بعد اندلاع الثورة في تونس والتي اعطت شرارة البدء للتغيير في العالم العربي كان لابد ان يعي حكام المنطقة العربية ان شعوبهم كسرت حاجز الخوف والصمت وانهم لن يقبلوا الا بالديموقراطية من الان فصاعدا، ولكن يبدو ان هذا الدرس لايزال مستعصيا علي فهم بعض حكام العرب. بعد هروب زين العابدين بن علي من تونس وسقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك وملاحقته قانونياً واتجاه باقي الشعوب العربية للمطالبة بحقوقهم، تم مقابلة هذه الثورات والاحتجاجات بالقمع بمنتهي القوة الي الحد الذي وصلت معه الامور للحرب الاهلية كما هو الوضع في ليبيا. المشكلة ان الرئيس الليبي معمر القذافي لم يع ان الطريق الوحيد للسيطرة علي الاحتجاجات والتظاهرات هو الاصلاح السياسي وان استعمال القوة والعنف لن يجدي. ولايزال مسلسل العنف مستمراً والاسوأ ان هذا الصلف والغرور في التعامل مع هذه الازمة لم يؤد فقط الي مقتل الالاف من الليبيين ولكن ايضاً تدخل قوات حلف "الناتو" بغرض "حماية المدنيين الليبيين" وفي النهاية اعلن رئيس الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية انه سيطلب اصدار ثلاث مذكرات اعتقال في اطار التحقيق الذي يجريه بشأن قتل متظاهرين وان احد المستهدفين بالاعتقال قد يكون الزعيم الليبي معمر القذافي. نفس السيناريو يتكرر في سوريا حيث عامل النظام السوري المتظاهرين بنفس العنف والذي ادي حتي الان الي مقتل حوالي 500 من المتظاهرين. ومع ذلك وبعد ستة اسابيع لاتزال التظاهرات مستمرة مما يؤكد ان نظام بشار الاسد قد تضرر بصورة لا يمكن معها اصلاح صورته. هذا العنف الزائد الذي استخدمه نظام الاسد في قمع التظاهرات لم يؤدي فقط الي فقدان هذا النظام شرعيته ولكنه ايضاً يفقده اخر امل في مساعدة الغرب له، وبالرغم من محاولة بشار الاسد تحسين الوضع بسحب الجيش السوري من مدينة درعا بعد عشرة ايام من محاصرتها الا ان هذه الخطوة لاتمثل حلاً جذرياً للأزمة. سبب هذا التمسك بالحكم من قبل الحكام العرب اوضحه الرئيس علي عبد الله صالح بدون قصد عندما لم يقبل التخلي عن الحكم الا بعد ان يضمن خروجا امنا بدون محاكمة. فبعد تكرار نفس سيناريو الثورة في اليمن ورد الحكومة عليها بالقمع، ظهرت الوساطة الخليجية التي بدت وكأنها طوق النجاة والامل الوحيد للخروج من الازمة بصورة سلمية. كانت هذه الوساطة تضمن لعلي عبد الله صالح خروجاً امناً مع اعطائه حصانة تمنع محاكمته بعد تخليه عن الحكم وهو ربما ما يخشاه اغلب الحكام العرب الذين يواجهون ثورات شعبية. ولكن المعارضة في اليمن رفضت اعطاء صالح هذه الحصانة وفي المقابل اعلن حزب »المؤتمر الشعبي العام« الحاكم ان الرئيس لن يقدم استقالته إلا بعد تنفيذ أحزاب المعارضة التزاماتها وفقاً للمبادرة بإنهاء الاعتصامات هذه المواقف المتقلبة أصبحت مؤشرا لفشل هذه الوساطة واتجاه الامور نحو الازمة مرة اخري. علي الرغم من ان الدرس يبدو في غاية البساطة وهو ان الشعوب العربية تريد ان تنعم بالديموقراطية والحرية والمشاركة في صناعة القرار إلا ان بعض الحكام العرب يمنعهم عنادهم من استيعاب هذا الدرس.