توقعت أوبك في اجتماعها الوزاري الذي عقد في فيينا 8 يونيو الماضي ان يرتفع الطلب العالمي علي نفط أوبك من نحو 28.8 مليون برميل يوميا خلال الربع الثاني من 2011 الي 30.9 مليون ب/ي خلال النصف الثاني من العام. ومن ثم تزعمت السعودية ومعها الكويت والامارات وقطر دعوة لرفع سقف الانتاج بنحو 2 مليون ب/ي حتي لا تتعرض السوق لاختلال بين العرض والطلب يؤدي لارتفاع السعر وانتكاس الاقتصاد العالمي. هذا بينما عارضها 6 أعضاء وهم فنزويلا وايران والجزائر وليبيا وانجولا واكوادور والتي اتهمت المجموعة العربية الخليجية بالخضوع لضغط جانب الولاياتالمتحدة، وان الدافع لزيادة الانتاج سياسي وليس اقتصاديا، وان تقلبات السعر ترجع أساسا للمضاربة التي تفاقمت في 2011 مما أدي الي ارتفاع السعر من 77 دولارا للبرميل خلال 2010 الي 113 دولارا وما زال يراوح حول هذا المستوي. أما الوزير السعودي فقد عبر عن استعداد المجموعة العربية الخليجية لتزويد عملائها باحتياجاتهم من النفط ولو أدي الأمر الي السحب من القدرة الاحتياطية المغلقة في الحقول. بعد الاجتماع بأسبوعين فاجأت الوكالة الدولية للطاقة العالم بقرار سحب 60 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي للدول الأعضاء لطرحها في الأسواق. ولكي يفهم الدافع وراء انقسام أوبك، وقرار الوكالة ينبغي استقراء ما حدث خلال الفترة 2003-2007 التي قفز النمو الاقتصادي العالمي خلالها قفزة غير مسبوقة، فقفز معه الطلب العالمي علي النفط من 78 مليونا ب/ي الي 85 مليونا ب/ي. ومع تقلص القدرة الانتاجية الاحتياطية المغلقة في باطن الأرض - وهي من أهم محددات السعر - اختل التوازن بين الطلب المتزايد وبين الامدادات التي لم تساندها قدرة احتياطية كافية. كذلك ساهم في الضغط الصعودي للأسعار انتعاش المضاربة علي النفط التي شجعها ضعف الدولار خلال تلك الفترة. وبذلك قفز سعر نفط أوبك من 28 دولارا عام 2003 الي 69 عام 2007 و95 عام 2008. وكانت الصدمة عندما بلغ ذروته 150 دولارا في يوليو 2008 لكي يتهاوي الي 40 دولارا في ديسمبر نتيجة للأزمة المالية الاقتصادية التي حلت بالعالم. وما كادت الإفاقة تعود من خضة الانهيار المفاجئ للأسعار حتي انبرت أقلام من داخل وخارج أوبك، داعية ومروجة لسعر 75 دولارا للبرميل باعتباره سعرا عادلا وواقعيا. وفي رأينا ان هذا السعر لا يستند الي أساس من النظرية أو الواقع، أو حتي وصفه "بالسعر العادل" وهي صفة هلامية لا مكان لها في المعاملات التجارية الدولية. فسعر 75 دولارا لا يعدو ان يكون سعرا توافق عليه كبار مصدري النفط وكبار مستورديه مستهدفا ضبط تدفقات النفط في الأسواق بما يحول دون عودته الي ذروة يوليو 2008. وقد تأكد هذا التوافق أثناء الحوار بين منتجي النفط ومستهلكيه وبخاصة قمة رؤساء الدول المنتجة والدول المستهلكة للنفط في جدة يوم 22 يونيو 2008 برئاسة الملك عبدالله، والتي أصدرت اعلان جدة مؤكدا ان أسعار النفط وتقلباتها بلغت حدا يهدد الاقتصاد العالمي، وداعيا لاتخاذ اجراءات مشتركة من جميع المتعاملين في السوق العالمية للنفط، ومنها ضرورة توفير قدرة انتاجية احتياطية كبيرة لمواجهة الأزمات. ومما يستخدمه أيضا دعاة التوسع في الانتاج لخفض السعر، تصنيف النفط علي انه "سلعة استراتيجية" وهو ما يمهد الطريق لتداوله ويتيح للدول المستوردة طلب المشاركة في توجيه الصناعة، وتقييد حرية الدول المنتجة في ادارة الصناعة وحرمانها من الانتفاع بالقيمة الحقيقية لأسعار السلعة الناضبة الوحيدة التي تعيش شعوبها علي استهلاكها. ومن ذلك اقتراح سكاروني رئيس مجموعة ايني الايطالية في اجتماع وزراء الطاقة في مجموعة الثمانيG8 في روما 2009/5/24 انشاء هيئة دولية لضمان استقرار اسعار النفط من خلال صندوق موازنة يودع فيه ما يتجاوز السعر المتوافق عليه بين المنتجين والمستهلكين، ويصرف منه ما يعوض الدول المصدرة للنفط عند انخفاض السعر. ويتضمن المقترح الايطالي أيضا قيام الهيئة الدولية المذكورة بمراقبة احتياطيات وإنتاج النفط بحيث يتم الاحتفاظ بقدر كاف من القدرة الإنتاجية الاحتياطية لموازنة العرض والطلب وخفض تقلبات السعر (يقصد في الواقع خفض السعر). بهذه الخلفية يمكن تفسير قرار الوكالة الدولية ضخ 60 مليون برميل في أسواق النفط خلال يوليو الجاري، وان دافعها الأساسي مساندة الفريق الذي تتزعمه السعودية من أعضاء أوبك، وتوجيه رسالة تحذير للمجموعة المعارضة. أما غير ذلك من اسباب فهي أمور عادية ومتكررة ولم تصل في أي عام الي حد اطلاق كميات من المخزون الاستراتيجي الذي يحتفظ به لمواجهة أزمات الانقطاع الحاد للامدادات وليس للتأثير علي السعر. ومما يساند هذا التفسير ان الوكالة سبق ان انتهزت فرصة انخفاض سعر النفط (77 دولارا) خلال 2010ووجود فائض من المعروض بالأسواق، فقامت باضافته الي المخزون الاستراتيجي بحيث صار يغطي احتياجات الدول الأعضاء لنحو 150 يوما بينما المخزون المقرر رسميا لا يتجاوز 90 يوما. أما في المدي الطويل فإن وكالة الطاقة تتوقع بلوغ النفط ذروته بحلول 2020 لكي يبدأ رحلة النضوب النهائي، وان الكثير من الحقول الكبري قد تخطت بالفعل نقطة الذروة. وتؤكد الوكالة ان معدل انخفاض انتاج الحقول التي بدأت في النضوب يقدر الآن بنحو 6.7٪ سنويا في المتوسط، بينما كان 3.7٪ عند تقديره عام 2007 وهو ما تعترف الوكالة بخطأ تقديرها السابق. ومن مقتضي تلك التوقعات ان يدرك المنتجون والمستهلكون أن عصر النفط قد قارب علي النضوب ويحسنون استخدام ما تبقي دون مقاومة لدور جهاز الثمن في تحقيق التوازن بين العرض والطلب بدلا من الضغط الغربي، بقيادة الولاياتالمتحدة، علي منتجي النفط، وخاصة في منطقة الخليج، بغية استنزاف الباقي من النفط في أقل فترة زمنية وبأدني الأسعار.