في مثل هذه الأيام من عام 1919 كانت مصر تشتعل نارا بعد اعتقال سعد زغلول وصحبه يوم 19 مارس!! وذكري الثورة مرت علينا مرور الكرام فلم يحتفل بها أحد إلا استثناء برغم أهميتها فقد نجحت في تغيير وجه مصر وكانت نتائجها الإيجابية كثيرة. والسؤال الحائر الذي يطرح نفسه علينا جميعا.. هل هناك وجه للمقارنة بين 1919 وفشل ثورة يناير التي قامت بعدها بأكثر من تسعين عاما؟؟ هناك عوامل مشتركة بين الثورتين، لكن الفارق بينهما شاسع.. فقد كانت أرض الكنانة مهيأة للثورة.. بعدما احتل الانجليز مصر عام 1882 وثار المصريون في وجههم بعد 37 سنة! وخلال هذه الفترة نمي الوعي القومي ولمصطفي كامل ومحمد فريد دور كبير في ذلك: وكذلك اشتد ظلم الاحتلال الانجليزي خاصة بعد إعلان الحماية البريطانية في ديسمبر من عام 1914 وتسخير أبناء بلدي في خدمتهم بعد قيام الحرب العالمية الأولي وعزل الخديو عباس عدوهم من منصبه وتعيين سلطان في خدمتهم مكانه وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير كما تقول الحكمة الشهيرة بالقبض علي زعماء مصر الذين طالبوا بالاستقلال عقب انتهاء الحرب. وثورة يناير كانت لها مقدماتها أيضا تمثلت في حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، وظهور احتمال التوريث بقوة، واشتداد الظلم وكان آخر مظاهره تزوير انتخابات مجلس الشعب لعام 2010 بطريقة فجة. ويجمع بين الثورتين كذلك المفاجأة الكاملة، فالثورة المصرية الأولي من نوعها في العالم كله ضد الاحتلال الانجليزي بعدما خرجت بريطانيا العظمي منتصرة في الحرب العالمية الأولي.. وزعيم الهند العظيم »غاندي» أشاد بثورتنا واعتبرها ملهمة له.. وثورة يناير مفاجأة كاملة حتي للثوار أنفسهم وكنت واحدا منهم ولي الشرف في ذلك: كنا نتوقعها فقط مظاهرة قوية ضد الحكم البوليسي لمصر في ذكري عيد الشرطة: وسارعت الحكومة وأعطت إجازة رسمية للدولة كلها في هذا اليوم وذلك لأول مرة بمصر.. ومع ذلك تحولت تلك المظاهرة إلي ثورة عامة.. كيف حدث ذلك؟ أراها معجزة ربانية بكل المقايس وشعب مصر معروف بصبره الطويل، لكن له مفاجآته التي لا تخطر علي بال أحد كذلك. ويجمع الثورتين كذلك الخلافات الشديدة التي وقعت بين التيارات المشاركة فيها! وحزب الاحرار الدستوري تشكل من الباشوات الذين شاركوا في الثورة واختلفوا مع سعد زغلول الذي اعتمد أساسا علي طبقة الأفندية وقد اسماهم أعداؤهم بالغوغاء والرعاع! ووجود قائد للثورة بشخصيته العارمة وانجياز الغالبية العظمي له حافظ علي الثورة من الانقسام برغم الخلافات! بعكس ثورة يناير التي أصبحت في خبر كان بسبب الانقسامات العميقة للقوي السياسية التي شارك في الاطاحة بمبارك! وثورة 1919 كانت الاكثر اتساعا وشملت كل طبقات الأمة من الاغنياء والفقراء والفلاحين والموظفين الذين أضربوا عن العمل لأول مرة! بينما ثورة يناير شبابية من الطراز الأول! والأوضاع بعدها عادت إلي الأسوأ بعكس انتفاضة 1919.