صحيح كان الفساد واضحا للجميع ومنذ فترات طويلة، ولكن لم يتخيل أحد حجمه الا بعد التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة خلال الأيام القليلة الماضية!.. لم يكن أحد يتصور هذا الكم من الفساد وهذا العدد الكبير من الفاسدين.. أوقولوا المتهمين بالفساد حتي تثبت ادانتهم!.. قضية الفساد تلك أصبحت أهم قضايا الساعة وأكثرها اثارة للرأي العام.. لكن هناك سؤال في غاية الأهمية يثيره عدد كبير من الناس يتعلق بالإجراءات العنيفة التي اتخذتها النيابة العامة ضد مجموعة كبيرة من رجال الأعمال والمسئولين وذلك بعد وقت قصير للغاية من مثولهم أمام جهات التحقيق.. والسؤال المحدد: هل كانت تلك الإجراءات ضرورية للتحقيق أم أنها إجراءات سياسية لتهدئة الرأي العام بمعني هل تتم التحقيقات بالحروف الابجدية لأسماء المتهمين ؟! هذا هو مربط الفرس ومع ذلك هناك تساؤلات أخري مهمة أيضا ترتبط بحجم الفساد في مصر.. ولماذا وصلنا إلي هذه الحالة المتردية.. وعلي من تقع المسئولية؟ وباختصار.. هل يتم التحقيق ب»الحروف الابجدية«؟! هذه التساؤلات طرحها المهندس معتز رسلان رئيس مجلس الأعمال المصري الكندي علي نخبة من المستشارين القانونيين ورجال المال والاقتصاد والإدارة في لقاء كان ضيفه رجل قانون يرأس جهازا يمثل حصن الدفاع الأول ضد الفساد. الرجل هو د.تيمور مصطفي كامل الرئيس رقم 71 لهيئة النيابة الإدارية. ولانها قضية الساعة فقد كان هناك حرص كبير علي مشاركة مجموعة من رجال القانون في هذه اللقاء . صحيح ان الظاهرة ليست مصرية فقط بل هي ظاهرة عالمية حيث بلغ حجم تلك الأموال 3.1 تريليون دولار، ولكن الأمر يحتم مطاردة هذه الأموال لاستعادتها.. وبأقصي سرعة! هيبة القانون استعادة هذه الأموال ومكافحة الفساد بشكل عام أصبح أمرا ملحا لما ينتج عن ذلك الفساد من أوضاع خطيرة وكما يقول د.تيمور مصطفي كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية بانه يضعف قدرات الاقتصاد والتنمية بشكل عام اضافة إلي زيادة تكلفة المعاملات وتقليل قدرة الدول علي التنافسية علي المستوي الاقتصادي الدولي وأهم من هذا ان الفساد يقضي علي هيبة القانون ويشيع روح اليأس وانهيار النسيج الأخلاقي للمجتمع. ولأن للفساد أشكالا وألوانا منها ما هو قانوني ومنه الأخلاقي لكن هناك نوعا آخر ألا وهو الفساد السياسي الذي ظهر من خلال تشريعات ضعيفة! والأخطر -كما قال د.تيمور- ان هناك فسادا تشريعيا وعلي سبيل المثال قانون الاحتكار الذي يوافق عليه مجلس الشعب السابق ثم يعاد مرة أخري للمجلس لإلغاء مادة في القانون لصالح شخص معين! وأضاف قائلا: ان ما حدث في الفترة الماضية كان بمثابة تعجيز للمساءلات حيث كانت هناك قوانين تحمي فئات معينة من المجتمع وخاصة رجال الأعمال! وأشار رئيس هيئة النيابة الإدارية إلي ان حجم الأموال المهربة من مصر سنويا يقدر ب3.8 مليار دولار وقال ان هذا الرقم كان حوالي 3.6 مليار قبل الأزمة المالية الدولية. وفي هذا الصدد أبدي تخوفه من تراجع ترتيب مصر في الترتيب العالمي لمؤشر الشفافية في ضوء الكشف عن حجم الفساد بعد ثورة 52 يناير. وأضاف داعيا إلي ضرورة إعادة هيبة الدولة ومؤكدا انه لا يجب التساهل في التعامل مع قضية الأموال المهربة للخارج والتحرك السريع والعاجل لاستردادها. وقال ان الإرادة السياسية موجودة ولا نقاش فيها ولكن الأمر يحتم اتخاذ الاجراءات اللازمة في هذا الشأن قبل فوات الأوان وذلك من خلال التنسيق مع المنظمات الدولية والعديد من دول العالم. قانون جديد وأشار د.تيمور إلي انه لن يفلت احد من العقاب ممن تم احالتهم إلي النيابة الإدارية في قضايا عديدة وقال ان الشهرين الماضيين ومنذ ثورة 52 يناير شهدا تقديم 6 آلاف بلاغ عن حالات فساد مؤكدا ان تحقيقات النيابة تتسم بالحياد والموضوعية ولا يتم الكشف عنها الا بعد مراجعتها والتحقق منها. وأضاف رئيس هيئة النيابة الإدارية مشيرا إلي انه رغم الجهود التي بذلت لمكافحة الفساد الا ان هناك بعض الثغرات بالتشريعات التي يجب مراجعتها. وقال انه تم اعداد مشروع قانون جديد لاعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكم التأديبية بهدف تفعيل دورها فيما يتعلق بالتحقيقات وتوفير الضمانات الكاملة لأطراف التحقيق. واشار إلي ان هذا القانون -بعد اقراره- سوف يعمل علي ضبط الجهاز الإداري للدولة من خلال تشديد العقوبات علي الجرائم المالية. وأضاف مشيرا إلي إعادة هيكلة النيابة الإدارية من خلال زيادة عدد النيابات إلي 651 نيابة بجانب النيابات المتخصصة ومكاتب للتفتيش. وقال ان مشروع قانون النيابة الإدارية سوف يتتبع العاملين بالخارج. كما أشار د.