أحد المؤشرات الأساسية التي تحدد توجهات السياسة الأمريكية إزاء الإخوان المسلمين في مصر هو تجربة واشنطن المريرة مع الثورة الإسلامية في ايران عام 1979 التي لم تسفر فقط عن علاقات مازالت مقطوعة بين البلدين حتي اليوم، بل وأيضا احتمال دخولهما في صراع مسلح بين لحظة وأخري. كان موقف الأمريكيين واضحا منذ البداية ضد ثورة خوميني التي راهنوا علي فشلها أو امكانية اجهاضها ولكنهم فوجئوا بقدرة نظام الملالي الجديد في طهران علي الاستمرار رغم كل محاولات اسقاطة. واعتبر الكثيرون من الساسة الامريكيين موقف بلادهم من ثورة خوميني الإسلامية خطأ لا يغتفر لسبب بسيط هو أنه ألحق خسائر فادحة بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط. كان هذا المفهوم وراء الموقف الأمريكي المتردد في دعم دكتاتورية حسني مبارك في مرحلتها الأخيرة , وربما كان هو أيضا الدافع وراء اعلان واشنطن في وقت مبكر أنها مستعدة للحوار مع القوي الدينية الإسلامية في دول الربيع العربي بل وتأييدها الواضح للإخوان المسلمين في مصر رغم كل المحاذير و المخاوف ورغم الضغوط التي تعرضت لها إدارة الرئيس أوباما من الكونجرس وغيره من المؤسسات الأمريكية لمقاطعة النظام الجديد في مصر والذي وضع السلطة بين يدي الإخوان. استجاب اوباما لرأي معسكر آخر في دوائر صنع القرار الأمريكي يضم وزارتي الدفاع (البنتاجون) والخارجية يري ضرورة القيام بمحاولة لاحتواء الإخوان المسلمين في مصر وعدم الوقوع مرة أخري في الخطأ الإيراني الشهير. تمكن هذا المعسكر من اقناع الإدراة الامريكية بوجهة نظره استنادا لما وصفه بالملامح الخاصة للتيار الديني في مصر والتي تختلف الي حد بعيد عن ملامح القوي الدينية الإيرانية. أول هذه الملامح أن الإخوان المسلمين وهم جماعة تنتمي لطائفة السنة لا ينظرون الي أمريكا باعتبارها العدو الأول للإسلام كما يفعل ملالي إيران من الشيعة والذين يعتبرون أن الولاياتالمتحدة هي (الشيطان الأكبر) كما قال زعيمهم آية الله خوميني. ويشير الكثيرون في واشنطن إلي أن رؤية الإخوان المسلمين الاقتصادية هي رؤية رأسمالية بامتياز و تتطابق تقريبا مع المفاهيم الاقتصادية الأمريكية. وكان الموقف من إسرائيل من أهم ملامح تيار الإخوان المسلمين في مصر التي لفتت نظر الأمريكيين كأحد معايير الاختلاف الرئيسية عن السلطة الإسلامية الشيعية في إيران. فالإخوان، ليست لديهم مشكلة في قبول إسرائيل بشروط أعلنوها ومن أهمها الاحترام المتبادل للمعاهدات الموقعة بين البلدين وعدم المساس بالمصالح الوطنية المصرية وإظهار قدر أكبر من الجدية في عملية السلام مع الفلسطينين. أما إيران فهي ترفض من الأساس فكرة وجود دولة يهودية و يؤكد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وغيره من المسئولين في طهران ضرورة إزالة إسرائيل من علي خريطة الشرق الأوسط. وأخيرا، جاء تعهد الإخوان المسلمين لواشنطن بنبذ العنف واحترام الديموقراطية ليؤكدوا للأمريكيين اختلافهم عن أيات الله في طهران. أما أطراف أوجه التباين والاختلاف التي يراها الامريكيون بين الإخوان في مصر وقيادات الشيعة في إيران فهو أنهم لا يمانعون في ارتداء ربطة العنق (الكرافتة) التي يرتديها الرئيس محمد مرسي وغيره من القيادات الإسلامية بشكل مستمر علي عكس الوضع في إيران حيث لم يظهر الرئيس أحمدي نجاد أو غيره من المسئولين ولو مرة واحدة وهم يرتدون ربطة العنق لأنهم ينظرون الي الكرافتة باعتبارها رجس من عمل الشيطان وبدعة أمريكية أو غربية لابد أن يتجنبها أي مسلم حقيقي! ورغم كل هذه المبررات الأمريكية لفتح القنوات مع المسئولين الإسلاميين في مصر إلا أن الرهان علي الإخوان يظل محفوفا بالمخاطر إلا إذا كانت لدي الأمريكيين (تطمينات) أخري غير معلنة تجعلهم علي ثقة من الفوز بهذا الرهان!