تعيش مصر الآن حالة ضبابية، تخفي وراءها الكثير من الأشياء الجميلة والنفوس الطيبة، كما تخفي أيضاً بعض الأشياء القبيحة والنفوس المريضة. والضباب الذي يخيم علي مصر الآن، ليس ظاهرة طبيعية أو حتي بسبب السحابة السوداء وتلوث الجو، ولكنه تكون من الأنفاس التي تخرج من الصدور الحاقدة التي تسعي لتدمير كل شيء، والقضاء علي أي أمل للتقدم والاستقرار، وهي تبيع كل شيء، تبيع وطنها وتبيع شرفها من أجل الإطاحة بأول رئيس منتخب مدني في تاريخ مصر، والذي وصل إلي سدة الحكم بإرادة شعبية حرة، حتي تجلس مكانه، وكلنا يعرف انه في حالة نجاحها في تحقيق نواياها الخبيثة، فسوف تبدأ عملية صراع دموي بين هؤلاء الذين تآلفوا وتوحدوا علي الشر!! والحالة الضبابية التي نعيشها، تتكون من عدة مشاهد.. مجموعة من الذين أسقطهم الشعب في الانتخابات الرئاسية، فجن جنونهم وأقسموا علي الانتقام من الرئيس وحزبه ومن الشعب كله، أحدهم من رموز النظام السابق، أراد أن يغسل تاريخه الأسود المليء بالسلب والنهب بمنصب الرئاسة، وبعد فشله هرب خارج البلاد وتخيل نفسه زعيماً ولو كان رجلاً لعاد ليبرئ نفسه، وثان يحلم بالزعامة منذ شبابه المبكر، وهو علي استعداد لارتكاب كل الموبقات من أجل تحقيق هدفه، وثالث من الفلول ظل عشرات السنين ينعم بمناصب وثروات عهد مبارك، وظن نفسه زعيماً عندما ضحك عليه مطرب يضحك عليه الجميع، ومعهم عميل ساهم في تدمير العراق بعد ان باعها لأمريكا، ويريد ان يدمر مصر، وآخر وجد نفسه زعيماً لحزب كان عريقا، وكانت فرصة ليغسل تاريخه وأمواله. وإعلام فاسد ملأ السماء بالفضائيات، والأرض بالصحف الصفراء، وباع نفسه لمن يدفع من الخارج ومن الداخل أيضاً، ويخدم أهداف رجال العهد البائد الفاسد الذين يضخون الملايين ويدفعون الملايين لمذيعين ومذيعات وصحفيين باعوا ضمائرهم ووطنيتهم من أجل المال.. وصحافة قومية ترقص علي السلالم ويسعي الكثير من العاملين فيها لإعادة الفساد، وتليفزيون حكومي يصيب بالغثيان وهو صورة طبق الأصل من الصحافة القومية، ومازال البوم والغربان يعششون بداخله، وقد اتفق في الهدف مع فضائيات الفتنة والضلال. أما نقابتنا - نقابة الصحفيين - التي كان يجب ان تكون ساحة للحرية، إلا أنها أصبحت - للأسف - ساحة للاستربتيز، وخلع الكثيرون فيها ملابسهم كما خلعوا من قبل ضمائرهم، وتحول بعضهم إلي بلطجية سلاحهم البذاءة بدلا من الكلمة، والصوت العالي بدلاً من الحوار، واتحدوا ضد النقيب الذي جاءت به جموع الصحفيين، وشهادة حق بأنني لم أر نقيباً عمل علي تحقيق مصالح الصحفيين مثل ممدوح الولي، وهو وإن كنت أغضب منه أحيانا، إلا أنه إنسان صادق وأمين ومخلص. وهناك محكمة دستورية دخلت لعبة السياسة، وأصبح هدفها الوحيد إحداث فراغ دستوري لإسقاط الدولة، مع انها كان يجب ان تكون »حامية« للدستور، وأصبحت أحكامها معروفة سلفا وعملت فيما ليس اختصاصها، كما أصبح قضاتها نجوم فضائيات، وعلي رأسهم »الست« التي أتت بها »الهانم«، وعندما سقطت »الهانم« أرادت »الست« أن تصبح »زعيمة«.. وأيضا نادي القضاة الذي ابتعد عن هدفه الأساسي، وسعي رئيسه ان يصبح زعيماً سياسياً مع أن تاريخه معروف في مساندة النظام الفاسد.. أما القضاة الذين تخلوا عن واجبهم المقدس ليلحقوا بركب السياسة، فإنني أسألهم: بأي وجه تقبضون مرتباتكم؟.. ولاشك أنكم الآن في الجانب الذي كنا لا نرضاه لكم في حديث رسول الله عن القضاة! ومن غرائب المشهد السياسي وضبابيته، أن هناك الآن رئيس جمهورية يتعرض يومياً للتجريح والهجوم الحاقد و»قلة الآدب« ويتهمه أصحاب هذا الأسلوب بالديكتاتورية.. وهناك حزب للأغلبية تكتلت في مواجهته قوي الشر، وجماعة ناضلت ودفعت الثمن بدماء أعضائها وحرياتهم، تسعي قوي الشر أيضا لإقصائها. وحتما سوف يتغير المشهد، وينقشع الضباب وتنجلي الحقيقة.. ولا نامت أعين الجبناء.