مرة أخري ولن تكون الأخيرة يتجدد الحديث عن العندليب والسندريلا بعد أربعين عاما من رحيل عبد الحليم حافظ في 30 مارس1977،و16 عاما من حادث مصرع سعاد حسني في 21 يونية 2001 .. جاء كتاب »العندليب والسندريلا.. الحقيقة الغائبة» للكاتب والناقد أشرف غريب رئيس تحرير مجلة الكواكب السابق الصادر عن دار الشروق مؤخرا ليكشف الستار عن كثير من الأسرار ومن خلال ستة فصول يتناول المؤلف البدايات الأولي للنجمين الاستثنائيين في تاريخ الفن المصري والعربي وكيف كان المسرح يعد لاستقبالهما والظروف تقود الي حتمية لقائهما وكيف حقق كل منهما نجومية كبيرة،وقصة الحب التي جمعتهما والزواج الذي لم يعلناه،يتخذ المؤلف من أفلامهما وأغنيات العندليب عنوانا كاشفا لفصول كتابه الذي يكتسب أهميته من التحليل الدقيق لكل رأي وموقف وشهادة الشهود ما يحيله الي وثيقة مهمة ليس عن قصة العندليب والسندريلا فقط وانما عن عصركامل من الفن وكيف كان الجمهور ثالثهما ليس في اختياراتهما الفنية فقط بل في زواجهما وانفصالهما أيضا.. لقد شغل النجمان الكبيران الصحافة والجمهور في عصرهما وبعد رحيلهما بحكايات حبهما وزواجهما،وانقسم شهود عصرهما من الكتاب والشعراء والملحنين والأصدقاء من يؤكد ويسوق الأدلة والبراهين ومن ينفي ويسوق أدلة أخري، وحتي حينما أعلنت سعاد حسني قبل رحيلها في حوارها للكاتب الكبير مفيد فوزي واعترفت بزواجها وعبد الحليم الذي استمر ست سنوات،ظهر من يشكك في كلامها ومن يؤكد أنها تبحث عن دور بعد أن انحسرت عنها الأضواء،خاصة أنها لم تنشر وثيقة زواج أوطلاق تؤكد ما أعلنته، ثم تظهر شقيقتها جنجاه وتنشر ورقة زواج عرفي يكشف المؤلف في الكتاب 11 سببا يدعو للتشكيك فيها رغم تأكيده بأدلة وبراهين وشهادات الذين اقتربوا منهما بقصة حب وزواج جمعت بين العندليب والسندريلا لكنها تحطمت علي صخرة الجمهور الذي دان له كل منهما بما حققاه وكان حرصهما عليه أكبر من حبهما . يقول المؤلف في مقدمة كتابه: حينما يكون نجاح الفنان من ذلك النوع الاستثنائي، ونجوميته من تلك الحالات المتفجرة يصبح الجمهور طرفا فاعلا في معادلة حفاظه علي هذه المكانة الخاصة بصورة ربما تكون ضاغطة عليه في معظم الأحيان، أوعلي أقل تقدير محركة له، ففي اللحظة التي يدرك فيها الفنان أن نجاحه الاستثنائي هذا هو صنيعة جمهور لا يقبل منه إلا ما يحبه ويرضاه، يصبح أسيرا في دائرة هذا الجمهور مهما اتسعت، وختضعا لرغباته مهما بدا الأمرعلي أنه هو معشوق هذه الجماهير . وليس هناك من شك في أن نجاح أي من عبد الحليم حافظ وسعاد حسني هو من ذلك النوع الاستثنائي الذي ربما لم يعرفه غيرهما علي هذا النحو في تاريخ الفن العربي ، ونجوميتهما من تلك الحالات المتفجرة التي جعلتهما من بين الخمسة الكبار في مسيرة االسينما العربية الذين يمكن تسميتهم ب »نجوم الشباك» وفق المصطلح الهوليوودي