محىى الدىن اللاذقانى كل انسان يحب أن يروي قصته علي هواه، وحين يكون بالسلطة أو علي علاقة بها تتضاعف رغبته في إخفاء فصول بعينها من قصة حياته ليظهر مكانها تفاصيل أخري قد لا تكون حقيقية، لكنه يحاول فرضها بالقوة، ويوظف من أجل ذلك شهود زور وأحداثا من المخيلة ليزيد من نسبة الإقناع. ليلي بن علي امبراطورة تونس المتوجة سابقا وحاكمة قرطاج كما كانوا يسمونها لم تخرج عن هذا المنحي العام في سرد السيرة الذاتية المختلطة بالسياسة، والمال فهي في كتابها الصادر حديثا بالفرنسية بعنوان »حقيقتي« تقدم نفسها علي طريقة أبطال روايات »تشارلز ديكنز« الذين تطيح بنجاح عائلاتهم وتؤثر علي طفولتهم ظروف قاسية، فهي تزعم حين تتحدث في الفصل الاول من كتابها عن طفولتها وأسرتها أن والدها انتحر لأنه خسر املاكه وعقاراته وأطيانه بسبب سياسة بورقيبة الاشتراكية. وبالعودة إلي » ويكيبيديا« وهي موسوعة حرة محايدة نكتشف ونحن نقرأ سيرة ذات الشخصية باقلام أخري أن والد الست التي دوخت تونس كان مجرد بائع خضار، ولو كانت السيدة المنفية والهاربة مع زوجها بعد أولي ثورات الربيع العربي أكثر صدقا مع الذات والغير لكان هذا الوالد المكافح بداية طيبة لنسج قصة ممتازة عن سيدة عصامية نشأت في بيت فقير ووصلت إلي أعلي المراتب، والمرجح أن ليلي أكلت الذئب ومعه تونس كانت تروي لصويحباتها في السلطة قصتها المتخيلة تلك حتي لا تبدو قليلة في أعينهن وبينهن كما نفهم من خلال الفصل الثاني والثالث لكتابها المؤلف من أربعة فصول، عائشة القذافي وسهي عرفات والشيخة موزة المسند زوجة حاكم قطر. منحي آخر لا يصمد أمام المقارنة في هذه السيرة المعدلة ذهنيا لتلبي أوهام المخيلة وليس أحداث الواقع سردها للجانب اللطيف والخيري والمعطاء. والرقيق في التعامل مع الاخرين ففي كتاب »حقيقتي« الذي يجعلها ملاكا بقلم من روي عنها نسمع أريحية فائقة في التعامل مع المحيطين لكن خادمها السابق في قصر قرطاج لطفي بن شرودة يرسم في كتابه عنها »في ظل الملكة« صورة أخري تكاد تناقض تماما بورتريه ليلي بن علي عن نفسها فهو يحكي عن سيدة قاسية متعجرفة لا تعرف الرحمة ويسجل أنها وضعت يد أحد الخدم في الزيت المغلي في واحد من عقوباتها المبتكرة للمحيطين بها الذين لم تكن تقبل منهم أقل من الطاعة العمياء مهما كانت طبيعة الأوامر. ولا شك أن الفصل الرابع والأخير الذي تروي فيه آخر أيام حياتها في قصر قرطاج هو الأكثر أهمية في الكتاب كله، فالناس تريد أن تعرف كواليس الايام التي قادتها والذئب الذي أكلته وما تزال إلي المجهول علي متن طائرة قيل إنه تم التغرير بركابها وانهم كانوا ينتظرون العودة بعد أن تهدأ الامور خلال أيام، والحقيقة أن التناقض يبدو في هذه الرواية واضحا وصريحا، فهل كانت السيدة التي سحبت من البنك المركزي التونسي في الثالث عشر من يناير 1102 طنا ونصف من الذهب بحسب الاقتصادي التونسي المنصف شيخ روحو واثقة من العودة؟ أم أنها كانت تضرب ضربتها الأخيرة وتسرق آخر ما تستطيع سرقته، وهي علي يقين تام من أنها في طريق اللاعودة في اليوم التالي. في رواية ليلي بن علي كما في الإعلام الرسمي التونسي علي زمانها لابد من مؤامرة وتزيين الاصح تزييف لحقائق بعينها، فحين كانت مثلا حاكمة لقرطاج كان ذلك الاعلام يسميها حسب رغبتها »السيدة الفاضلة« مع أن أساطينه كانوا يعرفون أنها عاشت علاقة سرية مع الذئب الذي روضته لمدة عشرة أعوام قبل أن يتزوجها رسميا، وكان بعضهم يعرف، أو قرأ علي الأقل عن فساد الطرابلسية الاسطوري الذي سجله الفرنسيان نيكولا بو وكاترين كراسيه في كتاب »حاكمة قرطاج.. الاستيلاء علي تونس« الذي صدر قبل ثلاثة أعوام من الاطاحة بليلي وذئبها. وفي الكتاب الجديد الذي لا تشبه معلوماته كتاب الصحفيين الفرنسيين ولا الموسوعات العلمية الموثقة لا نجد غير الاوهام المتخيلة وتضخم الذات، وسيلا لا حد له من المؤامرات التي أدت إلي نهاية حقبة صاحبة السيرة، أما المتهمون بالمؤامرات، فهم أصهار بن علي ومستشاره عبدالعزيز بن ضياء الذي كان يقدم له تقارير مضللة عن الثورة، ورئيس أمنه علي السرياطي. لقد كان صخر الماطري علي ذمة حماته يتآمر علي عمه زين العابدين بن علي وكان علي اتصال بالغنوشي منذ عام 9002 حين اتصل به الاخير مهنئا علي افتتاح اذاعة القرآن الكريم المسماة الزيتونة، وقد قضي الماطري الايام الأخيرة التي سبقت الرحيل الرئاسي مع محمد الغرياني أمين عام حزب التجمع الدستوري الحاكم، وكان يرسل إلي عدة جهات مبشرا بقدوم الغنوشي من لندن. الصهر الثاني مروان المبروك كان بحسب ليلي جزءا من المؤامرة ايضا فهو الذي اقنع الفرنسيين بأن النظام انتهي وكان علي صلة لتكتمل الحبكة بالمخابرات الامريكية والفرنسية والبريطانية والقطرية، أما الصهر البريء من الاشتراك في المؤامرة فهو سليم شيبوب الذي أرسلته إلي القذافي قبل يومين من مغادرتها الأخيرة لقرطاج ليقنع الجار الليبي بضخ مساعدات اضافية للقضاء علي الثورة، وطبعا لا نعرف جواب القذافي لصهر زين العابدين لكنه في أول خطاب له بعد رحيل ليلي والذئب أبدي تعاطفا كبيرا مع المخلوع التونسي ولكن بعد فوات الأوان. وقد لا يبدو كلام صاحبة »حقيقتي« مقنعا وليس علي مؤامراتها ورواياتها عن أصهارها أدلة، والامر نفسه يمكن أن يقال عمن اتهموها مبكرا بمؤامرة العمل مع الصهاينة وحملوها مسئولية تزويد اسرائيل بالمعلومات عن تحركات خليل الوزير قبل أن تتزوج رسميا من بن علي، ثم زادوا بعد رحيلها بالحديث عن مشاريع مشبوهة مع سهي عرفات، وكل هذا يصعب اثباته في هذه المرحلة أما الذي يصعب دحضه، فهو حجم الفساد الذي مارسته وعائلتها وكان من الطبيعي أن يقود إلي ثورة عارمة ارسلتها إلي المنفي لتجتر أحزانها وذكرياتها وتحاول مستخدمة خبرتها في التجميل التي اكتسبتها في صالون حلاقة تلوين وتلطيف القاتم من تلك الذكريات التي تصلح للتسلية لكنها لا ترقي إلي مستوي التحول إلي وثائق يتم الاعتماد عليها في كتابة تاريخ مرحلة من أخطر ما عرفه العرب في تاريخهم المعاصر من أحداث جسام.