قالها بالفم المليان واستهل بالعبارة لقاءه وكأنما يبحث عنها أين ذهبت ويناديها لتأتي بالنصح، ويا جامعة عربية، يا أشقاءنا، نحن في الساحة ننتظر منكم ان تأتوا بالنصح، فنحن وأنتم في خندق واحد ان لم تعلموا وخرجت العبارات من قلبه مشحونة ما زال لرنينها صدي لا أشك لدي كل من استمع اليه. كل من سبق وعرف أو استمع الي الزعيم السياسي العريق الصادق المهدي زعيم حزب الامة يحرص دوما أن يلبي كل ما يعيد ويجمعه به ليستمع اليه ويرحب به، فأما هذه المرة فأحسب انها تكاد تفوق كل مرة من حيث التوقيت والاحداث وعلامات الاستفهام والقلق علي مصير السودان ووحدة اراضيه، لذا عندما دعا صديقه السفير عبد الرؤوف الريدي الي هذا اللقاء فمن ذا الذي يتردد للحظة ولا يسارع ويلبي ؟ طوال جلسة امتدت لأكثر من ساعتين ارسل اشارات ضمنية حينا ومحددة أحيانا للتدخل بالنصح لاخراج السودان من "الورطة" الحالية، متحدثا باسهاب عن " حالة التأزم " التي جعلت من السودان وفق تعبيره " ملطشة " للعالم ويكفي كل هؤلاء " المبعوثين " الدوليين يعيثون فيه افسادا فلا هم بسفراء وفق قواعد الدبلوماسية ولاهم خاضعون لقوانين مرعية حتي كاد أن يتحول السودان لتدويل لو لم يحدث تدارك الموقف... علي أيام الاحتلال كان بالسودان ستة آلاف جندي بريطاني وحاليا خمسة أضعاف فلا أقل من 30 ألف جندي اجنبي داخل السودان الآن.. فعندما تحكم بلادا متعددة الاديان والمذاهب والثقافات بالايديولوجية الحزبية فلا يمكن أن يتوقع غير الاستقطاب الحاد.. مبدأ المشكلة مع حركة الجنوب السوداني بدأت بمطالب مفهومة (1) نصيب عادل في الثروة، (2) نصيب عادل في السلطة، (3) استثناء من الاحكام الاسلامية باعتبار الجنوب علمانيا ومن أصول غير عربية... انما جاء الانقلاب علي حكم الترابي ليتخذا موقفا " اسلامويا " وتفسيره لهذا التعبير انه " استغلال الاسلام طريقا للسلطة ".. وحدث تطابق اسلاموي - عروبي وحسموا الهوية السودانية بهذه الايديولوجية السياسية الثنية فكانت الكارثة اذ جاء من هنا فكر الانفصال " الانفصال العدائي"... دارفور مشكلة مختلفة سمتها صراعات علي موارد بين قبائل مستقرة من اصول زنجية وقبائل عربية وافدة.. فالمشكلة في دارفور اثنية مسيسة، واحزاب تحمل السلاح ضد الحكومة.. مشاكل محلية قابلة للحل في اطار مؤتمرات قبلية وانما تركت لتتحول لمأساة انسانية في متحف مفتوح امام العالم كله.. ومن باب الانسانية يدخل التدويل، وهكذا تحولت دارفور من مشكلة مطالب لمسألة تحرير، ومن مشكلة قومية لمشكلة دولية . مما قاله عن الانتخابات أن حزب الامة كان حريصا علي أن يخوضها وبنحو 1650 مرشحا فلما تبين أنها ستؤدي الي تعميق الانقسام في السودان لو لم يسبقها حسم لمشكلات معلقة فاقترح حزب الامة أن تحسم المشاكل اولا مثل الخلاف حول احصاء السكان، توزيع الثروة البترولية، الحدود، بمعني اوضح أن تحسم الخلافات بين المؤتمر الوطني في الشمال والحركة الشعبية في الجنوب، فلما استعصي الحسم اقترح حزب الامة تأجيل الانتخابات لحين ايجاد حل سياسي لمشكلة دارفور ولم يستجب كذلك وهنا قرر حزب الامة (يوم 9 ابريل ) مقاطعة الانتخابات.. وكل فصائل دارفور لم تشارك ولا تعترف بنتائج هذه الانتخابات التي عمقت الخلافات والتناقضات الحادة وفق المتوقع بين من يرفض ومن يقبل، واشكالات حول الحريات.. فالانتخابات وفق ما طرحه الصادق المهدي لم تحسم قضية السلطة في السودان , وقوي سياسية تري تزويرا قد حدث في دوائر محددة، فلم تؤد الا لتكرس الانقسام الذي أصبح واقعيا أكثر من ذي قبل بل شبه مؤكد مع تقرير المصير المحدد له العام القادم... اسرائيل متواجدة من زمن تلعب في الجنوب، ما بين تدريب قوات لغير ذلك، وايران كذلك متواجدة في الشمال " اقتصاديا وامنيا وعسكريا ".. وسؤال مباشر له : في حالة الانفصال ما مصير الشمال من حيث الثروة البترولية المركزة في الجنوب ؟ قال : اذا كان البترول في الجنوب فان البنية الأساسية كلها في الشمال ولا غني عن البنية الاساسية للنقل والتسويق والشحن وسائر الاجراءات.. إقامة بنية بديلة يكلف مالا يقل عن 15 مليارا، اذن فاقتسام الثروة البترولية ضرورة ملحة في كل الاحوال . الا يوجد من تصور آخر، سيناريو واقعي قد ينقذ ما يمكن انقاذه ؟ يقول ممكن تجاوز نتائج الانتخابات والاتفاق علي كيفية التعامل مع الجنوب كأن يوضع بروتوكول في حالة " الانفصال الاخوي " وفق تعاون مشترك او كونفدرالية أي لون من الانفصال" غير العدائي"للانفصال أشكال وألوان واشكال منه العدائي وهو ما يجب تفاديه فلا يسمح بوقوع حرب أهلية بين الشمال والجنوب في اي الاحوال.. أما دارفور فالحل يجب ان ياتي قوميا في اطار قبائلي، ثم يعقب ذلك اجراء انتخابات عامة جديدة مع تجنب المواجهة تحت أي ظروف أو وقوع صدام يترتب عليه مواقف حادة . انه يقولها ويكررها بلا مواربة: الموقف يحتاج للتحرك بالنصح من الأشقاء فأمامنا مخاطر وكلنا في خندق واحد والغياب الاقليمي يدول المشاكل، ولنا في العراق وغيره دروس وعبرة فحيثما يتراجع الدور الاقليمي يتعاظم الدور الدولي وهناك من يريد ويعمل علي تمزع السودان... قيل في البعد جفا ومصر لم تجف، لربما غفونا قليلا او كثيرا فقضايا أخري شغلتنا فألهتنا لحين الي ان صحونا علي نذير الخطر.. نشرق أو نغرب انما يبقي الواقع ماثل دوما لتوءمين برباط حبل سري مزمومين وبشريان يمدهما بالحياة ويقتاتان من معين واحد، ولا أقوي من روابط المصير الواحد.