المعروف، فباستثناء عثرة البدايات الأولي لعبد الحليم حافظ كمطرب فإن الجمهور قد أحاطه بكل أمارات الحب والإعجاب منذ ولوجه السينمائي الأول سنة 1955 بطلا لفيلمي » لحن الوفاء » و» أيامنا الحلوة » بينما منح الجمهور سعاد حسني صك التفرد والشهرة فور إطلالتها السينمائية الأولي عام 1959 بطلة لفيلم » حسن ونعيمة » ومن ثم كانت اللحظة التي دانت لهما فيها دولة النجومية - كل علي حدة - وتذوق خلالها الاثنان حلاوة النجاح والشهرة هي ذاتها اللحظة التي سلم فيها كل منهما مقاليد حياته الفنية بل والشخصية إلي هذا الجمهور صانع تلك المكانة المتفردة،.. نعم دخل الجمهور قبلهما مخدعهما وتلصصت عيونه وآذانه علي دقائق مشاعرهما، فبات رقيبا دائما علي تصرفاتهما، ومسيطرا فعليا علي عقليهما، ومسئولا خفيا عن كل قراراتهما المصيرية في هذا الملف الشائك - أوفي غيره - بحيث يمكن القول دون أي تجن أومبالغة بأنه هومن أفسد عليهما حبهما الكبير . هذا الملف وإن بدا شخصيا في ظاهره ، فهو يعكس في واقع الحال طبيعة الحياة العامة في مصر خلال فترة الستينيات تحديدا فهذا الكتاب وإن كان معنيا بقصة عبد الحليم حافظ وسعاد حسني وحقائقها الغائبة ، فانه في مجمله محاولة لفهم تلك العلاقة الملتبسة والشائكة بين الجمهور والفنان وفي رصده لبدايات كل من العندليب والسندريلا يؤكد الناقد أشرف غريب أن الساحة الفنية كانت مهيأة تماما لظهوركل منهما فقد كانت تبحث عن بطل وبطلة بملامح ومواصفات جديدة حتي وجدت ضالتها في كل منهما . اللقاء الأول والاخير جاء فيلم» البنات والصيف» ليكون اللقاء الأول والأخير علي الشاشة بين سعاد حسني وعبدالحليم حافظ المأخوذ عن المجموعة القصصية لإحسان عبد القدوس، وقرر عبد الحليم اشراك الوجه الجديد سعاد حسني في القصة الثالثة لتلعب دور شقيقته، وفي مساء الاثنين الثامن والعشرين من مارس 1960 كانت سينما ديانا بالقاهرة تستقبل العرض الأول لباكورة إنتاج شركته الجديدة فيلم »البنات والصيف» كانت أسرة الفيلم حاضرة بأكملها في تلك الليلة ورغم تتابع مشاهد الفيلم الجديد فإن نجمين آخرين استأثرا باهتمام الجميع، ومشهدا آخر غير مشاهد الفيلم كان جديرا بلفت انتباه الحاضرين ، فبعد انتهاء أحداث الفيلم خرج عبد الحليم وقد تأبط ذراع البطلة الثانية سعاد حسني، ليكون الفيلم بداية قصة حب شهدت لغطا كبيرا بين نفي وتأكيد المقربين بزواجهما وبين الشائعات والاتهامات بين طرفيها حتي فجرت سعاد حسني الحقيقة في حديث صحفي مطول من باريس أدلت به للكاتب الكبيرمفيد فوزي عام 1995 حينما كان رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير واعترفت فيها بزواجها عرفيا من عبد الحليم لمدة ست سنوات مبررة عدم اعلان زواجهما بأن حليم مثل فريد الأطرش يعتبران الفنان ملك الجماهير، وأن إعلان الزواج يؤثر علي الفنان، رافضة الافصاح عن شهود