يتفق الطغاة في كل زمان ومكان في أنهم أبدا لا يتعلمون دروس من سبقوهم من الحكام المستبدين. هذه الحقيقة يؤكدها المصير المأساوي الذي انتهي إليه العقيد الليبي معمر القذافي الذي تم قتله وسحل جثته وعرضها عارية أمام الملايين علي شاشات التلفزيون في مشهد مهين يشوه كل ما تصور القذافي أنه حققه من أمجاد طوال 42 عاما من الحكم الديكتاتوري في ليبيا. فمنذ اللحظة الأولي لاندلاع الثورة الليبية يوم 17 فبراير الماضي، كان واضحا أن مرحلة حكم القذافي قد آن لها أن تنتهي.. العالم كله أدرك هذه الحقيقة ماعدا القذافي وحده الذي أصر علي أن يعيش في عالمه الوهمي.. هو الزعيم الأوحد والأخ الأكبر والقائد الأعظم وملك الملوك! أما أفراد الشعب فهم مجرد خونة وعملاء وجرذان! نفس هذا الوهم عاشه من قبل القذافي طغاة كثيرون سقطوا في النهاية بطريقة أو بأخري وهم لا يصدقون أن شعوبهم قد لفظتهم وعقدت العزم علي التخلص منهم. . هذا الوهم الذي يعيشه كل طاغية يحوله إلي مريض نفسي.. يعتقد أنه منحة من السماء لشعبه وأنه الضمان الوحيد لاستمرار وجود أمته. فالديكتاتور أدولف هتلر كان يردد دائما أن مشكلته الكبري هي أن سنوات عمره مهما طالت لن تكفي لكي يحقق لالمانيا ما يريده لها من أمجاد!! هكذا، يختزل الطاغية كل قدرات بلاده وإمكانياتها في شخصه ويعتبر جميع المواطنين مجرد أدوات مهمتها الوحيدة هي التسبيح بحمده والتغني بحكمته وتنفيذ أوامره وتعليماته مهما كانت غبية وحمقاء. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف يتحول زعماء وحكام تولوا السلطة وسط آمال بلا حدود في توفير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية لشعوبهم إلي طغاة ومستبدين لا يعنيهم سوي كرسي الحكم واحتكار الثروة والقوة والنفوذ؟ الاجابة علي هذا السؤال تطرحها نظرة سريعة علي سنوات حكم القذافي وغيره من الطغاة وهي تتلخص في الفساد وانتهاك الحريات وغيبة الديمقراطية وطول فترة البقاء في السلطة. ولا شك أن سقوط نظام ديكتاتوري مثل نظام القذافي يمثل انتصارا كبيرا للشعب الليبي لا يضاهيه في قيمته سوي الحيلولة دون ظهور نظام استبدادي آخر. كما ان نهاية اي طاغية تمثل انتصاراً للإنسانية كلها التي ترفض القهر والظلم والاستبداد ودعماً للديمقراطية في كل مكان. وربما كان الضمان الوحيد لمكافحة وباء الاستبداد الذي يجتاح أنظمة الحكم في عالمنا العربي هو أن تستيقظ القوي الوطنية المختلفة من سباتها العميق وتتجاوز مفاهيم المصالح الذاتية الضيقة لكي توحد أهدافها في طريق واحد هو الحرية والديمقراطية والعدالة، ولكي تتخلص من الكوارث التي يؤدي إليها حكم الفرد خاصة اذا كان من تلك النوعية المختلة التي تعاني من أمراض وعقد نفسية مستعصية مثل القذافي. إن الشعوب هي التي تدفع ثمن هذه الأمراض النفسية التي تصيب الطغاة.. وفي نفس الوقت، فإن الشعوب ايضاً هي المسئولة عن تكرار المأساة عندما تختار طاغية آخر تحيط به آمال كاذبة في التقدم والتنمية والاستقرار.. هكذا تصدق مقولة انه بعد كل قيصر يموت يأتي قيصر جديد! فهل تتعلم الشعوب الدرس أم ترتكب نفس خطأ الطغاة والمستبدين الذين لا يتعلمون دروس التاريخ؟!