الأمر أكبر وأخطر من احتجاج ايراني علي اعدام شيعي سعودي، أنها دعوة لحرب طائفية تعيد أحداثا دامية في صراع تاريخي.. علينا أن ننساه غاب عن إيران القراءة الصحيحة للتطورات في السعودية، فتصورت أن تجاوزاتها وسياساتها التوسعية وخطط الهيمنة في المنطقة، ستمر بدون رد، لم تدرك أن هناك قيادات حاكمة شابة في السعودية، سمات تحركاتها هو الحسم والسرعة في اتخاذ القرار، حاولت طهران استكمال حصارها لدول الخليج من الجنوب، عن طريق ميليشيات الحوثي الشيعية، واستيلائها علي السلطة في اليمن، فكان الرد «عاصفة الحزم»، أقامت طهران الدنيا ولم تقعدها، علي إعدام أحد قيادات الشيعة في السعودية، في إطار تنفيذ أحكام إعدام طالت 46 غيره، ومنهم مصري وتشادي، فلجأت السعودية إلي الأساليب الدبلوماسية، وردت علي ترهلات وأكاذيب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية، وعندما تعدي الأمر ووصل إلي مخالفة كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، والاعتداء واقتحام سفارة المملكة العربية السعودية في طهران، بتحريض من مؤسسات رسمية إيرانية، وصلت إلي تهديدات صريحة من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية، وحماية أجهزة أخري أشرفت علي العملية، ومنها فرع الطلاب في قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري، التي دعت إلي التظاهر أمام السفارة فتحول إلي عملية اعتداء وحرق للمبني، كان القرار السعودي، بقطع العلاقات مع إيران، وإغلاق السفارة الإيرانية في الرياض. في القراءة المتأنية لأسباب الأزمة، ما يغري علي الدخول في التفاصيل، خاصة في الجرائم المسندة إلي ال47 شخصا، سواء القيام بأعمال قتل وتفجير وتحريض وسحل وخطف، واستهداف مقار أمنيه وحكومية، خلال فترة من 2003 إلي 2011، وبعضها تابعته صحفيا أثناء وجودي كمدير لمكتب الأخبار في المملكة، في الفترة من 2004 إلي 2006، وفي التفاصيل أيضا، أن تلك المحاكمات مرت بثلاث مراحل، من القضاء الجزئي وفي محكمة الاستئناف، وأمام المحكمة العليا، ويصبح السؤال المنطقي لماذا كل تلك الضجة هذه المرة ؟ والإجابة ببساطة اسأل عن إيران، ومن هنا منبع الخطورة. الموقف الإيراني لمن لا يفهم أو كان لديه رغبة في تحسين العلاقات العربية الإيرانية خطير جداً، لأن الرسالة التي يبعث بها إلي كل الدنيا، أن قم هي قبلة الشيعة في العالم، وأن طهران هي المسئولة عن حماية الشيعة، مهما كانت جنسياتهم، سعودية، أو مغربية أو باكستانية أو ماليزية، ولهذا فقد أقامت الدنيا ولم تقعدها فقط، لإقدام السعودية علي إعدام أحد الشيعة السعوديين لاحظ ذلك متهم بجرائم إرهابية، وأشعلت الموقف ليس في طهران وحدها، ولكن في عدد من الدول العربية، التي تعيش وتتأثر بشكل أو بآخر، بوجود جماعات شيعية موالية لإيران، في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، نحن أمام دولة تكرس لمفهوم جديد في العلاقات الدولية، وهي أن الانتماء الطائفي، يفوق ويعلو علي فكرة المواطنة، وفي ذلك إهدار وهدم تام لفكرة الدولة الوطنية، فهل هناك معني آخر لذلك من خلال قراءة التهديد الذي ظهر علي لسان آية الله علي خامئني، بأن هناك أثرا سريعا لإعدام النمر، أو تلك الحملة علي المملكة، التي شارك فيها كل أحزاب وقيادات موالية لإيران في المنطقة، ومن ذلك توعد حسن نصر الله زعيم ما يسمي بحزب الله اللبناني للمملكة، أو أن يستخدم نوري المالكي رئيس الوزراء السابق في العراق، نفس لغة بيان المتحدث باسم الخارجية الإيراني، بأن الرياض ستدفع ثمنا غاليا لإعدام النمر، ويزيد عليها بأن الإعدام سيطيح بالنظام السعودي، وكيف نفسر تدخل الزعيم الشيعي العراقي مقتدي الصدر علي خط القضية ؟ بدعوته الشيعة للتظاهر في كل دول الخليج، والتي استجاب لها نفر من المتطرفين الشيعة في البحرين، ودخلوا في مواجهات مع الشرطة هناك، وكيف نفهم مظاهرات جماعة الحوثي في اليمن، أو في لبنان أو سوريا؟. الخيط الذي يربط كل تلك التحركات هو إيران، التي تلعب بنار الطائفية في المنطقة، منذ فترة ليست قصيرة، وعبر خطة محكمة، تم من خلالها استنساخ تجربة حزب الله، الذي حظي في بدايته بتعاطف وتأييد قطاعات عريضة من الشارع العربي، وفي كل البلدان، علي أساس أنه حزب مقاوم، هدفه فقط مواجهة إسرائيل، والدفاع عن لبنان، إلي أن تحول إلي عامل أساسي للأزمة اللبنانية، جزء من الصراع الداخلي، ولكنه يتفوق علي الجميع بميليشيا عسكرية قوية، استولت ذات مرة علي العاصمة بيروت في عام 2007، والأمر لم يختلف في اليمن، عندما أصبح لجماعة الحوثي ميليشيا أسماها أنصار الله، استولت علي العاصمة في سبتمبر من العام الماضي، وبعدها علي كل الدولة، لولا عاصفة الحزم لانتهي الأمر في اليمن. الهزيمة الوحيدة لإيران كانت في البحرين، عندما استقوت جماعة الوفاق الشيعية في فبراير 2011، وخرجت من جمعية سياسية تستخدم أساليب ديمقراطية، في معارضتها للحكومة، لتتحول إلي منفذ للمخطط الإيراني القديم، بضم البحرين إلي إيران،. نيران الطائفية والمذهبية التي تحاول إيران إشعالها في المنطقة، لن تبقي ولا تذر.