الزواج. وقد اعترفت سعاد حسني للمؤلف أشرف غريب بأسباب اعلانها هذا الارتباط بقولها إنها كانت تعي تماما ما قالته وأنها تحملت بسبب علاقتها بعبد الحليم الكثير سواء في حياته أوبعد رحيله، وأنها كانت تري نظرات كل معاصريها تطاردها وتطارد أسرتها وأنها شعرت بدنوأجلها وضرورة أن تعلن الحقيقة، كما أكد له شقيقها الأكبرعز الدين حسني في برنامج تليفزيوني أنه كان يعلم بقصة زواج سعاد وحليم ، وأنها لم تفعل شيئا من وراء ظهر أسرتها، وإنما تزوجته عرفيا لأسباب تتعلق برغبة المطرب المعروف، ورغم أن شقيقها لم يكن موافقا علي ذلك في بادئ الأمر إلا أنه تفهم وجهة نظر شقيقته التي أوضحت له أن الزواج سوف يظل سريا بصفة مؤقتة، كما أكدت ذلك جيهان حافظ الأخت غير الشقيقة لسعاد هذا الكلام مضيفة أن السندريللا تحملت الكثير من أجل الحفاظ علي هذا الزواج ، ولكن الظروف كانت أقوي منها. ويسوق المؤلف شهادة أخري علي لسان أحد أخلص المقربين من عبد الحليم وسعاد معا، الموسيقار كمال الطويل الذي قال : طالما سعاد قالت هذا فهوصحيح، والذي أملكه للقطع بهذا الزواج أشياء كثيرة، أولا عيني التي رأت، ثم ثقتي الكاملة بسعاد حسني، وأيضا معرفتي العميقة برفيق العمر عبد الحليم حافظ ، وما رأيته بعيني هوأن سعاد حسني كانت في فترة معينة من حياة عبد الحليم تتواجد دائما في منزله وكنا نحن الأصدقاء المقربين من عبد الحليم نعلم جيدا أنه طالما سعاد تتواجد بهذه الصورة في بيته فإنها لا شك زوجته... والذي لايعرفه الكثيرون أن عبد الحليم ما كان يبوح بأسراره الخاصة لأحد وما ظننت لحظة واحدة أن عبد الحليم يمكن أن يظهر سعاد في حياته بهذه الصورة ولا يربطهما زواج، فعبد الحليم كان شرقيا له قيم ومبادئ ... وأتصور أن ما دفعه لهذا الزواج السري هواعتقاده الراسخ بأن زواجه سيؤثر علي نجوميته بالسلب مع أنه كان في أشد الحاجة لوجود امرأة إلي جانبه . الوثيقة المشكوك فيها في صيف 2016 جاءت السيدة جنجاه عبد المنعم حافظ الأخت غير الشقيقة لسعاد لتظهر ورقتين قالت إنهما الوثيقة التي تثبت زواج النجمين ضمن كتابها »سعاد .. أسرار الجريمة الخفية» فقد جاء الكشف عن هذه الوثيقة ليجذب الانتباه أكثر إلي غير ما كانت تبتغيه أختها، فأبسط ما توصف به هذه الوثيقة المعروضة أنها مرتبكة وغير منضبطة،وهنا يسوق المؤلف 11 دليلا يشكك في صحة الوثيقة جملة وتفصيلا، مؤكدا أن الجماهير التي عشقت العندليب والسندريللا وصنعت منهما أسطورتين خالدتين بحاجة إلي سنوات أخري قادمة قبل أن ينجلي لغزهاتين الورقتين. علي أية حال فقد توقف دفء المشاعر في لحظة غاية في البرودة، وضع العناد ربما، أوالمصالح - يجوز - حدا لقصة الحب التي جمعت بين من علما جيل الستينيات بأكمله معاني الحب، وذهب كل إلي غايته يحمل في داخله ذكريات الحب الذي كان ، والعمر الذي انقضي، والأحلام التي ضاعت في الطريق .