات الأخلاقي التي تجتاح مصر من أقصاها إلي أقصاها، ودخول المظاهرات الفئوية إلي منعطف خطير يهدد بالفعل كل ما تحقق من محاولات لإعادة دوران عجلة الاقتصاد المصري. تلك المحاولات التي تقوم بها حكومة الدكتور كمال الجنزوري، والتي استطاعت بالفعل تحقيق إنجازات ونجاحات كثيرة خلال فترة زمنية وجيزة، وتؤكد كل المؤشرات والدلائل انها قادرة بالفعل علي ان تعيد قطار الاقتصاد المصري إلي قضبانه ان توافرت لها أدني الضمانات والامكانيات. تأتي الذكري أيضا وسط حالة من الشكوك والريبة فيما يتعلق بالتركيبة الداخلية لمجلس الشعب الجديد، ومدي التوافق الذي يمكن أن يتم بين الأحزاب الرئيسية وكل القوي والتيارات الممثلة داخل البرلمان. ولا أبالغ عندما أقول ان محاولات حزب الأغلبية الحرية والعدالة لبث الطمأنينة ومد أيادي التعاون مع بقية القوي السياسية لايزال يواجه بحالة من التشكيك والريبة، والتي سوف تستمر خلال الفترة القليلة القادمة حيث سيكون الحكم علي الأفعال وليس الأقوال والتعهدات والنوايا الحسنة. تأتي الذكري أيضا وسط حالة من التخبط والتناقض والشكوك التي يعيشها بعض الشباب الذين شاركوا في اشعال فتيل الثورة، والذين يشعر عدد كبير منهم ان ثمار الثورة يقطفها اليوم كل الذين لم يشاركوا في زرع أشجارها. كما تأتي الذكري في الوقت الذي لاتزال تتعالي فيه صيحات أهالي الشهداء والمصابين، والذين نمتلك بالفعل كل الأعذار لهم خاصة انهم يتعرضون لشحنات مغرضة تقوم بها بعض وسائل الإعلام، التي سخرت نفسها لخدمة أجندات خارجية ومؤامرات كثيرة هدفها الأول والأخير هو اسقاط الدولة المصرية ومحو ريادة الدور المصري والاقليمي. ورغم كل المحاولات التي يقوم بها هؤلاء الشباب لتجميع صفوفهم وراء هدف واحد، إلا أن واقع الصورة يؤكد وجود حالات من الانقسام الشديد، سواء في الأهداف أو أسلوب وتوقيت وطريقة الوصول إليها وتحقيقها.
واقع الصورة يؤكد وجود حالة من الريبة والتشكك بين هؤلاء الشباب وبقية القوي الرئيسية علي الساحة السياسية، وفي مقدمتها المجلس العسكري باعتباره السلطة التي تحكم مؤقتا، وأحزاب الأغلبية التي يشتد سباقها للوصول إلي اكتمال المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وأيضا حكومة الانقاذ التي تسعي جاهدة لتحقيق أهداف الثورة من خلال منظومة متكاملة من القرارات والاجراءات التي تدفع مسيرة العدالة الاجتماعية بخطوات كبيرة وملموسة إلي الأمام. غير ان هذا التشكك وتلك الريبة امتدت أيضا لتشمل طرفا أهم وأخطر، وقد يقلب رأسا علي عقب كل الحسابات المطروحة علي الساحة، وأقصد بذلك الملايين من أبناء شعب مصر الذين وجدوا أنفسهم اليوم في متاهة لا أول لها ولا آخر، وأخشي ما أخشاه ان يتحول غضبهم ومشاعرهم من طاقة حبيسة في النفوس إلي فعل قد لا يحمد عقباه، خاصة مع تزايد المعاناة التي يعيشونها والتي يحاول البعض شحنها وتأجيج مشاعر الغضب والاستياء حيالها. أقول بكل الوضوح والصراحة ان المجلس العسكري قد أخطأ عندما أعلن عن برنامج للاحتفال بذكري ثورة 52 يناير، في الوقت الذي لاتزال فيه مشاعر شباب الثورة تعيش حالة من الانفصام تجاه كل الأحداث من حولهم. فليس معقولا ولا منطقيا أن يدور حديث مختلف في نفس اللحظة. الأول يتحدث عن حق الدم والشهداء والمصابين، والآخر يتحدث عن بالونات وصواريخ وألعاب نارية. وسط تلك الحالة من التخبط لا يصبح هناك أدني شك في أننا جميعا كمصريين مطالبون بلحظة نظام سريعة تعيد وضع الأمور في مكانها. فمصير شعب مصر ومعاناته وآماله وأحلامه لا يمكن ان تصبح مجالا للعبث واللهو. مظاهرات قطع الطرق وتعطيل وسائل المواصلات والانتاج والتعدي علي الممتلكات العامة والخاصة، يمثل نوعا من الغوغائية الممجوجة رغم شرعية أسبابها. لقد سادت مصر حالة من الخوف الشديد من أي تداعيات في ذكري 52 يناير، وهي مخاوف لن يصبح أسلوب التعامل معها مجالا للنقاش ان خرجت عن حدودها، ومن أي طرف أيا ما كان. سيادة القانون وسيفه، هما اللذان يحميان الثورة من أي محاولة للالتفاف عليها. هيبة وقوة الدولة هي الضمان الوحيد لإمتصاص غضبة شعب لن يصمت كثيراً، إن رآها تهتز أو تلجأ لأسلوب »الطبطبة« في أي خروج علي الشرعية!!