د. عماد عبدالغفور حالة من الذعر والهلع أصابت الجميع، مع انتشار أخبار عن حالات للتسمم في المدينة الجامعية لطلاب جامعة الأزهر الشريف، أرقام تتصاعد بشكل مخيف، وأنباء تتردد وشائعات تتناثر عن ضحايا ووفيات بالعشرات والمئات. وبعيداً عن كل ما يتردد من شائعات وأقاويل فإن من المصلحة وضع الحدث في حجمه الطبيعي والتعامل معه بموضوعية وشفافية، وقد يكون من الضروري أن أذكر أنه كان لي شرف متابعة جزء من المشكلة ومررت علي بعض المؤسسات العلاجية التي توجه إليها المصابون وتأكدت من استقبالهم وتلقيهم العلاج المناسب وخروجهم جميعاً سالمين بحمد الله. أعلم أن القضية قيد البحث والتحقيق للكشف عن ملابساتها وحقيقتها ولكن لابد من إلقاء الضوء علي نقاط هامة في محاولة للوصول إلي أسبابها ومنع تكرارها: أولها: هل سبب هذه الحادثة يرجع لخلل في ثقافة وسلوك المواطن المصري؟؟ هل انعدام الحس الصحي وتدني مستوي النظافة يجعلنا نضع أرغفة الخبز علي بلاط رصيف الشارع، ونعرض اللحم مكشوفاً فيجتمع عليه أسراب الذباب لساعات والأغذية المعروضة علي قارعة الطريق، ومشكلة باعة الطعام الجائلين، كل هذه الممارسات وأمثالها تجعل موضوع التسمم شيئاً طبيعياً بل نتيجة حتمية للأسف. الاحتمال الثاني: هل تكمن المشكلة في توريد المنتجات الفاسدة وهل تتسلم الإدارة أغذية منتهية الصلاحية أو غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وهذا يفتح الباب لشريحة أخري من الإشكالات، ولكن نؤخر الكلام عليها لما بعد انتهاء التحقيقات، والتي تجري في نزاهة ولن يتستر عليها إنسان، وإن ثبت شيء من هذا فلا تردد في مواجهتها بحسم انطلاقاً من حديث النبي صلي الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا." ولا تهاون مع من يستهتر بأرواح أبنائنا الطلاب ويستهين بصحتهم. الاحتمال الثالث: عدم وجود الأجهزة والثلاجات وإمكانيات التخزين القادرة علي خدمة واستيعاب احتياجات هذا العدد من الطلاب، وأظن أن هذا الاحتمال غير وارد، إذ إن هذه المدينة الجامعية بالذات استخدمت منذ سنوات لاستضافة اللاعبين في أحد الدورات الرياضية الدولية القارية مما يدل علي تمتعها بإمكانيات متميزة. والبعض قد يشير إلي احتمال رابع وهو ضعف التمويل، وأن الطالب يدفع مبلغاً قدره اثنا عشر جنيهاً شهرياً فقط في حين أن تكلفة الإعاشة قد تتعدي الثمانمائة جنيه للطالب شهرياً، وهذا العجز يزيد شهرياً مع ارتفاع الأسعار، وهذا التبرير يمكن تصوره عند الحديث علي رداءة الخدمة وتدني مستوي الأداء والجودة ولكن ليس لحالات التسمم الجماعي والكارثة الصحية العامة، والدولة لاشك ملتزمة ومسؤولة عن توفير مستوي متميز من الخدمة لطلاب الجامعات المغتربين. يبقي هناك احتمال أن الطلاب المصابين هم أصل المشكلة، والمصري الأصيل معروف أن معدته تهضم "الزلط"، ولم يكن أحد من هؤلاء يجرؤ أن يشكو الإسهال والقيء في عصر حسني مبارك ، وكل هذا "دلع فارغ" ومؤامرة لإحراج الإدارة البريئة. حقيقة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير لن يجبر أحد علي أن يهضم "الزلط"، بل يتطلع الجميع إلي الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية في أكمل صورها. سنتجاوز هذه المحنة ويحاسب المقصرون، وسيحصل طلبة العلم علي ما يستحقونه من رعاية وعناية، وما نرجو منهم عدم تسييس مثل هذه المشكلات، والتأكد أن كل الشعب معهم حتي يصلوا إلي كامل حقوقهم إن شاء الله تعالي.