مظاهرات الاحتجاج من الأنشطة الطبيعية و الشائعة في المجتمعات الديموقراطية سواء كانت ضد سياسات محددة أو شخصيات بعينها بهدف الإعراب عن رفض هذه السياسات أو الاحتجاج علي مواقف عامة لهذه الشخصيات لأنها تلحق أضرارا مادية أو أدبية بالمتظاهرين أو أفكارهم وتوجهاتهم السياسية و الاقتصادية والاجتماعية. وتتنوع مظاهرات الاحتجاج مابين مجرد رفع اللافتات وترديد الشعارات وحتي اللجوء للعنف والاعتداء المباشر علي الشخصية التي يتم التظاهر ضدها بإلقاء البيض الفاسد أو الطماطم عليها وفي بعض الأحيان تكون وسيلة الاحتجاج هي الاعتداء البدني كما حدث مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفو برلسكوني الذي لكمه أحد المتظاهرين وكسر له أنفه. وما حدث مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال زيارتها الأخيرة لمصر نموذج لمظاهرات الاحتجاج التي لا يكتفي المشاركون فيها برفع اللافتات وترديد الشعارات. فقد تم رشق موكبها بالطماطم والتنديد بما يراه المتظاهرون دعماً امريكياً للإخوان المسلمين في مواجهة معارضيهم علي الساحة السياسية المصرية. لكن، ربما كان الجديد في هذه المظاهرات المعادية لهيلاري سواء أمام مقر إقامتها في القاهرة أو قرب السفارة الأمريكية هو الأسلوب الذي لجأ إليه المتظاهرون بهدف الإساءة لها وإيذاء مشاعرها الشخصية بطريقة أقرب ما تكون إلي أسلوب كيد النساء وليس التنديد بمواقفها وسياسات بلادها. تعمد المتظاهرون ترديد هتاف »مونيكا... مونيكا« في إشارة الي الفضيحة الجنسية التي تورط فيها زوج هيلاري، الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، مع الفتاة اليهودية مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض و التي اعترف كلينتون بعلاقته المشينة معها وغفرت له زوجته هيلاري هذه النزوة أو السقطة بشكل جعلها تكسب تعاطف الكثيرين خاصة في الغرب حيث تسود ثقافة احترام الاعتراف بالخطأ وقبول الاعتذار. المشكلة هنا، ليست في موقف المتظاهرين من حكاية مونيكا ولكن رغبتهم في التحقير من هيلاري شخصيا رغم أنها لم ترتكب أي جرم في هذه الفضيحة بالتحديد، بل ظهرت في صورة الزوجة الحريصة علي زوجها و أسرتها حتي ولو كان ذلك علي حساب كرامتها و كبريائها. هكذا، بدا أن هدف المتظاهرين الوحيد هو الكيد لهيلاري ومعايرتها بأنها »لم تملأ عين زوجها« فلجأ الي امرأة أخري لترضي نزواته وتشبع غرائزه. هكذا، ظهر هذا الاحتجاج وكأن الهدف منه هو أن تتكون لدي هيلاري عقدة نفسية ضد المصريين و بالتالي تسعي للتأثير علي علاقات بلادها مع مصر الثورة بشكل سلبي خاصة أنها كانت تستقبل خلال حكم المخلوع مبارك بكل حفاوة وترحيب. ولكن هيلاري أكدت أنها لم تغضب من المصريين الذين رشقوا موكبها بالطماطم بل اعتبرته مؤشرا علي تزايد الحرية، والقلق والتوتر من التغيير الذي تشهده مصر بالإضافة الي أسفها علي ضياع ثمرات طيبة من الطماطم علي الأرض وكأنها تقول إن المحتجين كانوا أولي بهذه الطماطم التي ألقوها عليها. أما الهتاف في شوارع القاهرة باسم مونيكا فإنه لم يشعر هيلاري بأي إهانة علي حد قولها ربما لأنها أدركت أن موقف المتظاهرين ضدها كان مجرد جزء من الصراعات الداخلية الحالية في مصر ومحاولة لدفعها للندم علي سقوط نظام مبارك. فلو كانت المسألة تتعلق برفض السياسات الأمريكية تجاه مصر والعرب والمنطقة لكان أحري بالمتظاهريين التنديد بالمواقف الأمريكية ضد الشعوب التي تناضل من أجل الاستقلال والحرية بدلا من معايرة وزيرة الخارجية الأمريكية بالمرأة التي اختطفت زوجها منها وكأن البعض أراد أن »يفرش لها الملاية« ويكيدها بإثارة فضيحة زوجها مع مونيكا التي مضي عليها حوالي 15 عاما. الغريب أن المتظاهرين لجأوا لهذا الأسلوب وفقا للثقافة المصرية أو الشرقية التي تعتبر هذا النوع من العلاقات غير الشرعية خطيئة كبري لا تغتفر بينما ينظرون اليها في أمريكا والغرب علي انها مجرد هفوة يكفي لنسيانها الاعتراف بها والاعتذار عنها. لذلك، أصدق هيلاري وهي تقول أنها لم تشعر بالإهانة عندما ردد المتظاهرون أمامها اسم مونيكا عشيقة زوجها السابقة خاصة أنهم تجاهلوا جرائم أمريكا الحقيقية في المنطقة العربية مثل دعم نظام مبارك وغيره من الأنظمة الدكتاتورية وانحيازها الأعمي للصهيونية وسياساتها الاحتكارية والاستعمارية.