لو قرأ أحد قصتي سيتعجب ويسأل: وأين المشكلة اذن؟ لكنني متأكدة أن هناك »مشكلة ما« رأيت ان أعبر عنها بطريقتي.. كتبت بحثا عن مستجيب، وسألت راغبة في مجيب.. وهذه هي قصتي.. أنا موظفة أعمل بمركز مرموق، عمري الآن 92 عاما، من أسرة متوسطة ماديا وطيبة، لكني لم أحصل علي نصيبي من الزواج بعد، ويسبب لي هذا الموضوع ألما نفسيا حادا. هذا الألم ليس سببه أنني »ملهوفة« علي الزواج أو شيء من هذا القبيل، فقد تمت خطبتي مرتين لكن قدر الله وما شاء فعل، لم يكتمل الأمر في أي منهما. في المرة الأولي لا أعرف لماذا تنازلت وقبلت ان يخطبني شاب أقل مني اجتماعيا وثقافيا. كان بعيدا عني في كل شيء، وكانت جسور التواصل بيننا مقطوعة تماما، وفي المرة الثانية كان العريس نقيضا تماما للأول، إذ كان معيدا باحدي الجامعات بدولة أوروبية، لكن أيضا لم يمهلنا القدر لنتزوج وانفصلنا. والآن يتقدم لي كثيرون لكنني لا أجد الشخصية المناسبة لي، وهذه هي مشكلتي الأساسية. أعلم ان كل شيء بيد الله سبحانه وتعالي، لكنني أشعر بغيرة شديدة عندما أري بنات أقل مني في كل شيء وينعمن بالاستقرار الأسري، ليس هذا حقدا أو حسدا لا قدر الله لكنه غبطة. أين أنا منهن؟ سيدتي.. أرجو ألا يساء فهمي من هذه الرسالة، فأنا لا أبحث عن عريس، لكنني أصبحت ساخطة علي حياتي إلي حد كبير، لست خائفة من شيء بعينه لكنني أبحث عن الرضا.. ينقصني هذا الشعور الذي يحقق الطمأنينة النفسية والسعادة. حاولت أن أشغل وقتي بما يفيدني ويفيد من حولي ويرضي الله عني، وأقوم حاليا بتعليم القرآن للأطفال. فكرت في اللجوء لأخصائي نفسي، فربما كنت أحتاج لعلاج نفسي، لكن في مجتمعنا الريفي يعد هذا نوعا من الجنون، والحل البديل هو الفضفضة واللجوء لمن هم أكثر مني خبرة، وهأنذا أطرق باب صفحة »رسائل خاصة جدا«. لكن حتي الفضفضة التي تريح أصبحت متعبة بالنسبة لي، أصبحت أوثر الصمت. لا أريد ان أتحدث إلي أحد، ربما كانت ظروف عائلتي الآن أرغمتني علي ذلك، فوالداي مسنان واخوتي كلهم متزوجون ويعيش كل في بيته. وسؤالي الآن: أين أنا من كل ما يحدث حولي؟ وماذا أفعل؟ وأين طوق النجاة لي؟ الصامتة »ك« الكاتبة: عزيزتي الآنسة »ك«. أتعاطف جداً مع مشكلتك، فهي مشكلة 9 ملايين فتاة في مصر، أي أكثر من 01٪ من السكان. مشكلة تأخر سن الزواج خاصة بين الفتيات المتعلمات الجامعيات.. فالأميات.. الريفيات يتزوجن في سن صغيرة ارتباطا بعادات وتقاليد أهل القري. ولأن هؤلاء الفتيات يجدن بسهولة ازواجا من المزارعين الأقارب، متوسطي التعليم. المشكلة التي تعانين منها.. ومثلك ملايين الفتيات هي التأخر في سن الزواج. ولا شك أنها مشكلة حقيقية، لها تداعياتها وتأثيرها علي كل شيء في حياة الفتاة أو الشاب. ومسألة أنك تفكرين في اللجوء إلي طبيب نفسي حتي تفضفضي، وربما لتصرخي من شدة الاحساس بالقهر النفسي، والجسدي والإنساني أفهمها جيدا وأقدر معاناتك. لكن.. أليس هناك أنشطة اجتماعية تجعل لديك فرصة للاختلاط بالناس أكثر؟ لماذا مثلا لا تنضمين لجمعية أهلية تهدف إلي العمل لعلاج نوع معين من الأمراض المستعصية، مثل السرطان أو القلب أو الكبد أو الكلي؟ لماذا لا تختارين نشاطا إنسانيا تطوعيا إلي جانب عملك الرسمي، أو نشاطا ثقافيا لحضور ندوات ومناقشات حول كتاب جديد.. أو فيلم سينمائي.. أو معرض فنون تشكيلية؟ لماذا لا تختارين هواية فنية أو رياضية تمضين معها وقت فراغك وفي الوقت نفسه تكون فرصة للاختلاط مع ناس آخرين غير الذين تلتقين بهم في العمل أو في محيط العائلة. أرجو أن تبحث كل فتاة تواجه هذه المشكلة عن نفسها أولا.. وان ترضي وتشبع ذاتها علميا وإنسانيا وثقافيا.. وعندها ستشعرين بالرضا الذي تبحثين عنه.. فالرضا ينبع من داخلنا.. ولا يأتي ابدا من الخارج. انه ثمرة احساسنا بالتحقق والارتواء الروحي والفكري والإنساني. ونتيجة جميلة لأعمال قمنا بها فأسعدنا من خلالها غيرنا، أو أنجزنا أعمالا نفخر بها، ونعتز. الرضا - يا صديقتي - صنيعتنا نحن.. ومحصلة أعمالنا. وليس منحة من الآخرين..