تيمور إلي وجود قضايا فساد عديدة مثل التلاعب في أملاك الدولة والمناقصات الحكومية ومنح التراخيص للشركات مؤكدا علي ان الأراضي التي تم الاستيلاء عليها أدت إلي المبالغة في أسعار الأراضي والعقارات. وقال ان التجاوزات التشريعية التي حدثت في الفترة الماضية أدت إلي تعجيز عملية المساءلة في مثل هذه القضايا نظرا لوجود تعديلات في القوانين تخدم تلك المخالفات والتي وصفها بأنها تمت في ظل منظورة تشريعية تحرض علي الفساد! تصفية الحسابات مرة أخري يشير د.تيمور إلي الحياد في تناول القضايا وقال ان مبدأ تصفية الحسابات مرفوض وانه لن يفلت أحد من العقاب.. ومع ذلك فإن التحقيقات لا تتم بالحروف الابجدية كما يحلو للبعض ان يثير ذلك. وقال ان القضايا التي يتم التحقيق فيها تأتي من خلال عدة روافد منها البلاغات ومنها ما تتوصل إليه أجهزة الرقابة.. وعموما لقد تعدينا مرحلة الخوف من الابلاغ عن الفساد والشعب هو الرقيب علي أي فساد وهذا هو المهم. صراحة د. تيمور في تناوله لقضايا الفساد جعلت المشاركين في اللقاء بتحدثون بنفس الصراحة. وهنا أكد د.عمرو عبدالمتعال المحامي بالنقض ضرورة عدم البحث عن »أكباش فداء« فالمهم هو البحث عن العدالة. وقال ان النصوص القانونية موجودة لكن العبرة بالتطبيق. وأشار إلي ان الفجوة بين النصوص وبين التطبيق أحدثت ما نحن فيه. لقد كانت جهات الرقابة تحقق في قضايا معينة لكن الارادة السياسية كانت تكبح ذلك في إطار »النزوات السياسية«! باب ملكي للفساد أما المستشار القانوني فتحي رجب فقد ركز حديثه علي ضرورة عدم انتظار الفساد حتي يحدث ثم نحاربه وقال الأمر يحتم وضع التشريعات التي لا تسمح بالفساد من أساسه. وفي هذا الصدد قال فتحي رجب ان فتح أبواب الخصخصة دون معايير فتح الباب علي مصراعيه أمام الفساد مشيرا إلي ان ثلاثة أرباع القضايا التي ينظرها النائب العام هي قضايا مرتبطة بالخصخصة والتي وصفها بانها الباب الملكي للفساد! وأضاف مشيرا إلي قضية الفساد السياسي فقال: لا يوجد جهاز قضائي في مصر يحارب المسئول السياسي عن افعاله وهنا يطالب بإيجاد وسيلة لطرح المسئولية السياسية لمواجهة مثل هذا النوع من الفساد. انحراف تشريعي وبدوره تطرق المستشار محمود فهمي رئيس هيئة سوق المال الأسبق إلي أبواب أخري للفساد مشيرا إلي انحراف السلطة التشريعية وضرب مثلا بالقانون رقم 86 لعام 0102 الذي ألغي قانون المناقصات العامة وجاء بما يسمي المقاولين المؤهلين وضرب عرض الحائط بقانون المناقصات. وقال ان القانون الجديد يعتبر خطيرا ويفتح الباب للفساد. وهنا يطالب محمود فهمي بإلغاء العقود بالأمر المباشر مهما كانت مبرراتها. ومن جانبه طرح د. مصطفي السعيد وزير الاقتصاد الاسبق تساؤلا مهما: لماذا حدث ما حدث؟ وقال ان العديد من التشريعات يمكن ان تطلق عليها تشريعات فاسدة.. واستطرد مشيرا إلي انه رغم تعدد أجهزة الرقابة زاد حجم الفساد بشكل غير متصور! هذا السؤال اجاب عليه د.السعيد مشيرا إلي ان السبب وراء ما حدث يكمن في غياب الديمقراطية بمعناها الحقيقي وكذا غياب سيادة القانون وقال ان حكم الفرد يؤدي إلي انتشار الفساد. أضف إلي ذلك التفاوت الرهيب في توزيع الدخل حيث وصلت النسبة بين الحد الأدني والحد الأقصي للمرتبات بمصر إلي واحد إلي ألف وتلك نسبة رهيبة بينما الوضع في دولة مثل انجلترا تصل إلي واحد إلي أربعة عشر. وفي حديثه عن التشريعات تكلم د.أحمد درويش وزير التنمية الإدارية السابق مشيرا إلي القانون الذي يمنع البناء علي الأراضي الزراعية فقال انه ان لم يتح البديل أمام المواطن فإنه يضطر إلي المخالفة.. وهنا فإن القاضي يتعاطف معه! ونفس الشيء أكده د.محمد عبداللاه رئيس جامعة الاسكندرية السابق والذي أشار إلي ان هناك قوانين مستحيلة التنفيذ مثل القانون الخاص بالأراضي الزراعية. الأهم من هذا وذاك كما قال د.تيمور مصطفي كامل رئيس هيئة النيابة الإدارية سرعة اتخاذ ما يكفل استعادة أموال مصر المنهوبة والمهربة للخارج.. وقبل فوات الأوان!