في وسط البلد دائما أبحث عن هذه الابتسامة الحلوة التي تزين وجوها راضية أول النهار، مشيا إلي سيدنا الحسين، حواريه القديمة الضيقة، دكاكينه التي يكسوها ملح الزمن، مقاهيه، أتبع رحلة الأستاذ نجيب محفوظ كأنني أسير كما اعتدت معه متأبطا مصر الجميلة القوية التي شافت وشالت، لكنها لم ترخ عنقها ولا انكسرت، »العطارين» وروائح العطارة، وأطباق الفول الصغيرة التي تجمع حباته من قدرة تتوسط الطريق، لماذا هنا القليل يكفي ويفيض؟ البركة في الموجود، هؤلاء مخلصون، لم يبحثوا عن فرصة للخروج من بحر ولو ضاق عليهم، هم هنا ملتصقون في خد البيوت القديمة والجدران، الحوائط والمشربيات، الأرصفة التي مازالت تحمل بقايا أرواح ساروا عليها في لهفة في الطريق للسيد أو حواريه، يتمتمون بالفاتحة والأدعية، هنا القاهرة، هنا الناس الذين لا يبيعون وطنهم ولا يشترون غيره، الوطن هنا لا يباع بأي سعر، لأن الحاج سعد الذي يبيع البخور منذ خمسين سنة علي الناصية لا يعرف إلا حجم صندوقه الخشبي وطنا، لأن الأسطي فايزة الباحثة عن رزقها في عتمة الحواري من بيع الخواتم التي تشغلها بنفسها، ليس لقدميها خريطة إلا هذه الخطاوي التي تعرفها منذ عشرين عاما، لأن الخروج إلي وش الدنيا ليس مطمعا إنما غربة يحلف بها، هكذا.. أنا هنا، أعبئ نفسي مرة أخري باليقين أن في الحياة مايستحق الحياة . أمشي قليلا، وأعود، أحمل أعواداً من البخور، أشتري أشياء للبركة، لكي أشارك في لقمة عيش مغموسة بالملح والعرق لرجل يأكلها حاف وينام مبتهجا، أما نحن خارج الدائرة غاضبون، ننتظر أشياء لن تحدث، لأنها ببساطة لكي تحدث تحتاج أن نبذل مجهودا خرافيا لكي تتحقق، لا شيء يتحقق بمعجزة، الله يده تغمرنا بالحب والكرم بعد أن تمسح عنا عرق التعب والأمل.